«خريطة المكان» في قصص البساطي تمنح أحمد دعدر الماجستير
"على ضفاف بحيرة المنزلة في الدقهلية نشأ الأديب المصري محمد البساطي، وكشف عبر قصصه طبيعة الحياة التي تموج بها عشش الصيادين ومراكبهم وثقافتهم وملابسهم، وكذلك الفلاحين بين أعواد القصب والذرة وعلى مياه البحيرة"، على هذا النحو تحدث الباحث أحمد الدعدر الذي حصل على درجة الماجستير في النقد الأدبي عن أطروحة "المكان في الفن القصصي عند محمد البساطي"، بتقدير امتياز من كلية دار العلوم جامعة المنيا، وتكوّنت لجنة المناقشة من الأساتذة الدكاترة سعيد الطواب مشرفًا ورئيسًا، وهدى عثمان مشرفًا مشاركًا، وسهير محمد حسانين مناقشًا، وشعبان إبراهيم حامد مناقشًا.
يقول الباحث: "إن المكان لدى البساطي حمل دلالات ورسائل سياسية، وهو ما تجلى في الصراع القائم بين السلطة والتمرد، التي ترددت أصداؤهما كثيرًا داخل القصص. وكأنَّ المكان هو العباءة التي تدثر بها الكاتب، ليمرر رؤاه التي لم تنطق بها الشخصيات. من بين هذا على سبيل المثال قصص (ابتسامة المدينة الرمادية، ومشوار قصير، والزعيم، والزفة، والمَجْرى)".
وأضاف أحمد الدعدر: "كسب المكان لدى البساطي رهان الجماليَّة، التي تعد معيار النجاح في السرد، أو الغاية التي يبتغيها القاص. وجمالية المكان وفق جيرار جينيت مرتبطة بمستويين، الأول أن ينقل القاص المتلقي من العالم الواقعي المعاش إلى المتخيل الذي رسمه على الورق، ويسكن فيه ويجتازه، ومن ثمَّ تنشأ علاقات خاصة مع ذلك المكان، حيث الألفة والطمأنينة أو النفور والابتعاد".
يتابع الباحث: "أمَّا المستوى الثاني فهو إنطاق المكان عبر دقة وصف تفاصيله، فتجليات المكان وجمالياته تكمنان في قدرة القاص على أن يجعله يتحدث بما يتضمنه، لا أن يتحدث الكاتب عنه. وقد برع البساطي في تلك التقنية، فقدم وصفًا خلاقًا دالًا للأمكنة بعيدًا عن التزيين والزخرفة، كما اتصفت أمكنته بالشعرية التي تمظهرت في الحذف والإيجاز غير المخلين، وجاءت بعض قصصه خالية من الاستطراد اللغوي، فبدت وكأنها لوحات مرسومة في رشاقة من قِبل فنان لا كاتب. إذ اتصفت قصصه بالمشهدية التي تطغى عليها آلية التفكير بالصور أي بالأمكنة".
أيضا يعتقد الباحث أن البساطي كثيرًا ما يصيب القراء بـ«فتنة المكان»، إذ إنَّ الأثر الذي يبقى من غالبية قصصه هو المكان الذي احتوى الحدث، ويستجيب إليه المتلقي عبر التأثر به فرحًا أو حزنًا. تجلى هذا في قصص (منحنى النهر، والجفاف، وأث أث، والبراري).
الباحث أحمد الدعدر أكد أن "البساطي يمتلك حاسة سينمائية راقية، تقتطع مشاهد وصفية، موظفة عن اقتدار ووعي وخبرة بالمكان من ناحية، من بين هذا قصتي (منحنى النهر والجفاف)، فشتان بين أجواء الطبيعة بينهما، وأيضا قصص (التل، ومناغاة، والبنت تغتسل، والطرحة). في النهاية كشفت الأمكنة لدى البساطي عن المنظومة الثقافية التي حكمت القرية المصرية في الستينيات والسبعينيات".