الخميس 18 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تطبيع “رمضان”.. لا شيء جاء اعتباطا

القاهرة 24
الأحد 22/نوفمبر/2020 - 03:41 م

المسافة الفاصلة بين ضرب “توفيق عكاشة” بالحذاء وإسقاط عضويته من البرلمان المصري في مارس ٢٠١٦، على خلفية لقاءه السفير الإسرائيلي بالقاهرة، وبين ظهور الممثل محمد رمضان بصحبة رياضيين ومطربين إسرائيليين.. ليست بعيدة.

أربع سنوات ونصف تقريبا..

ليست مصر هي مصر وليس الإقليم هو الإقليم.. ولم تكن السنوات القليلة، بمعيار التاريخ، كأية سنوات مضت..

الجميع – أو يكاد- في ركاب التطبيع..

والطيران من العواصم العربية لتل أبيب.. في أزهى مواسمه.

 

(٢)

حاورتُ واستمعت بصورة شخصية قرابة عشر شخصيات مصرية، دبلوماسية وعسكرية واستخباراتية، خاضت سنين طوالا في المفاوضات مع الإسرائليين..

كامب ديفيد واتفاقية السلام ومفاوضات طابا.. والتحكيم.

وبعد ساعات طوال من الحوارات (المسجلة)، بدا أن الجميع على تباين خلفياتهم، ترسخ لديهم قناعة تامة أنهم يتفاوضون مع “عدو”.. لا تبدو السجالات الدبلوماسية والجغرافية والقانونية والتاريخية معه.. إلا الحرب بصورة أخرى.

النخبة المصرية التي خاضت هذه السنين المريرة مع الإسرائيليين لم تكن مسكونة بالبحث عن السلام مع جار جغرافي مختلق فرضته الظروف، بمقدار ما بدوا -لي على الأقل- مفاوضين على أفضل المتاح، وفق الظرف والتاريخ، لصالح مصر.

السلام هنا بمعاهداته واتفاقاته ليس إلا تكبيلات متبادلة ترجئ الحرب وتصعب الخيارات العسكرية وتوفر أكبر المكاسب وأقل الأضرار بأقل الأثمان.

لعبة عقول وإرادات.. لمن يديرها على المدى البعيد، لا لمن ينزلق في فخاخها فيظن المعاهدة سلاما والاتفاقية ميثاقا أخلاقيا!

كلها إجراءات شكلية، تنتحل طابعا حضاريا ملزما لكل أمة على حدة، بينما في العقول والقلوب إدراك متبادل أن الضغط على الزناد قادم يوما ما.

بيد أن صانع القرار المصري، أو على الأقل في تلافيف عقله وفي لا إدراكه، استعياب تام لحقيقة أن الصراع العربي الإسرائيلي ليس صراع الجولة أو الجولتين، بل مسألة قد تمتد لقرن أو زيادة من الزمان حتى تنحسم.

والحسم فيه عملية معقدة سيتداخل فيها الثقافي مع الأنثروبولوجي مع النفسي.. قبل أن يحسمها العسكري حسما تاما.

وأن وظيفة كل جيل، هي توصيل الملف بأقل خسارات ممكنة وأكبر مكاسب متاحة للجيل الذي يليه، إلى أن تحين لحظة فصل، ستكون قد اكتملت لها أسباب من الداخل الإسرائيلي بأكثر مما توافرت من المحيط العربي!

إدراك- أو لعله رهان بصورة أدق- أن “الدخيل” ستنفك عراه من الداخل قبل أي شيء.. وتتعضد الرؤية بدراسات اجتماعية وتحليلات أنثربولوجية للواقع الإسرائيلي واحتمالات سقوطه أو تحلله من الداخل، مهما بدت تل أبيب بارعة حتى اللحظة.

نتفق ونختلف مع النظرية والأسلوب.. غير أنها تنطوي على رؤية ترى نجاحها الأخير في استئصال هذا الدخيل، الذي لاسلام معه، وكل خطوة معه تقتضي حذرا غريزيا إزاء متربص غير سليم النوايا بالمرة.

