السبت 11 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

2020/2021 عام التطبيع غير الحدودي.. الزوايا المختلفة

القاهرة 24
سياسة
الثلاثاء 29/ديسمبر/2020 - 10:43 م

خريطة المنطقة العربية والشرق الأوسط تتغير بموجة التطبيع التى بدأت بأربع دول.. ومتوقع أن تتسع في إفريقيا وأسيا العربية.

ملامح "أوسلو2" تتبلور مع الوقت.. لكن احتمال إبعاد نتنياهو وتغير ترامب يجعل حالة الترقب تطول.

2020 هو "عام التطبيع العلنى غير الحدودى"، بعد أن وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيتين مع إسرائيل، وأعلنت السودان والمغرب عن علاقات مباشرة متنوعة مع تل أبيب، وتم الكشف عن اتصالات سرية وشبة سرية بين إسرائيل والسعودية وباكستان والكويت وسوريا ولبنان، والإعلان عن توسيع العلاقات بين إسرائيل وإندونسيا وتركيا وتشاد والنيجر، وأحاديث عن أن هناك تطبيعات كاملة فى الطريق مع قطر وعمان، فيما لاتزال هناك معارضات ما من جانب جيبوتى وتونس والجزائر وموريتانيا.

ومن المرشح أن يشهد 2021 استمرار عملية التطبيع مع الخليج وإفريقيا وأسيا الإسلامية، رغم الضبابية السياسية التى تضرب إسرائيل خلال الشهور الأولى من العام المقبل ترقبا لنتائج الانتخابات الرابعة خلال عامين، والتى من شأنها أن تقصى "زعيم التطبيع غير الحدودى" بنيامين نتنياهو عن قيادة إسرائيل، مع استبعاد مهندس التطبيع "يوسي كوهين" من رئاسة الموساد، لمنصب ومهمة غير محددة المعالم حتى منتصف 2021، حيث يترك منصبه لخليفته المنكى "د"، والذى تم إقرار تعيينه رئيسا للموساد.

اللقاءات السرية والعلنية

تل أبيب جنت وتجنى ثمار سنوات من الخطط واللقاءات والاجتماعات السرية على مختلف المستويات والملفات مع عناصر خليجية، بعضها مع دول كونت معها علاقات محدودة فى أعقاب اتفاقية أوسلو فى نهايات التسعينات، وبعضها لم تجمعهم أية علاقات معلنة، وكانت الحجة الكبرى، هى أن جميعهم شركاء فى مواجهة النزعة التوسعية والتهديدات الإيرانية، رغم إن هناك حالات لا علاقة لها بإيران أساسا، وهذا أكد أن إيران مجرد مبرر دعائى لما أعقد من ذلك.

سريعا، تحولت هذه اللقاءات السرية إلى لقاءات علنية بغطاءات أممية ودبلوماسية ودينية فى عواصم غربية، وكان لإدارة ترامب دورا كبيرا فى تسريع هذه الوتيرة وبلورتها، إما بالابتزاز أو باستثمار القلق الخليجى من الخطر الإيرانى، ولعبت دول مثل السعودية دورا مهما فى تحريك المياه الراكدة فى العديد من المسارات وبالذات الإماراتى والبحرينى والسودانى والمغربى والباكستانى، خاصة إن البيئة والأجواء كانا متبلورين ومتحضرين لهذا التغير، منذ الغلبة الكبرى لحزب الله فى حرب لبنان الثانية وبعد إنتشار إيران فى العديد من الدول العربية، من لبنان للعراق واليمن وسوريا، ولكن زاد هذا التطور منذ ما يسمى بموجة "الربيع العربي" ، حيث جمع الشركاء الجدد "إسرائيل والخليج وغيرهم" القلق من وصول ضربات "الربيع" لهم بشكل أو آخر، خاصة إن إيران تمددت أكثر وأكثر فى الدول العربية مع هذا الربيع.

