الجمعة 29 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

شهداء وليسوا طواغيت

السبت 08/مايو/2021 - 05:25 م

ترددت كلمة الطواغيت كثيرًا بعد فض اعتصام رابعة وما بعدها.. من الجماعات الإرهابية؛ للتعبير عن معتقدهم فيمن حولهم، خاصة رجال القوات المسلحة والشرطة، والذين كانوا يحللون قتلهم، وشاهدنا ذلك في الكثير من الفيديوهات التي كانت تبثها تلك التنظيمات بعد عملياتهم القذرة لإعلان مسئوليتهم عن تلك العمليات التي استهدفت أكمنة للشرطة والوحدات والكتائب العسكرية في سيناء، 
والمتابع لمسلسل الاختيار بجزئيه الأول والثاني شاهد كيف يتم استخدام تلك الكلمة أثناء التخطيط لاغتيال الشخصيات الأمنية والعسكرية، كما حدث مع الشهيد احمد منسي والشهيد محمد مبروك، وفرحة الجماعات بقتل الطواغيت.. كما يطلقون عليهم.
ورغم أن معني كلمة طاغوت في اللغة العربية لها أكثر من معني مثل الشيطان، 
ومنها ما ذكره الله تعالى في سورة المائدة:‏ {‏وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ‏}‏، إلا أن الجماعات التكفيرية استخدمت تلك الكلمة لكل من يختلف معهم.. خاصة رجال الدولة. 
فمن أين أتت تلك العقيدة الشاذة؟ 
جاء استخدام هذا المصطلح كثيرًا في  كتب واحد من أبرز منظري الجماعات الإسلامية الجهادية في العصر الحديث، 
وهو أبو محمد المقدسي، والذي تستمد منه تلك الجماعات  العديد من أفكارها.. هذا الرجل الذي استطاع تجنيد الآلاف من الشباب من كتاباته ومؤلفاته حتي وهو قابع في زنزانته في الأردن، لكن الأفكار تحمل أجنحة تستطيع الطيران ولا تقف أمامها  أبواب السجون والزنازين. 
فقد تسربت كتب هذا الرجل إلى مصر، واستمد منها أمراء التنظيمات والجماعات أحكامهم ونظرياتهم الجهادية، خاصة التنظيمات التي ظهرت في عام ٢٠١٣. 
ومن أبرز تلك الكتب كتاب "ملة إبراهيم"، ويطلق عليه اسم المرجع، ويتضمن الكتاب محتوى مليئًا بالكراهية ضد المجتمع، ويبدأ مقدمته بـ: "إلى الطواغيت في كل زمان ومكان، إلى سدنتها وعلمائهم المضلين، نقول لهؤلاء إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله..".
ويركز أبو محمد المقدسي على استخدام كلمة الطاغوت أو الطواغيت ليوجه هذه الكلمة ضد الجيش والشرطة، وهو ما أخذته عنه جميع التنظيمات الإرهابية، وقامت بدورها باستخدام كلمة الطواغيت كصفة ضد الجيش والشرطة في بلدانها..