المؤدى الأخير.. أنه عدو، والمواجهة قادمة.. وفي المنتصف حشو لا محيص عنه، وإن اختلفت قدرات ومهارات من يتولى هذا الحشو كل عقد أو عقدين وقدرته على إخراج هذا المشهد.

كل من حاورتهم من مفاوضي إسرائيليين الذي قضوا سنين من أعمارهم على موائد التفاوض.. أجملوا وصفهم للطرف الإسرائيلي بقولهم: بارع.. كذاب!

لم يختلفوا على البراعة والدأب والنفس الطويل، ولم يختلفوا على الكذب والمراوغة وسوء النية.

ما العمل إذا لمن يجلس على الطاولة يوما ما؟

سألتهم!

فأجمعوا: اليقظة.. ثم العلمية.. ثم النفس الطويل.

لا تجعلهم يشتتونك أبدا!

 

(٣)

أدارت مصر عقود التطبيع بوصفها اختصاصا حكوميا باردا، يبرم اتفاقات ويوقع عقود ويمضي في معاهدات، لكنها لا تلزم الوجدان ولا تطلب من الشعب أي شيء.

مجرد أوراق.. يقوم بها موظفون بروتوكوليون..

بل لعل صانع القرار يدرك جيدا أن الحفاظ على الغضب الشعبي إزاء إسرائيل هي ورقة تفاوض مفيدة طوال الوقت.. لو لم يجدها لوجب أن يخترعها.. ولو خفت أوارها لأزكاه مرة أخرى!

 

(٤)

لم يكن لقاء الفنان المصري محمد رمضان بمطرب ولاعب كرة قدم ورجل أعمال (كلهم إسرائيليين) في دبي، سوى خرق للاتفاق الضمني في الأمة المصرية بشقيها الرسمي وغير الرسمي.

إسرائيل.. عدو.

يمكن لوزير الخارجية أن يفاوضهم ولرجال الحكومة المصرية أن يلتقوها..وللأسفار المتبادلة أن تظل جيئة وذهابا، وللاتصالات الساخنة أن تبقى طوال العام.

بيد أن كل هذا داخل فلسفة “الحشو”..

حشو، نسعى أن يكون مفيدا أو أن تكون أضراره في الحد الأدنى، لكنه أبدا ليس غاية وليس وجهة وليس محط رحال.

ومن ثم فإن رد الفعل الشعبي والرسمي تجاه رمضان، سيحدد لأي مدى مازالت القناعات الكبرى للأمة المصرية في موضعها الضمني المتفق عليه منذ عقود.

وفي الخلفية قبل أربع سنوات.. مشهد خرج بعفويته دالا:

ضرب عضو برلماني بالحذاء تحت قبة البرلمان وإسقاط عضويته.. بعد لقاءه السفير الإسرائيلي بالقاهرة.

لا الذهاب لقارة أخرى لتبادل الصور الودودة في سياق غير موضوعي ودون ضرورة قاهرة وفي توقيت مستفز.. وبخرق متعمد لكل متفق عليه.

 

(٥)

لاشيء جاء اعتباطا.. فاختيار رمضان دقيق.

النجم المصري الأكثر إثارة للجدل والأكثر حضورا على السوشيال الميديا..

ثم هو الممثل الذي خضع للخدمة العسكرية والتحق بسلاح الصاعقة.. وأُنتج فيلم وثائقي عن أيامه كمجند!

هو بسمار لونه، باعتزازه بأصوله الشعبية، بتشابهه مع قطاع ضخم من المصريين.. بمغازلته لملايين بامتداد البلاد.

هو بكل هذا وما يكمن فيه من رمزيات تم اختياره.

والرهان الأكبر كان على الغرور والاندفاع والرغبة في لفت الانتباه وإثارة الجدل بأي ثمن.

شهوة احتلال قمة الترند.. وخطيئة التسرع (مع خلفيات أخرى).

 

تابع مواقعنا