الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

شيخ الأزهر: التقدم العلمي واندلاع الحروب كأنهما فرسا رهان يسابق كل منهما الآخر

شيخ الأزهر أحمد الطيب
تقارير وتحقيقات
شيخ الأزهر أحمد الطيب
السبت 18/ديسمبر/2021 - 01:14 م

قال الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن التقدم المادي الذي تميز به القرن الماضي يعد من أعظم مكاسب البشرية على الإطلاق، وفضل به هذا القرن على سائر القرون، ولكنه لم يواكبه التقدم الموازي في المجال الخلقي الإنساني، وهو الجانب المعول عليه في تصحيح مسار الإنسانيّة وتقويم سلوكها حين يلتبس عليها الخير بالشر في الفكر، ويختلط الحسن بالقبح في الفعل.

وأضاف فضيلة الإمام الأكبر، خلال كلمته في مؤتمر جامعة الأزهر «تغير المناخ.. التحديات والمواجهة» أن إزاء هذه المفارقة المعكوسة في ضبط العلاقة بين التقدم المادي والتقهقر الخلقي في حضارة الإنسان المعاصر، توقع الفلاسفة والمفكرون خطرا ماحقا سيحل بالإنسانية كلها، وقد يعود بها إلى عصور ما قبل التاريخ.. وقد نبَّه كثيرٌ منهم إلى أن هذا الخطر بدأت تبدو نُذُره على استحياء مع حلول القَرنِ التاسع عشر، وهو القرن المعروفُ بقرن مذهب النشوء والتطر، والانفجار المعرفي في المذاهب العلمية، والمدارس الفلسفية على مختلف مشاربها، بل قرن الثورةِ على المظالم الاجتماعية وعوامل التخلف البشري، لكنه كان قرن التوسع في استعمار الشعوب، والتسلط على مقدراتها وسرقة ثرواتها، وتدمير قيمها وثوابتها، بل كان القرن الذي سخر فيه «العلم» بموضوعيته وحياديته لخدمة مطامع الاستعمار ونزاعاته السياسية، يدلنا على ذلك الدعوات العلمية الزائفة التي كانت تروج في ذلكم القرن لامتياز أجناس الشمال وتفوقها العقلي والحضاري على سائر الأجناس البشرية، وأن الجنس الآري هو صاحب الفضل الأوحد «في كل فتحٍ من فتوح العلم والثقافة والحضارة» قديمًا وحديثًا.

وأكد أنَّ أمريكا نفسها - فيما يقولُ عملاق الأدب العربي الحديث: العقاد: «لم تخل من نصيبها من هؤلاء الدعاة، وكيف لا! وقد كانت ميدان نزاعٍ بين الأجناس البيضاء والحمراء والسوداء، بل ميدان مفاخرة بين المهاجرين الآباء أنفسهم، ممن ينتمون في أنسابهم إلى أصول متباينة مثل: السكسون واللاتين وأُمم الشمال والجنوب».

ولفت الإمام الأكبر أنه مع القرن العشرين توقع الناس أن يكون ما حدث وسيحدث من تقدم علمي وفلسفي وثقافي قادرًا على تربية الإنسان وتهذيب أخلاقه وترقية مشاعره، وكفيلا بكفكفة نوازعه في الغلبة والتسلط والاستقواء على الآخر، غير أن خيبة الأمل كانت أقسى وأمر من سابقتِها.. فلم يكد ينتصف هذا القرن حتى سجل تاريخه الدموي، وقوع حربين عالميتين، ذهب ضحيتهما ما يقرب من ثمانين مليونا من القتلى من خيرة الرجال والنساء والشباب، دون مبرر منطقي، ولا سبب معقول، اللهم إلا انحراف الفكر وموت الضمير، وغطرسة الأنانية، ونزعات العرق والتفوق العنصري في أوروبا؛ وزاد الطين بلة، ظهور الردعِ النووي، ليمثل رعبا جديدًا، وليمكن قلة من الأغنياء بأن يستأثروا بثروات الأكثريّة السّاحقة من الفقراء. ثم أطل القرن الواحد والعشرون بسياسة استعمارية جديدة، شديدة العنف والقسوة، ما أظن أن أحدًا يجادل في أنَّنا، نَحْنُ العربَ والمسلمين، نعيش تبعاتها -اليوم- واقعًا حزينًا ممزوجا بالدم والتراب والدموع والخراب.

ولفت الإمام الأكبر إلى ما اقتنع به كثيرون من حكماءِ الغرب والشَّرق المعاصرين، وفرَغُوا من إثباتِه كحقيقة لا تقبل الجدل، هي: أنَّ التقدُّمَ العلمي -ولسوء الحظ- لم يواكبه تقدم مُوازٍ في الأخلاق، وأن التطور التقني وبخاصة في مجالِ صناعة الأسلحة الفتاكة، جاء خالي الوفاض من كل القيم القادرة على ضبطه في الاتجاهِ الإنساني الصحيح، بل لوحظ أن الحروب يزداد سعيرها كلما ترقى العلم في سلم التطور، حتى صار التقدم العلمي واندلاع الحروب كأنهما فرسا رهان، يسابق كل منهما الآخر ليسبقه.

تابع مواقعنا