ولكن.. من هو أبو محمد المقدسي.. وما علاقته بكل تلك التنظيمات؟
اسمه الحقيقي عصام طاهر البرقاوي، أردني من أصل فلسطيني، يعد من أبرز منظري تيار السلفية الجهادية، اشتهر بسبب نشره لكتاب يكفر الدولة السعودية، وقامت السلطات الأردنية بسجنه مرات كثيرة بسبب آرائه، وهو أستاذ أبو مصعب الزرقاوي عندما جمعهما السجن..
سافر إلى باكستان وأفغانستان مرارًا، وتعرف خلالها على مشايخ كثيرين وجماعات من أنحاء العالم الإسلامي، وشارك ببعض الأنشطة التدريسية والدعوية  في تنظيم القاعدة، وكان صديقًا لأيمن الظواهري وأبي حفص المصري.. وغيرهما من السلفية الجهادية.
وهناك كتب أول كتاب له.. وهو "ملة إبراهيم"، وبعدها كتب كتاب "الرسالة الثلاثين"، وله مؤلفات أخرى منها: "إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر"، و"تبصير العقلاء بتلبيسات أهل التجهم والإرجاء".. وغيرها من الكتب التي كفَّر فيها رجال الشرطة والجيش والحكام العرب والشيعة.
عاش فترة في الكويت قبل الغزو العراقي، وعاد إليها بعد تحريرها، وقام بعدد من العمليات الإرهابية ضد مراكز الفنون، ومنها تفجير مقرات شركة الفنان الكويتي الكبير عبد الحسين عبد الرضا ومحاولة قتله؛ بسبب مسرحية كانت تنتقد التطرف الديني، فقد كفره أبو محمد المقدسي خاصة أن الفنان الكويتي كان شيعي المذهب.
ولم يتم القبض على المقدسي وقتها ولم يتم ادانته في الحادث؛ بسبب عدم اعتراف الشباب المنفذين للعمليات عليه. 
استقر به المقام في المملكة الأردنية الهاشمية عام 1992؛ ليدعو الناس إلى ما سماه "أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"، وبدأ بإعطاء عدد من الدروس والاتصال بعدد من الجهاديين في الدول العربية ممن كان لهم مشاركة في الجهاد الأفغاني.. وغيرهم.
تم القبض عليه مع جماعته بتهمة ازدراء النظام الأردني، وتنبهت الجهات الأمنية الأردنية لنشاطه على إثر نشر كتاب "الديمقراطية دين"، الذي نشر ووزع مع الانتخابات البرلمانية؛ ليتم ملاحقة السلفيين الأصوليين وكل من له اتصال بدروس الشيخ أو حيازة لكتاباته واعتقال عدد منهم. 
وفي أثناء سجنه نشر الدعوة في سجن الأردن، وكتب مؤلفًا جديدًا اسمه "حوار بين عساكر التوحيد وعساكر الشرك والتنديد"، وكان هذا الكتاب من الكتب التي تم تسريبها إلى مصر، وكان أيضا من المراجع التي اعتمدت عليها الجماعات الجهادية التي ظهرت بعد فض اعتصام رابعة، في قتل رجال القوات المسلحة والشرطة ووصفهم بكلمة الطواغيت.
تأثر بكتبه عمر رفاعي سرور، الذي كان واحدًا من منظري تنظيم القاعدة ومفتيًا لعدد من التنظيمات الإرهابية، منها أنصار بيت المقدس الذي حكم عليه في 2013 غيابيًا في قضية "خلية مدينة نصر" بالسجن 15 عامًا، ليهرب بعدها إلى سوريا ومنها إلى ليبيا، عقب مبايعة تنظيم بيت المقدس لأبي بكر البغدادي وتنظيم الدولة الإسلامية داعش، ورفض عمر المبايعة وكون مع شريكه هشام عشماوي جماعة تشكل مجلس شورى مجاهدي درنة في ليبيا.
وكان عمر رفاعي سرور يفتي بقتل ضباط الجيش والشرطة؛ اعتمادًا على فتاوى أبو محمد المقدسي، الذي أصبحت كتبه المرجع الأول في تكفير الحكام ورجال الأمن والقضاة، بل أجاز المقدسي قتل علماء الدين في الدول العربية باعتبارهم طواغيت أيضا، وهو ما اعتمدت عليه حركة حسم التي أعلنت عن نفسها عام  2016، عندما قامت بمحاولة اغتيال مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة، كما حاولت قتل زكريا عبد العزيز أحد كبار مساعدي المدعي العام بينما كان عائدًا من مكتبه في شرق القاهرة، كما أعلنت الحركة في نوفمبر 2016 مسئوليتها عن محاولة اغتيال القاضي أحمد أبو الفتوح الذي كان أحد القضاة الثلاثة الذين حكموا على الرئيس المعزول محمد مرسي بالسّجنِ عشرين عامًا في عام 2015.

وكانت كل عمليات حركة حسم تعتمد على آراء وفتاوى الإرهابي الأردني أبو محمد المقدسي، كذلك عملية قتل المقدم محمد مبروك، وأيضا الهجوم علي كمين البرث في ٧ يوليو ٢٠١٧، والذي نفذه تنظيم ولاية سيناء المبايع لداعش، واستشهد فيه العقيد أحمد المنسي وعدد كبير من الضباط والمجندين، وقادة ضباط شرطة مفصولين.
آراء أبو محمد المقدسي وأفكاره التي تطالب بقتل الطواغيت، حسب ما قاله في كتبه التكفيرية، كانت سببًا في العديد من العمليات الإرهابية في عدد من الدول العربية على رأسها مصر، وكانت سببًا في اغتيال عدد من رجال الجيش والشرطة والقضاء والمفكرين. 
حتى الآن يقوم هذا الإرهابي بالظهور على قناته على التليجرام؛ ليقوم بدور مفتي ومنظر الجماعات الجهادية، خاصة في ظل خلاف كبير قائم الآن بين الجماعات التكفيرية في سوريا بشأن الحاكمية، بل وصل الخلاف إلى تكفير بعضهم البعض، حيث قامت جماعة داعش بتكفير جماعة هيئه تحرير الشام. 
دماء المقدم محمد مبروك والعقيد أحمد منسي.. ودماء ابطال البرث وبئر العبد والواحات.. ودماء كل شهداء الجيش والشرطة.. سوف تبقي على يد وفي رقبة أبو محمد المقدسي؛ لأنه حتى وإن لم يمارس بنفسه فعل القتل، ولكن كانت آراؤه وكتبه والفتاوى التي أصدرها.. سببًا في قتل من اسماهم بالطواغيت، وهم من حملوا على أرواحهم حماية وطنهم وأرضهم.. فليذهب هو إلى مزبلة التاريخ.. وليبقوا هم شهداء وليسوا طواغيت.. أحياء عند ربهم يرزقون.

تابع مواقعنا