الخميس 02 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"ذو اللطائف"

الجمعة 30/يوليو/2021 - 03:39 م

• أواخر السنة قبل اللي فاتت وقبل ما العالم يدخل في حوارات كورونا اللي لسه دايرين في الساقية بتاعتها لحد دلوقتي؛ كان فيه مواطن نيجيري اسمه "داني" عايش مع مراته اللي اتجوزها بعد قصة حب مش بسيطة.. غرابة قصة "داني" ومراته إنها قصة تليق بمجتمع متحضر شوية عن الوضع اللي هما كانوا فيه.. ليه؟.. لإنهم كانوا عايشين في قرية نيجيرية فقيرة والأسرتين بتوعهم ساكنين فيما يشبه الكوخ أو العشة.. لما حب "داني" مراته واتجوزوا عاشوا هما برضه في كوخ صغير.. الأزمة الأولى والأهم والأكبر اللي كانت مسيطرة على علاقتهم سوا بعد الجواز هي إن "داني" مش قادر يكون غني!.. بيشتغل ليل نهار وبيتعب وبيروح وبييجي لكن في النهاية الوضع زى ما هو وده عكس اللي كانت مراته بتحلم بيه.. كان عندها أمل ما إنها لما تتجوز بـ شاب في سنها الدنيا هتضحك لها، وحياتهم هتتشقلب.. بس ماحصلش.. الحقيقة إنه ماحصلش مش بسبب كسل "داني" ما هو كده كده شغال ومش مقصر لكن بسبب إن طبيعة الحياة في القرية بتاعتهم مش بتسمح لهم بالطموح أساسًا!.. فيه سقف محدد محدش هيعلى فوقه.. المزارع بيفضل مزارع، والصياد بيكمل صياد، والعامل بيفضل كده برضه.. بالتالي كان فيه إجحاف منها ناحيته في النقطة دي.. رغم الخلافات اللي بينهم خلفوا 7 أطفال في قمة الجمال.. حدة الخلافات زادت.. مراته قررت فجأة تمشي!.. كده خبط لزق صحيت من النوم بدري في يوم وسابت الكوخ ومشيت!.. صحي "داني" ودور عليها مالقهاش.. طفشت.. سابته هو والأطفال لوحدهم.. الغريب إن التصرف بتاعها ده كان غريب على المجتمع النيجيري تحديدًا في القرى!.. دخل "داني" في نوبة حزن وإنهيار عصبي مالهومش حدود لما فجأة مالقاش جنبه شريكة حياته.. مش بس عشان سابته لكن عشان كان بيحبها حب حقيقي رغم كل عيوبها، وكان شايف إن الحياة بعدها ماتستحقش إنها تتعاش!.. فضل على الوضع ده قد إيه؟.. نحو 3 شهور.. بعدها وفي واحدة من الزيارات الإنسانية اللي بتحصل من بعض الدول الأجنبية بهدف تقديم مساعدات للدول الفقيرة فيه فوج كندي جه زار القرية اللي ساكن فيها "داني".. فوج مكون من مجموعة من الشباب رجالة وستات كنديين جايين يقعدوا في القرية أسبوعين ويتعرفوا على مشاكل وظروف أهلها وبالمرة يقدمولهم شوية معونات غذائية.. من ضمن الفوج ده كان فيه شابة كندية لفت نظرها الكوخ اللي ساكن فيه "داني" لما شافت أولاده بيلعبوا براه!.. اتعرفت عليهم واتكلمت وعرفت منهم إن أبوهم قاعد في الكوخ ومش بيرضى يخرج.. فضولها خلاّها تصمم تشوفه.. رفض.. صممت أكتر.. وافق.. اتعرفت عليه.. شافت فيه إنسان محبط ويائس ومحطم.. بس رغم اللي هو فيه ده كله كانت قادرة تشوف طاقة اللطف اللي في شخصيته.. قررت إنها تكون سبب في خروجه من حالته خلال فترة وجودها مع الفوج في القرية.. كل يوم بقت تقعد مع "داني" تحكي معاه، ويحكيلها.. ماتيجي تفسحني وتفرجني على الجبل اللي هناك ده؟.. جبل إيه بس أنا في إيه ولا في إيه!.. تصمم.. يوافق.. أنا عمري ما جربت أصطاد، ما تخليني أجرب إيه رأيك؟.. تصطادي!.. تصمم برضه.. يوافق برضه.. شوية بشوية قربوا من بعض أكتر.. القرب بقى حُب.. جه ميعاد سفر الفوج، وكملت السائحة في نيجيريا.. اتجوزت هي و"داني" وفي بدايات 2020 أخدته هو وولاده السبعة عشان يعيشوا معاها في كندا!.. وحياتهم حتى الآن فيها قدر من السعادة محدش يصدقه، وكإن حكمة الإنفصال والوجع اللي شافهم "داني" كان ظهور السائحة دي.

