الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

65 يومًا من الإضراب عن الطعام.. حكاية أسير فلسطيني قهر بإرادته سياسة الصهاينة

الغضنفر أبو عطوان
سياسة
الغضنفر أبو عطوان
الأحد 25/يوليو/2021 - 12:02 ص

على أرض أحد الأقفاص وبين أربعة جدران، حيث لا مجال للحركة المريحة أو حرية الاستلقاء، يضّجِعُ أحد الأسود على ظهره ممسكًا رأسه بإحدى يديه، إذ يكاد ينفجر من الوجع، وبالأخرى بطنه التي لو أودعها الله القدرة على النطق لصرخت بكل قوتها: "طفح الكيل.. ما أنا بمستمرةٍ في هذا العذاب".

يُقلب بصره في زوايا وأركان تلك الزنزانة التي تحتضن أطرافُه جدرانَها من شدة ضيقها، فلا يجد فيها ما يعينه على قضاء أيام عذابه التي لا يعرف لها نهاية، “أبنصر وحرية ينعم أخيرا؟ أم بموت وشهادة يظفر؟ لكن لم يشغل هذا تفكيره كثيرًا، فهو يعي جيدًا أنه رابح في كلتا الحالتين”. 

في سجون الاحتلال الصهيوني، حيث لا يَهُمُ أنهار الوقت أم ليل، فالظلام ضيف اعتاد "الغضنفر" إقامته الدائمة على كل حال، لكن كل ما يهمه هو كيف يمضي ذلك الوقت دون حياة، بلا طعام أو ضوء أو صديق يعينه على وحشة  الأسر.

"القاهرة 24" كان حريصا على الحديث مع الأسير البطل المحرر "الغضنفر أبو عطوان".  
 

البطل المحرر الغضنفر أبو عطوان 

الغضنفر أيخمان أبو عطوان، هو أحد الأبطال الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ليقضي عامًا كاملا في الحبس الجماعي، دون توجيه أية تهمة إليه، حسبما تسير عليه سياسة الاعتقال الإداري الإسرائيلية، حتى قرر الإضراب عن الطعام كنوع من أنواع الرفض لما تسير عليه تلك السياسة.

وحسب سياسة السجون الإسرائيلية، تطبق عقوبة الحبس الانفرادي على كل من يقرر الإضراب عن الطعام، لممارسة الضعط النفسي على متخذ القرار، أملا منهم في رده عن ذلك، إلا أن الغضنفر لم يتراجع عن قراره في خوض معركة الموت.

هنا في الحبس الانفرادي داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي،  حيث لا يشغل تفكير من يودع فيه سوى سؤال واحد، “كيف ينتقل بِروحه الهزيلة من يوم إلى آخر؟ فهو هدف يتجدد يوميًا لدى جميع من كتب عليه مصيره النزول إلى الحبس الانفرادي الصهيوني”.


 

البطل المحرر الغضنفر أبو عطوان 

_ بطل ولد من رحم المعاناة

"كل نفر وله من اسمه نصيب"، أحد الأمثال الشعبية المصرية التي عرفناها قبل قرون، تشير إلى وجود علاقة بين اسم الفرد وشخصيته دائما، تماما كما في حالة الغضنفر، وهو اسم يطلق على ولد الأسد، إلا أن ما قدمه الغضنفر يعلو ما قد يتحمله الأسد حقيقةً.

65 يومًا متتالية من الإضراب عن الطعام، عاشها الغضنفر خلال معركة الحرية مجهولة المصير، لم يتسلل إليه فيها اليأس أو يغلبه جوعه، ولم يستطع جسده الهزيل أو روحه التي كانت تهدده بالخروج كل ثانية صده عن قراره، فضلا عن الضغوطات النفسية التي مارسها الاحتلال عليه طوال تلك الفترة.