انهيار الجيوش العربية

انهيار كل الجيوش العربية باستثناء الجيش المصرى والجزائرى والسعودى، مع إنشغالهم بتحديات كبيرة، رتب المشهد لتسريع موجة التطبيع غير الحدودى، بل وجعلها تصل إلى التطبيع العسكرى غير المسبوق، فلم نراه فيما سبق، إلا فى التعاون الإسرائيلى القطرى والإسرائيلى الأردنى، لكن تعميمه وعلنيته كانت مفاجأة صادمة للكثيرين، وبشرت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية بقرب التطبيع غير الحدودى وعدم اعتبار الصراع الفلسطينى الإسرائيلى معرقل له، من خلال الموقع السعودى "إيلاف" والفضائيات العربية "الجزيرة" و"سكاى نيوز عربية" و"العربية".. فيما ظل يتحدث نتنياهو بكل ثقة عن قرب التطبيع مع دول عربية، خاصة إنه كان قد بدأ زيارة هذه العواصم الخليجية بالفعل ومنها المنامة وأبو ظبى لكن سرا، بخلاف القمة التى عقدها مع السلطان العمانى "قابوس" قبل وفاته بفترة وجيزة.

وكانت الانطلاقة الرسمية العلنية لموجة التطبيع غير الحدودى مع إعلان ما أسموها بصفقة القرن بجوانبها السياسية والاقتصادية، حيث كان اجتماع المنامة، الذى ضم لأول مرة مسئولين أمريكيين وإسرائيليين وخليجيين بشكل علنى، وكان للفلسطينيين موقفا تاريخيا بقيادة الرئيس محمود عباس أبومازن، حينما قرر قطع العلاقات مع إدارة ترامب وإسرائيل بشكل كامل، رافضا كل التطمينات التى كانت تأتيه من الرياض أو غيرها بإنه لا مساس بالثوابت الفلسطينية أو معايير المبادرة العربية.

صفقة القرن والسعودية

وحتى قبل اجتماع المنامة وصفقة القرن كلها، كانت السعودية أول من قدم إشارة على بدء موجة التطبيع غير الحدودى، بالسماح لطائرات العال الإسرائيلية بالتحليق فى الأجواء السعودية، وهى فى طريقها لنيودلهى، فى سابقة تاريخية، وبذكر خطوط الطيران، فهى واحد من أوضح المؤشرات التى تستخدمها إسرائيل على نجاح التطبيع وتطبيقه الرسمى، ففتح الأجواء السوادنية أمام الطائرات الإسرائيلية المتجهة لأمركيا اللاتينية وفر لها ساعات طويلة، وأيضا استخدم نتنياهو الأجواء السوادنية، وهو عائد من رحلتيه لتشاد والنيجر، قبل حتى لقاء رئيس مجلس القيادة السودانى عبدالفتاح البرهان فى أوغندا، وأيضا كانت إتفاقات خطوط الطيران واستخدام الأجواء من أول ما وقعه فى ملف التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب.

الرفض الجزائري 

وكما هو دليل للتطبيع، فهو أيضا إشارة لرفض محاولات التطبيع على الأقل الآن، حيث رفضت الجزائر وتونس فتح أجوائهما للوفد الإسرائيلى الأمريكى، وهو فى طريقه إلى الرباط.. ووجدتها تونس فرصة للتأكيد على رفض التطبيع مع إسرائيل لحين التوصل لإتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فيما يعد الموقف الجزائرى معقدا أكثر وأكثر، لأن الاعتراف الأمريكى بسيادة المغرب على منطقة الصحراء، يضر بالمصالح الجزائرية المباشرة فى قضية البوليساريو، بل وعبرت الجزائر علنية عن قلقها مما أسمته بالوجود الإسرائيلى على حدودها.