 "داني" وزوجته الكندية وأولاده

• في واحدة من القصص اللي كان لها أثر في المجتمع البرازيلي في التسعينات واللي تم ذكرها في أكتر من كتاب وصحيفة برازيلية وعالمية؛ لما المواطنة البرازيلية "روز" اللي عندها 29 سنة خلصت شغلها في مكتب المحاسبة اللي بتشتغل فيه خرجت بسرعة عشان تروح خصوصًا إن الوقت كان اتأخر وهي اضطرت تسهر في الشغل النهاردة على غير العادة عشان تزود دخلها شوية الشهر ده.. والحقيقة إنها كانت بتلجأ دايمًا للقصة دي لما أى شهر يزنق معاها في المصاريف.. إيه يعني كام ساعة شغل زيادة في مقابل إن الأوفر تايم هيظبطلي العجز المادي اللي حاصل معايا.. بس ولإن كل حاجة وليها ثمن؛ كانت بتخرج من الأيام اللي شبه دي في قمة التعب.. كانت بتحلم بـ دُش سخن وأكلة حلوة وكلفتة في سريرها بعد اليوم المرهق.. سلمت مفاتيح المكتب لحارس الأمن بتاع العمارة واتحركت ناحية الجراج تحت عشان تاخد عربيتها.. كانت شايفة عربيتها من بعيد مركونة والجراج كله فاضى وكانت مخضوضة لإن المكان هُس هُس.. مدت أكتر.. ركبت العربية.. قفلت الباب.. بطرف عينها لمحت في المراية الجانية حد بيقرب بسرعة من الباب بتاعها.. بصت لقت شخص ضخم فتح الباب وحط مسدس في وشها وأمرها تدخل على الكرسي التاني بسرعة ونط قعد في كرسى القيادة وهو بيحذرها بعصبية تفتح بُقها بحرف أو تستغيث!.. سمعت كلامه والموضوع خد 5 ثواني بالظبط.. طلب منها تطلع كل اللي في جيبها.. قالتله برعب إن مفيش معاها فلوس بس ممكن تسحب له الـ 4000 ريال برازيلي اللي حيلتها من أقرب ماكينة صراف آلى.. سألها عن مكانها.. وصفت له المكان والمنطقة.. كان واضح إن الحرامي معندوش خبرة في سواقة النوع ده من العربيات الحديثة.. إتلخم شوية في تدوير العربية وسألها عن طريقة تشغيلها.. قالتله.. إتحرك بالعربية.. ساق بالإيد الشمال وهو لسه موجه إيده اليمين ناحيتها بالمسدس.. "روز" كانت هتموت من الرعب وبدأت الأسئلة الوجودية اللطيفة تنط في دماغها.. هيغتصبني؟.. هيقتلني؟.. هيسرق العربية؟.. دي جديدة ولسه عليها 24 قسط كاملين وأنا مش مأمنة عليها!.. طردت الأفكار الزفت من دماغها وافتكرت جملة كانت قرأتها قبل كده في كتاب "Illusions" للكاتب "ريتشارد باك" بتقول: (ليس هناك نقمة لا تحمل بين طياتها نعمة).. سألت نفسها إيه اللي ممكن يكون نعمة في الموقف المنيل ده!.. خدت نفس وحاولت تركز في ملامحه بالجنب.. الحرامي كان مركز في الطريق وكان واضح إنه عصبي.. رسمت بصعوبة إبتسامة على وشها وسألته: (إنها سيارة ممتعة القيادة أليس كذلك؟).. رد عليها بسرعة: (إياكي أن تصرخي أو تطلبي النجدة أو تحاولي الهرب، إن فعلتي سوف أطلق النار فورًا).. ركزت أكتر في ملامحه.. حست إنه طيب!.. طيب طيب يعني مش مبالغة وشخص مضطر للي بيعمله.. كعادة الستات دايمًا اللي عادة بيلاقوها فرصة عظيمة إنهم يسألوا أسئلة غريبة في أكتر أوقات مش مناسبة بدأت تسأله شوية أسئلة خاصة بيه.. متجوز ولا لأ؟.. ساكن فين؟.. عندك أولاد؟.. الحرامي استغرب أصلًا من الموقف والست دي!.. هو ده وقته!