الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ياسر أبو جامع يكتب: الشيخ جاكسون.. والشيخ الأقرع

القاهرة 24
ثقافة
السبت 23/ديسمبر/2017 - 11:15 م

ما يفعل العبد والأقدار جارية.. في كل واد أيها الرائي

القاه  في اليم مكتوفا وقال له.. إياك إياك أن تبتل بالماء

 

وكيف لا يبتل؟.. حقيقة كيف؟!

 

هكذا طرحت  السؤال علي نفسي بعد أن ذكرني «الفيس بوك» أنني في مثل هذا اليوم كنت أعيش لحظة عبثية دفعتني لأكتب بيتي الحلاج، وصلت حبيبتي،كنت أنتظرها لنذهب إلي السينما. سنشاهد فيلمًا جديدًا.

 

عندما سمع نبأ وفاة مايكل جاكسون شيء ما قد حدث، جعل «الشيخ الشاب» ينسى أن كفيه مضمومتان على عجلة قيادة، وفجأةً.. اصطدمت السيارة بشجرة كانت تقف على حافة الطريق.

 

ليتها اصطدمت بشجرة، ما كان لكل هذا أن يحدث، لقد اصطدمت بطفل كان معلقًا في ذراع والده، لكنه طار ونام على بعد خطوات، كان أبوه غاضبًا، مزق جلبابه حتي لا يعيقه وظل يضرب في قائد السيارة بشكل هستيري أوشك أن يقتله لولا تدخل أهل القرية. صلي علي ابنه ولأنه طفل لم ينصب له عزاء، لذا وخلال عودتهم من المقابر أقسم والده ألا يتنفس البانجو مرة أخري، وأمام المسجد أخرج علبة السجائر وفركها بين أصابعه وألقاها، ودخل «بيت ربنا» واعتكف.

 

نقلني فيلم «الشيخ جاكسون» لهذه اللحظة، كنت جالسا على السبيل- بجواري زير ينضح وأمامي أحد الأصدقاء- عندما رمت السيارة نجل الأستاذ أشرف مدرس الكيمياء، الذي كنت أراه كلما ذكرت أمامي قوة عمر بن الخطاب. بكى كثيرا ليلتها، لأول مرة شاهدت ضعفه عندما لم يستطع الصلاة على ابنه واقفًا، جلس برهة ثم انسحب من الصف،  وفي آخر ركن في المسجد وضع رأسه بين قدميه.

 

«خد بالك الإيقاع». أعادني صوت حبيبتي، كان الشيخ -الذي لم يذكر اسمه بعد- ينتظر «الصنايعية» وهم يصلحون سيارته مما صنعت بها الشجرة. كان يبحث عن محفظته بينما تصنع الأدوات من (صاروخ، أجنة، وصنفرة) إيقاعًا يعيده إلي ما كان عليه.

 

ظل شهرًا في المسجد، لم يخرج مطلقا، كبرت لحيته، يقرأ في الصحيحين وفي الكتب التي ملأت مكتبة المسجد الصغيرة، والتي معظمها أهداها إلى المسجد رجالات القرية الذين سافروا للعمل في مزارع السعودية ومنحت لهم هذه الكتب مجانًا في الأراضي المقدسة كلما ذهبوا للحج أو العمرة، وبما أنهم لا يقرأون إلا قليلا، رأوا جميعًا – أو قلدوا من رأى أولًا وأقدم – أن أفضل مكان للكتب الدينية هو المسجد، استقى منها الأستاذ أشرف، كان يقرضها قرضًا، وعندما تأخر المؤذن الإمام عن صلاة العشاء، دعاه أحد المصلين: « م تأذن وتصلي بينا النهاردة يا شيخ أشرف».

 

صلي إمامًا وبكى بكاءً شديدًا على ابنه، واعتقد الجميع أنه يبكي خشوعًا، وعندما شعر بما شعروا به من نظراتهم وسلامهم عليه بعد الصلاة، كذب على نفسه وصدق كذبته، ومن يومها أصبح «الشيخ أشرف أبو الأقرع».

 

إيقاع الورشة ذكره بجاكسون، جاكسون الذي أحبه والذي استبدل الحاجز «التل» -الذي نسج بينه وبينه أبوه منذ وفاة والدته- بطوب أصم لا يُرى من خلالِه ولا يترك بينه وبين شبيهه مسافة شعاعٍ حتى، مما اضطره للعيش مع خاله المتدين الذي يبشر بالوهابية بحسن نية وطيب خاطر. كَبرَ وتزوجَ وأنجبَ وأطالَ اللحية وقصرَ الثوبَ الأبيضَ وفتحَ فمه للسواك قبل وبعد كل صلاة، وبدأ بمساعدة خاله في تسجيل الخطب بصوته لتباع علي شرائط كاسيت. كان هو الآخر يبشر بحسن نيه وطيب خاطر، كان يطمئن لحقيقة أن ما يصنعه صواب كلما بكى وابتل خده ولانت حروفه وغرق صوته وهو يقرأ القرآن في الصلاة.