وهذا الموقف الجزائرى يفتح الحديث حول تغير نقاط الأمن القومى العربي بعد هذه الموجة الكبيرة من التطبيع، والتى تحول أماكن ما كانت بيئة آمنة إلى بيئات مقلقة بل معادية فى بعض الأحيان، فإسرائيل بهذه الاتفاقات والتطبيعات أصبحت متواجدة فى كل نقاط الخليج الاستراتيجية بأجهزتها وعتادها، وحادثة تواجد الغواصة الإسرائيلية "دولفين" فى الخليج العربي كتهديد مباشر لإيران، لن تكون أمرا عابرا بعد ذك، بل هذا سيكون مشهدا إعتياديا، والتواجد الإسرائيلى فى السودان يؤمن لها منطقة البحر الأحمر، والتعاون مع الإمارات، يجعلها متواجدة فى باب المندب وهرمز، وهى الآن متواجدة بشكل كبير فى منطقة الساحل والصحراء بإفريقيا وحتى جبل طارق، وطبعا المعلن مواجهة إيران وتمدداته فى هذه المناطق وغيرها، لكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، فلا أحد يسمع أى صوت لإعتراض ما لغارات إسرائيل الشبة يومية على سوريا لأن حجتها مواجهة أهداف وتموضعات إيرانية، وكانت قد استهدفت نقاط عراقية بنفس الحجة، وها هى تعمل بشكل كبير غير معتاد فى إيران سيبرانيا وميدانيا دون أى تعليق من أحد، ويعتبر المطبعون الخلايجة هذا النشاط الإسرائيلى ضد إيران دليل على نجاح رؤيتهم.

التطبيع المصري المختلف 

نموذج التطبيع غير الحدودى، وبالذات الخليجى مختلف تماما عن نموذج التطبيع المصرى، الذى ظل لأكثر من أربعين عاما فى إطار ما لا يخرج عنه، لدرجة أن الإسرائيليين اشتكوا للأمريكان مما أسموها بالسلام البارد، وهناك سخونة معقولة فى التطبيع المصرى لتحقيق الفائدة المصرية إن كان غازيا أو فى إطار مواجهة الإرهاب ودعم الفلسطينيين بالتدخلات المختلفة، من فترة لأخرى، بينما خلال أيام وقع الإماراتيون والبحرينيون والمغاربة اتفاقات كثيرة بمئات المليارات من الدولارات مع الإسرائيليين، فى كل المجالات تقريبا، التكنولوجية والسياحية والأمنية والاقتصادية والطبية والدينية وحتى الرياضية، فإسرائيل تروج نفسها فى الخليج على إنها التى ستقدر على نقلهم من مجرد دول تعتمد على البترول والغاز فقط إلى دول متقدمة تكنولوجيا، وستحل لهم مشاكل المياه وتطور إمكانياتهم الزراعية، بل انطلقت إلى التطبيع العسكرى العلنى مع السودان، ووعدت السودانيين بحل أزمة الفيضانات والاستفادة من الأراضى الخصبة لديهم بالتعاون مع السعوديين، الذين يتعاملون مع الأرضى السودانية الخصبة على إنها مصدر الأمن الغذائى الخاص بها.

باكستان وجيبوتى

وفى الوقت الذى لايزال يعيش البعض صدمة هذا "اللهاث التطبيعى" غير المسبوق، كانت هناك أخبار تتردد على اتساع دائرة التطبيع لتشمل باكستان، فيما يبدو أن أكثر الدول المطبعة فى الخليج قطر وعمان سيكونان فى النهاية، وكان غريبا أن جيبوتى الدولة المعروفة باستغلال أراضيها فى إقامة القواعد العسكرية الأجنبية، بما فيها إسرائيل، وجدناها تعارض هذه الموجة من التطبيع، وتؤكد إنها لن تطبع إلا بالتنسيق مع الفلسطينيين.

السوشيال ميديا الإسرائيلية بالعربية

وكانت السوشيال ميديا الإسرائيلية باللغة العربية، قد لعبت دورا كبيرا جدا فى التعجيل بموجة التطبيع غير الحدودى، وعدم ظهور أية معارضة حقيقية له، حيث قامت بما يمكن وصفه بعملية غسيل مخ للشريحة المستهدفة لتغيير صورة الإسرائيلى فى الصورة الذهنية العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، وتصويره فى إطار المبدع المثقف العالم القائد القوى والمحب للتعددية، وفى المقابل شيطنت المقاومة الفلسطينية بكب تنويعاتها، وأوقعت بين الفلسطينيين والخلايجة وبالذات السعوديين،  وبدأت هذه العملية منذ 2008 تقريبا، وتضاعفت بشكل كبير بعد الربيع العربي وانتشار السوشيال ميديا، وكانت نتيجتها إن الخلايجة والعرب عموما استقبلوا التطبيع بدون معارضة بل ترحاب من الأغلبية، وتوقف الإسرائيليون أمام الرفض الشعبي لمحاولة التقارب المصرى الإسرائيلى، والتى كان نجمها الفنان المصرى محمد رمضان والمطرب عامير أدم، وحاولوا تحليلها بشكل كبير، حيث قارنوها بمواقف الخلايجة، الذين يتواصلون معهم من خلال توتير بالذات      

