الجمعة 26 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"عايز حقي"

الجمعة 14/مايو/2021 - 06:03 م

 في التسعينيات الحكومة المصرية أصدرت قرار بتطبيق "الخصخصة".. يعني إيه؟.. يعني الحكومة تبيع بعض الشركات المملوكة للدولة لـ مستثمرين أجانب وتبقى مملوكة ليهم ملكية تامة أو حتى شركاء فيها مع الدولة.. والغرض من الخطوة؟.. إن غالبًا القطاع الخاص لما يبقى مسيطر على الشركة الفلانية هتبقى وتيرة تطويرها أسرع من نمط التطوير الحكومي وقتها واللي كان خاضع بشكل أو بآخر للروتين اللي بيخلي كل حاجة بطيئة.. واحدة من ضمن الشركات اللي تم خصخصتها شركة أسمنت مشهورة في الصعيد واشتراها مستثمر مكسيكي.. كان من ضمن شروط الحكومة المصرية في عقد البيع للمستثمر إنه مايمشيش أي حد من العمالة المصرية.. المستثمر وافق.. بس ما نفذش!.. اتبع مع العمال سياسة التطفيش.. اللي هو أنا مش هقول لك إمشي بس هخّليك تمشي من نفسك وهجيب بدالك ناس بمرتبات أقل.. يعني مثلًا قبل الخصخصة كان عندهم أجازة يوم السبت لغاها وبقى الشغل من السبت لـ الخميس 6 أيام!.. كان ميعاد الانصراف بتاع الموظفين الساعة 2 الظهر خلّاها الساعة 4 العصر!.. قلل المرتبات 150 ج من كل واحد-(وده رقم كبير نسبيًا بمعايير وقتها)-.. الوضع بقى فعلاً مقرف.. واحد جارنا في الشارع اسمه عم "شُهدي" كان بيشتغل عامل بسيط في الشركة، وابنه "أندرو" من أصدقاء المنطقة وكنا بنلعب سوا كورة في الشارع.. عم "شُهدي" كان شايف إن اللي بيحصل في الشركة بعد الخصخصة ده ظلم وقرر ما يسيبش حقه!.. بس عشان محدش يتكلم معاه بقى يضغط على نفسه ويخلص شغله على أكمل وجه بحد أقصى الساعه 12 الظهر ومن 12 لحد 4 يحاول يقابل المدير الجديد ويفضل قاعد في حوش المصنع جنب المبنى الإداري تحت الشمس ماسك يافطة مكتوب عليها "عايز أتكلم"!.. كان بيقف لوحده وكل زمايله خافوا يقفوا معاه ومشوا حالهم.. عمل ورقة فيها 8 طلبات للعمال كلهم-(مش له هو بس)- كلها حقوق آدمية عادلة وطبيعية بدون مبالغة ولا مغالاة.. شهر كامل على الوضع ده في عز نار القيالة ومحدش سأل فيه ولا عبّره من الإدارة.. الغريب إنه كان بياخد ابنه "أندرو" يقف معاه في ساحة المصنع كل يوم.. كـ عيل صغير وقتها كنت متغاظ من الراجل ده عشان كان بياخد مني صاحبي اللي بيلعب معايا في الشارع وبسبب كده مابقيناش بنلعب!.. استمر الحال ده 3 شهور واستمر الطناش منهم برضه.. في يوم عم "شُهدي" روح بيتهم ومن كُتر الإحباط والقهرة نام ماقامش.. مات.. موت "شُهدي" كان نقطة مفصلية في تعامل الشركة مع الموظفين وتعاملهم اتغير 180 درجة مع كل الناس هناك ومعظم الطلبات اللي كان بيطالب بيها الراجل المحترم اللي مات اتنفذت!.. والبداية؟.. عم "شُهدي" اللي أخلص لمبدأه للنهاية.. استمرت معرفتي بـ "أندرو" واستمر لعبنا في الشارع بس كان فيه جواه حاجة انطفت من الزعل على أبوه.. شوية بـ شوية كبرنا واتلخمنا كل واحد في مدرسته وبقينا نشوف بعض صدف.. "أندرو" كان دحيح درجة أولى.. آخر مرة شفته لما جه زارنا في البيت بعد نتيجة الثانوية العامة وجاب درجات أقل من المتوقعة في الفيزياء والرياضة مع إنه متأكد إنه يستحق أكتر وكان جاي زعلان وبياخد رأيي أنا وأبويا الله يرحمه إنه قرر يعمل إعادة تصحيح للمادتين!.. أبويا الله يرحمه قال له: مادام حقك توكل على الله واعمل كده.. أنا اعترضت وقلت له: يا بني فوق مفيش إعادة تصحيح هتزودلك درجات دول بالكتير يادوبك هيجمعوها تانى.. الواد اتكبس ووشه احمرّ وسكت بدون ما يتكلم وأبويا زغرلي كإنه بيقول لي "اخرس".. سكتنا إحنا التلاتة لحظة وبعدها سألته: هتعمل إيه؟.. قام وقف وقال: (هعمل زي ما أبوك ربنا يخليهولك قال، و زي ما أبويا الله يقدس روحه علمني).. قلت له بغيظ: هتضيع وقت على الفاضي وبرضه مش هيدوك حاجة يا "أندرو".. هز دماغه وهو بيفتح الباب وقال: (ده يتقهر في قبره! هو مخدش حاجة في الدنيا بس كفاية إنه علمني مافرطش في حقي حتى لو هموت.. برضه مش هسيب حقي).. عمل اللي في دماغه والمفاجأة إنه أخد لو أنا فاكر صح 5 درجات في الإجمالي كانوا مجموعين غلط ومش محسوبين وفرقوا معاه في المجموع الأخير بتاعه!.. هو وأبويا طلعوا صح، وأنا اللي كنت غلط.

