الخميس 02 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

جمال فودة يكتب: الأسطورة في الشعر العربي المعاصر

د. جمال فودة
ثقافة
د. جمال فودة
الأربعاء 16/يونيو/2021 - 02:04 ص

يعد الموروث الأسطوري مورداً لا ينضب لإنتاج الدلالة وتشكيل ملامح التجربة، وتجسيد أبعاد الرؤية في الشعر المعاصر؛ إذ من خلاله يعبر الشاعر عن رؤية واقعية خيالية، رؤية تمحو الحدود بين الزمان والمكان، وتعكس أبعاد الواقع السابق لمبادئ العقل، في محاولة للربط بين الداخلي والخارجي، بين المادي والمعنوي، بين الذات والموضوع.

فالأسطورة ما هي إلا " قناع يجر وراءه تداعيات تاريخية متداخلة ومعقدة، وليست مجرد حلية تلقى على القصيدة كرداء خارجي، إنها تلتحم مع بنية القصيدة، وتثير نكهة تاريخية لا تستطيعها المفردات العادية، وتتمدد داخل القصيدة وتخلق جواً أسطورياً يشكل بنية القصيدة، فالأسطورة تخلق القصيدة، والقصيدة تحيي الأسطورة في جدلية لا يمكن الفصل فيها بين القصيدة والأسطورة. 

 ومن أشهر الأساطير في الشعر العربي المعاصر بصفة عامة أسطورة " إيزيس وأوزوريس " والشاعر إذ يستدعى أحداث هذه الأسطورة يتمثل الإيحاءات الرمزية والدلالية المرتبطة بها، ويستقى من معينها الثر ما يتلاءم وسياق تجربته التي تتشكل في بنية "لغوية/ فنية" لا نلبث أن نستكشف لها أبعاداً فكرية ودلالات نفسية.

يقول حسن فتح الباب في "أغنية حزينة إلى عبد الناصر": 

عاد أوزوريس ميتاً

عاد أشلاء على كل طريق

آه إيزيس التي لم تنتحب

منذ ملايين السنين

ونراك اليوم تبكين بدمع الفقراء 

وتشقين جلود التعساء ...

آه إيزيس التي لم تنتحب

منذ ملايين السنين

دقة الساعة تنعي السادسة

والنجوم انتثرت ملء الشوارع 

قلب مصر أخضر ما زال ..

أم أصبح قرصاً يحترق

ورماداً غاص في الأرض و واراه الشفق 

آه إيزيس التي تخفق ماءً وتراباً ودما 

أقفر الوادي ....

 

      لقد استلهم الشاعر روح الأسطورة في إطارها الذى يدور حول دلالات العطاء والفداء والتضحية "أوزوريس"، والإخلاص والولاء والوفاء للزوج والوطن "إيزيس"، متخذاً أوزوريس رمزاً للزعيم الراحل "عبد الناصر" الذي كانت له سمات المصري القديم، وكانت جنازته مثل موكب تشييع فراعنة مصر في الزمن القديم، إذ أقبل الناس بقضهم وقضيضهم، وأوشكت السماء أن تقع على الأرض من هول الزحام والنحيب والصراخ الذى صدر عن القلوب المحترقة التي خرجت لتلقى نظرة على جثمان الفقيد ، وعادت بقلوب تفيض بالخوف من المستقبل إذ رحل القائد الذى طالما جمع الشمل إلى غير رجعة .

كما اتخذ الشاعر "إيزيس" رمزًً لمصر وأبنائها، فتحول النص الشعري إلى خطاب إيزيس لعلها تُبعث، فتحقق معجزة لملمة الأشلاء، وبعث جسد الزعيم المسجى تحت علم الوطن، الذي كم ذاب فيه عشقاً ودافع عن تاريخه وكرامة أهله، وها هو يوارى في ترابه بعد أن أدى رسالته، وجنحت شمسه إلى الغروب حيث مدينة الموتى.

 

      وهكذا استغل الشاعر إيحاءات هذه الأسطورة ودلالاتها الرمزية في تجاوبها مع الشعور العام لتضفي على تجربته الشعرية ثراءً فنياً  نفسياً، من خلال رؤية "تعكف على تشكيل خارطة للإنسان / الإنسانية نافية حدود الزمان والمكان، حيث يتجاور الماضي والحاضر، والسابق واللاحق، إذ تتحول الأسطورة عن مادتها الغفل في كينونتها الحكائية، لتصبح أداة تعبيرية ذات وظيفة فنية، ومن ثم يتزاوج الواقع واللا واقع، ويتواءم الخيال والحقيقة".

 

 

1ـ عبد الحميد إبراهيم : نقاد الحداثة وموت القارئ –  مطبوعات نادي القصيم الأدبي  – السعودية – 1994 م -  ص 111

2ـ الأعمال الكاملة : المجلد الأول / 353  ، 354

3ـ مصطفي رجب: لغة الشعر الحديث / 297

4ـ رجاء عيد : القول الشعري / 13

تابع مواقعنا