التأخر السعودي

والملاحظ أن السعودية تحرص على تأخير دورها فى التطبيع، بإعتبارها قائدة العالم السنى وحارسة الأماكن المقدسة الإسلامية وصاحبة مبادرة السلام العربية، رغم ما فعلته حتى الآن لتحقيق هذا الإنجاز الإسرائيلى الأمريكى، حيث كان لها دورا كبيرا فى تطبيع الإمارات وبعدها البحرين وبعدها السودان وبعدها المغرب وبعدها باكستان، وبعد المصالحة الخليجية سيأتى الدور الكويتى، فيما ستتأخر العراق بشكل أو آخر، بالذات لو إستمر التأثير الإيرانى، لكن هناك محاولات لضم لبنان للمجموعة، إلا إنها فاشلة حتى الآن، وكان هذا واضحا من خلال توقف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان التى كانت تستهدف بيروت من وراءها استثمار حقولها الغازية المتوسطية، لتنجيها من أزمتها المالية.

وهناك أيضا تقارب تركى إسرائيلى جديد، ويناور الرئيس التركى أردوغان من خلاله إدارة بايدن، لتهدئة الأجواء معها، خاصة أن هناك مؤشرات تتحدث عن فترة عصيبة لأردوغان مع وصول بايدن، وهو يتمنى أن تهدأ محاولاته مع إسرائيل هذه التوقعات، ويستهدف من هذا التوسع فى التطبيع أيضا إقامة مشروع تسييل غازى لإسرائيل على أرضه، فى نكاية لمصر، التى تسيل الغاز الإسرائيلى فى مصانعها، والأغرب إن أردوغان يفعل أكثر ما يفعله الإماراتيون، رغم إنه كان ينتقدهم على تطبيعهم.

الخلاصة: "أوسلو2"

وإن كان البعض يرجع هذه الموجة الكبيرة من التطبيع غير الحدودى إلى "أوسلو1"، التى انتهت بفتح ممثليات اقتصادية إسرائيلية فى أغلب العواصم الخليجية، وتوقفت بعد تجدد الانتفاضات الفلسطينية وتعطل عملية السلام، لكنها تطورت كثيرا فى قطر وعمان، ولم تقف عند حد مجرد ممثلية، فأتصور إننا بصدد " أوسلو2" فى 2021، تفتح خلالها عدة سفارات إسرائيلية فى عدة عواصم عربية وإسلامية فى مختلف أنحاء العالم، ويتوائم ذلك مع المبادرة المصرية لإنعاش عملية السلام بعد رحيل إدارة ترامب بصفقتها، حيث تعد القاهرة للمبادرة بتنسيق كبير مع الفلسطينيين والأردنيين وقوى أوربية ودولية.

لكن هل من الممكن أن تنجح هذه المحاولات مع أجواء يمينية متطرفة تسيطر على المشهد السياسي فى إسرائيل، وتتزايد بالذات فى فترات الانتخابات، حيث تعلو صيحات رفض إقامة دولة فلسطينية، ومعارضة أى تعطيل جديد لعملية ضم أراضى من الضفة إلى إسرائيل، وسط استمرار مشروعات الاستيطان بشكل كبير جدا، ومن ضمن المشروعات المقلقة، الطريق 935، الذى يدعون إنه يخدم 100 ألف مستوطن بالضفة، وهو يستقطع عشرات الالاف من الفدادين، من ملاكها الفلسطينيين، بخلاف قطع أراضى الضفة عن القدس .. ولا يسمع أى صوت اعتراضى من المطبعين على هذه المشروعات الاستيطانية، التى تسارعت بعد التطبيع، والذى قالوا إنهم عجلوه أساسا لمنع عملية الضم.   

تابع مواقعنا