السبت 11 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مشروعٌ إسلاميٌ قبل الانتخابات ووهميٌّ بعدها

الأحد 11/يوليو/2021 - 05:41 م

سمعتُ حوارًا للسيد راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة ورئيس مجلس النواب التونسي، يتحدث فيه عن فلسفة حزب النهضة الإخواني حين صوَّت على قرار خفض سعر ضريبة الخمور حتى تكون ميسرة لأكبر عدد ممن يشربونها، قال الغنوشي متحدثًا عن منهج الإسلام ومنهج حزب النهضة تجاه هذه القضية ومثيلاتها:

"إن الخمر حرام، ولكن 50 في المئة من التونسيين يشربونها، ومنع الخمر يزيد من انتشاره، فالخمر حرام شرعًا، ولكن المشكلة في كيفية تنزيل الحكم على الواقع، لأن الخمر جزءٌ من السياحة، وإذا ارتفع ثمنها فسوف يكثر المهربون لها، ولكي نقضي على التهريب تنزلنا بالخمور إلى الحد الأدنى، وليس مطلوبًا تطبيق الإسلام دفعة واحدة، ولكننا نراعي استعدادات الناس لتقبل الحكم الإسلامي، ومن ثَمَّ يتهيأ الناس لتقبله، والمجلس التشريعي (الإخواني) يراعي الواقع، لأن التشريع الإسلامي ليس ميكانيكيًّا يدوس على الزر فيطبق الإسلام، هذه نظرة ساذجة، ماذا نفعل لو منعنا الخمر؟ إن واقعنا معقد".

قال له المحاور: أنا أسأل عن تسهيلها وليس منعها؟ إلى متى تتنازلون عما تؤمنون به وتدعمونه مؤقتًا؟ فأجاب الغنوشي: "المهم عندنا ألا نتنازل عن المبدأ الذي يقول إن المعروف معروف، والحرام حرام، ما دامت لا تقول إن الحرام حلال فلا مشكلة إذن، وهنا تأتي مهمة التربية والمساجد والوعظ".

هذا هو ما قاله الغنوشي، ولسنا هنا في مقام المناقشة لكلامه، ولكننا هنا نتوقف عند تلك السنة التي عليها جماعة الإخوان، من أنهم يقدِّمون للناس أنهم أصحاب مشروع إسلامي مستمد من القرآن والسنة، وشعاره: "الإسلام هو الحل"، وهذا المشروع يناقض المشروعات الأخرى، ليقدم مشروعًا بديلًا مستمدًّا من الإسلام وتصوراته، ومن هنا يُقبل الناسُ على انتخاب أصحاب هذا المشروع لحبهم الفطري للدين، ولثقتهم أن هؤلاء هم القائمون بالتمكين لدين الله وتطبيق شرعه.

يصل الإخوان إلى سدة الحكم فيصير ما كانوا يدعون له (فنكوش ووهم)، ويتبين للناس أن مشروعهم لا يفرق عن غيرهم سوى الشعارات الدينية، التي هي بمثابة الطُعم الذي يُقدمونه للناخب، فيعلنون خطابين: واحد موجه للناخبين لاستدارة عواطفهم الدينية، والآخر موجه إلى النخبة والمثقفين للترويج للتقدم والانفتاح والحداثة.

الكلام الذي قاله الغنوشي لا مشكلة فيه لو أنه أعلن للناخبين أن حزبه الإسلامي سوف يسهل بيع الخمور!! وأن الخمور في منظور حزب النهضة الإخواني جزء من السياحة، وأن المهم هو أن الناس يعتقدون صحة الحكم بغض النظر عن تطبيقه....إلخ.. لكن لم يقل ذلك إلا بعد الوصول للحكم!!

لا ننكر أن الغنوشي له أفكار مستنيرة، لكن الذي يجمع دعاة المشروع الإسلامي أنهم قبل الوصول للسلطة يرفعون شعارات تحس معها أنهم إن وصلوا للسلطة سوف ترى تطبيقًا للإسلام يذكرك بفترة النبوة والخلفاء الراشدين، ولكن عند الوصول للسلطة (كما في نموذج مصر وتونس والسودان) ترى مشروعًا وهميًا باسم الإسلام، مشروعًا خسر معركةَ الأخلاق، وربانيةَ النضال، مشروعًا يناسب أن تسميه مشروع: "جني الغنائم"، أو "تصفية الحسابات"، أو "المغالبة" أو "الاستئثار" أو "التمكين والتعجل في الاستحواذ على مفاصل الدولة"، ترى مشروعًا إسلاميًّا صوتيًّا، فلا فارق بين أن يحكم الناس رئيس إخواني وأن يحكمهم رئيس "ليبرالى أو علمانى"، الفرق في الشعارات التي تسبق الانتخابات فقط.

إن المشروع الإسلامي الحقيقي أكبر من السلطة، لأنه مشروع هداية، ويهتم ببناء الإنسان وعمارة الأرض، وتزكية النفس، ويقدم أجوبة شافية على أسئلة العصر ومشكلاته، وينطلق من النموذج المعرفي المسلم، المكون من: نصوص الشرع، ومقاصده، واجماعاته، وسننه الإلهية، وآدابه وفنونه، ويعمل على توليد العلوم والمناهج، ويقدم تطبيقات معرفية وخدمية صانعة للمؤسسات والحضارة، وأما نحن فأمام شعارات دينية تسبق الانتخابات وليس مشروعًا إسلاميًّا.

تابع مواقعنا