من زنزانة إلى زنزانة ومن مبنى لآخر، يتعمد الاحتلال نقل الغضنفر كل فترة، حتى لا يعتاد أي منها فتسهل عليه معاناته، إضافة إلى المراقبة والتفتيش المستمر، فضلا عن محاولاتهم اليومية لإغرائه  بالطعام، ولا ننسى الاعتداء بالضرب والسب، لكن دم الغضنفر الحر، أبى أن يقابل الذل بالذل.
هنا في آخر الأقفاص البشرية التي حظت بشرف خطى الغضنفر على أرضيتها، حيث سطر جمود الوقت بطولة شاب أعزل ذي 28 عامًا في معركة الأمعاء الخاوية، يمر اليوم تلو الآخر والليل ساكن والشمس تأبى الظهور، يمر الوقت وزاده الوحيد هو الماء، وصديقه المقرب هو النوم، شهر يبتع شهرًا والاحتلال لا يزال مصرًا على أسره، والغضنفر لا يزال يطمح إلى الحرية، وكل منهم ثابت على قراره.
 محطة مضيئة  
 مع الوقت والتحامل بدأت علامات التعب والإرهاق تظهر على جسد الغضنفر، ولم يعد يستطيع الحراك، خاصة بعد الاعتداء عليه من قبل ضباط الاحتلال بسجن الرملة لإرغامه على الأكل، إلا أنه رفض، ولكن كانت تلك واقعيًا محطة مضيئة في طريق قطار بطولة الغضنفر، حيث حظى على إثرها بزيارة الهلال  الأحمر الفلسطيني، والذي قدم تقريره لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، بوجوب نقله إلى المستشفى.

الغضنفر في المستشفى

 

مثل المستشفى لـ "الغضنفر" سجنًا بعد سجن - على حد وصفه - حيث كان في بادئ الأمر مقيد اليدين والقدمين بالأغلال هناك، وكان يخضع لمراقبة استخبارات السجون بطريقة غير مباشرة، وهذا ما أكده خلال حديثه لـ "القاهرة 24"، رادًا بذلك على ادعاءات السلطات الإسرائيلية، التي قالت إنه يعامل معاملة مدنية داخل المستشفى، إلا أن الحقيقة كانت خلاف ذلك.

ولم يكف الاحتلال عن ممارسة الضغط على الغضنفر حتى بعد انتقاله للمستشفى، لكن الدعم الذي حظى به من إخوته والفلسطينيين أجمعين كان يرده إلى عزمه بعد هوانه كل مرة، بل صعد الأمر أكثر للإضراب عن الماء أيضًا خلال أيامه الخمس الأخيرة.

على الجانب الآخر من ذلك، هناك أم تبكي، وأب قتله الحزن؛ ليعطينا مثلًا واضحًا عن قهر الرجال، وأخت كبرى لم يغمض لها جفن وهي تفكر كيف تخرج أخيها الأصغر من هناك قبل أن يصيبه ما تخشاه، والذين عصف بهم كل شروق شمس جديد خلال رحلة وليدهم في الإضراب عن الطعام، حيث كان يقتلهم الخوف، خاصة مع عدم قدرتهم على التواصل معه ومعرفة كيف تجري أموره.

لم تدخر بنازير، وهي الأخت الكبرى لـ "الغضنفر" جهدًا أبدًا لدعم وتحرير أخيها الأسير من أيدي الصهاينة، فحاولت تصعيد العمل القانوني، وزيادة الفعاليات التضامنية معه، إلا أن خيبة الأمل اعتادت زيارتها نهاية كل يوم لتخبرها أن هذا لا يفيد، لكنها لم تكف عن محاولاتها أبدًا.

تحقق المطلب

صباح الأحد، 8 يوليو الحالي، استيقظ الغضنفر على صوت مطرقة العدل يفصل في قضيته، بعد أن استسلم الاحتلال وفك قيده، بعد 65 يوما من الامتناع عن الطعام، ليزف البشرى إليه محاميه جواد بولس، وسط حفاوة القيادة الفلسطينية وأعضاء الكنيست، لتعلو وجه الغضنفر ضحكة طفلٍ وجد حضن أمه بعد أعوام من التشرد، إلا أن فرحته لم تكتمل بعد أن خانه جسده ولم يستطع الحراك مطلقًا، لكن لم يعكر ذلك طعم انتصاره أخيرًا في معركة كان الموت أقرب الاحتمالات لنهايتها.

 

الغضنفر بعد تلقيه خبر حريته

لا يزال الغضنفر عاجزًا عن الحركة وتناول الطعام حتى كتابة هذه السطور، كما أنه يتبع نظامًا صحيًا ليتمكن جسده من العودة لطبيعته تدريجيًا، ولربما انتهت معاناته، إلا أنها ضمنت له ما يحكيه لأولاده وأحفاده ليفخروا به على مر العصور.
 

الغضنفر بعد تلقيه خبر حريته

 

تابع مواقعنا