 

نعم.. إنه حقًا شعورٌ يدغدغُ العاطفة، عاصفةٌ تمر في الجسد عندما تقف خلفه وهو يصلي إمامًا ويبكي في الركعات الجهر. إنه حقًا سلاح ٌقويٌ، جعل أهل القرية يطلبون منه أن يفتح كتابا، وعندما حاول أن يهرب من طلبهم، لاحقوه بأن وفروا له مكان «الكتاب»، مقترحين أن يتخذ من مصلي السيدات مقرًا لتحفيظ القرآن: «آهه.. مليكش حجة.. الحريم مبتدخلش غير الخمس دقايق بتوع الصلاة».

 

اصطدمت رأسه بالسرير، حيث كان ينام تحته، استعاذ من شيطانه واستيقظ وتوضأ وخرج ليصلي الفجر إماما.

جاهد وهو يصلي، طالب عينيه أن تدمعا، حاول وحاول وباءت كل محاولاته بالفشل، حتي اعتقد أن «جاكسون» وذكرياته معه حلت محل خشوعه وخشيته من ربه وأصابته لعنة «البعد عن الصواب».

همست لأصابعه الطبيعة قائلة: «أنت بحاجة إلي الجنس»، وذلك عندما لامست كفه يدٌ ممدودة بالسلام لإحدى أمهات الأطفال الذين يذهبون إلي الكتاب: «الواد عامل معاك إيه يا شيخ أشرف، والنبي مطلع عيني وأبوه مسافر عشان يوفرله اللقمة والهدمة، والواد ممقدرش. طول النهار يفرطق ويلعب».

 

ألهبته الطبيعة وذكرته أنه لم يلمس امرأة منذ وفاة طفله، كان قبلها لا يترك ليالي الكف، يسافر أينما كان هناك حفل ويرقص مع كل البلاد تقريبا في أدوارهم، فقد كان فنانًا في ابتكار رقصات الكف الجديدة، وكان الراقصون من كل بلدة -حيث لكل قرية دورها في الرقص- يتسابقون عليه لينزل إلي الساحة ويرقص معهم في دورهم، وهكذا فالراقص الجيد يفوز بلب إحداهن ممن تريد ونيسًا لوحدتها وليلتها الفرحانة،- وعندما ذهب الشيخ الأقرع ليصلي لم تنزل دموعه، تذكر الطفل كثيرًا ولم ترق مقلته وعينه لم تترقرق..!.

 

عاود الطبيبة النفسية، حكي لها واشتكي من اللعنة التي أصابته. وضعته الطبيبة -بأسئلتها التي انغرست في صدره كسهام برؤوس مشتعلة- أمام حقيقة نفسه الناقصة، أوجعته وجعلته عاريًا أمام نفسه، فغضب مما اتضح داخله وخرج من العيادة وهو يخبر الطبيبة بأنه لن يعود ثانية.

«دخل بيته كان الوقت ظهرًا…وسمعنا صراخ أمه.. كان يضربها. ومن يومها لم يجد الولد العاق في القرية كلها من يقبل أن يصلي وراءه في الجامع»، كان هذا ما أسمعه كلما سألت أحدهم في القرية: لماذا أُغلقَ الكتاب؟ وكيف تحول الشيخ أشرف إلي شخص منبوذ لا يقبله أحدهم في مجلس؟ أين ذهبت البشرة النضرة والثياب العطرة؟ لماذا سكن الغبار وجهه وسعي التراب في خيوط جلبابه؟.

 

استمر صراعه مع ذاته..أخذ من والده مفتاح شقتهم القديمة في الإسكندرية، والتي لم يدخلها منذ ذهابه إلي خاله. جلب منها ما أكمل به نفسه الناقصة وأصلح عطب روحه، وعندما شعر بالاستقرار فتح «كراتين» زوجته، وفرش شقة خاله –التي كان يعيش فيها مع زوجته

وابنته- بعدهما وبعدما كان طول الوقت رافضا لتفريغ الفرش في الشقة بحجة أنهم سيتركونها، فقد كانت حينها نفسه قلقة، لم يكن مستقرا، وهكذا رقص «الشيخ خالد» بجلبابه الأبيض القصير مرتديًا قبعة جاكسون.

تابع مواقعنا