 

 

 

• أخويا بيحكيلي من سنين طويلة فاتت وفي واحدة من زياراته اللي كانت وقتها نادرة للقاهرة إنه كان راكب في عربية سوزوكى صغيرة "تُمناية" شغالة خط جامعة القاهرة بتسوقها واحدة ست شكلها طيبة جدًّا وغلبانة.. لبسها بسيط، رفيعة جدًّا، ولابسة على راسها إيشارب لامم كل شعرها.. ست بنت بلد كده بتتعامل مع الركاب بأدب وذوق مُلفت.. لحد ما جه ركب معاهم في الكرسي اللي جنبها شاب باين من طريقة كلامه وأسلوبه إنه مش مظبوط وفيه حاجة مش تمام.. سألها على الأجرة.. قالت: جنيه.. قال: ليه دا أنا نازل آخر الشارع.. قالت: خلّى عنك خالص لو مش معاك.. قال: لأ معايا بس المشوار ما يستاهلش بصراحة كتير عليه جنيه.. قالت: طب وبعدين؟.. راح طلع من جيبه نص جنيه ورماه على التابلوه وقال بـ لامبالاة: ولا قبلين ده حق الله في التوصيلة وغير كده ماتلاقيش وكفاية استغلال!.. الفكرة إن الأجرة وقتها كانت فعلًا جنيه.. هتركب من أول الخط أو من نصه أو حتى قبل نهايته بـ متر هتدفع الجنيه ده العرف يعني!.. بعد ما الولد رمى النص جنيه في ثانية واحدة الست فرملت العربية ونزلت.. لفت ناحية الباب بتاع الشاب ودخلّت إيديها من الشباك ومسكته من رقبته وسحبت رأسه لـ بره الباب مشدود من رقبته بقوة لا تتناسب لا مع جسمها الضعيف ولا اللي كان يبان منها طيبة!.. مع قوة الشدة الواد كان بيصرخ هموت!.. أخويا بيقول أنا والركاب كلنا اتلجمنا ومحدش مننا اتحرك من الخضة.. والست بتصرخ بصوت عالي في الواد: أنت قلت بينك وبين نفسك دي إيه ست وهاكل حقها بكلمتين مش كده!، لأ فوق حق أهل بيتي أقرقش اللي يقربله بسنانى وأنسل شبشبى على راس اللي خلفته حتى لو ربع جنيه.. الواد صرخ: أقسم بالله ما معايا غيره.. سابته، ورجعت الست لفت وركبت العربية تاني واتحركت.. فيه واحد كبير في السن من الركاب قاعد ورا بيقول لـ الواد: ولك عين تفضل راكب ما تنزل يا بارد.. الست ردت عليه: خلاص يا حاج مايجراش حاجة مادام حلف إن مش معاه فلوس سماح.. الشاب وهو بيحسس على رقبته ولسة مش مصدق إنه فلت منها: آه والله ما كان معايا غيره النص ده.. الست خدت النص جنيه ورجعتهوله وقالت: (وماله مش عيب وهوصلك ببلاش كمان عشان زي ابني بس كله إلا الحق.. بمزاجي تاخد عينيا، غصب عني تاخد بالشبشب).

 

 

• ماتسيبش حقك.. ست، راجل، كبير، أو صغير ما تسيبوش.. 90 % من رجوع أي حق متاخد هو سعيك إنك تجيبه أصلاً.. حتى لو سعيك طلع على فشوش يكفيك وقتها بينك وبين نفسك إنك تكون عارف إنك عملت اللي عليك للنهاية بدون تقصير.. التقصير بيخليك معندكش القدرة تسامح نفسك طول عمرك وبتفضل عايش بعقدة الذنب إنك على الأقل محاولتش.. فيه ناس بتموت عشان تاخد حقها، وحتى لو ماخدهوش بيفتحوا سكة لـ غيرهم يكملوا.. مفيش حق بيتجري وراه مش بيرجع، ولا سارق حق شجاع، ولا صاحب حق مش قوي.. الداعية والناشط الحقوقي الأمريكي "مالكوم إكس" قال: (لقد تعلمت باكرًا أن الحق لا يُعْطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يُحدِث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد).

 

تابع مواقعنا