، وبعدين من إمتى الضحية بتكون مهتمة تسأل الجاني أسئلة شخصية.. لقى نفسه لا إراديًا بيحكي لها إنه من مدينة فقيرة وإنه كان فرد من أفراد عصابة لسرقة البيوت مكونة من 5 وفيه 4 منهم ماتوا بعد مطاردة الشرطة ليهم وإنه فشل في شغلانته كـ عامل طلاء فأضطر يرجع تاني للسرقة لما لقاها خربانة خربانة والشرطة بتدور عليه ومصممة تجيبه وعياله هيموتوا من الجوع عشان كده اضطر يعمل معاها اللي بيعمله دلوقتي.. كان بيحكي بأسى ومرارة باينين في نبرة صوته.. وصلوا لماكينة الصراف الآلى وكان فيه اتنين واقفين بيسحبوا فلوس.. الحرامي حط المسدس في جنبها وطلب منها تروح تسحب المبلغ اللي قالت عليه وهددها إنه هيفضل منشن المسدس ناحيتها ولو فكرت تطلب مساعدة الإتنين اللي واقفين هيضربها وهيطلع يجري بالعربية عادي جدًا هو مش خسران حاجة.. نزلت.. حست براحة وكإنها أخدت حريتها ولو مؤقتًا.. اتمنت في اللحظة دي إن تمر أى عربية شرطة أو إنها تشاور للناس اللي جنبها عشان ينقذوها بس فكرت بسرعة وطنشت وسحبت الفلوس ورجعت تاني للعربية.. ركبت.. الحرامي اتحرك بالعربية وهو سايق سألها: (كيف يمكن أن تكوني بهذا الهدوء!، لم يسبق لي أن ألتقيت بشخص مثلك!).. شوية بشوية بدأ هو كمان يسألها عن نفسها وهي جاوبته!.. عرف منها إنها مُطلقة وإنها عايشة لوحدها، وإنها فضلت فترة طويلة مكتئبة بسبب طلاقها لإنها كانت بتحب جوزها حب حقيقي ماكانتش تتخيل إنه ممكن ينتهي في يوم.. وهي بتحكي وبتفتكر دموعها نزلت منها غصب عنها.. هو لاحظ.. نصحها إنها تتجوز لإنها لما توصل لسن الستين الحياة لوحدها هتبقى صعبة جدًا عليها.. كان اللي يبص عليهم وهما ماشيين بالعربية يقول إنهم إتنين أصدقاء مش حرامي وواحدة مخطوفة!.. سألها تحب تروح فين.. قالت له على عنوان منطقتها.. ساق ناحية هناك بناءًا على وصفها.. عند مدخل منطقتها وقف العربية وطلب منها تديله الفلوس عشان ينزل ويسيبها.. إديتهالوا.. قبل ما ينزل بص على خزان البنزين ولقى إنه قرب يفضى فقال لها بقلق وإهتمام حقيقي: (الوقود على وشك النفاذ ولن يكفيكي غدًا للذهاب إلى العمل).. استغربت من التفصيلة اللي شدت انتباهه.. بتلقائية وسرعة خد نص الفلوس اللي لسه واخدها منها وإدهالها!.. لف ضهره وانطلق عشان يختفي في الغابة اللي على جنب الطريق بس بص وراه ورجع سألها: (هل سيسامحني الله؟).. ردت بإبتسامة: (أعتقد).. سألها: (والناس؟).. سألته: (هل يهمونك بعد غفران الله؟).. فكر شوية وقال: (لا، لن يرضوا عني في كل الأحوال).. ردت: (بالظبط).. رمى باقي الفلوس من الشباك في حجرها وطلع يجري لحد ما اختفى في الغابة!.. الموقف ده غير كتير في شخصية "روز" وعرفها قد إيه إن الناس أسباب في حياة بعضهم.. إيه الحكمة من ظهور الحرامي ده في الوقت ده؟.. ليه يطلع لها في نفس اللحظة اللي فكرة الانتحار كانت بتراودها فيها بقالها كذا يوم؟.. اللي هي كانت متأكدة منه إن كلامها معاه غيّر حاجة فيه بس اللي كانت متأكدة منه أكتر إنها لازم تكمل وتستمر لإنها بكره وبعده ممكن تغير حياة حد تاني.. بعد الموقف بقت "روز" أكتر حكمة، أكتر تقبل للأمور مهما بانت صعبة، أكتر حب للحياة، وأكتر شوق دايمًا في ترقب ظهور حكمة ربنا بعد أى أزمة، واللي أكيد كده ولا كده هتظهر.

 

• مش لازم في كل خطوة من حياتك هتكون فاهم في لحظتها إيه بيحصل ليه.. غير إنه مش لازم فهو كمان مش مطلوب منك.. كتير من الوقت بيضيع عند النقطة دي.. مهمة أى بني آدم خلقه ربنا في الحياة بتنتهي في نفس لحظة خروج آخر نفس من صدره.. زيك زى "القلب" في جسم الإنسان كده.. اللحظة اللي القلب بيتوقف فيها عن شغله بيموت!.. غير كده إنت بتحاول، بتعافر، وبتتجاوز.. لحظات الوجع، الصدمة، والألم؛ استراحة عشان تعيد ترتيب أوراقك، وتنتظر بشغف تشوف حكمة ربنا.. ربنا اللي فيه كتير مننا بتغيب عنهم فكرة إنه مش بيعمل إلا الخير.. والمطلوب؟.. شوية أمل، صبر، وترقب.. الأمل مينفعش يتشال من معادلتك، والصبر مينفعش مايكونش جزء أساسي من الحكاية.

تابع مواقعنا