الإثنين 29 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أوكرانيا ضحية الحرب بالإنابة

الجمعة 25/فبراير/2022 - 02:16 م

بالنظر إلى الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا حاليا، وبعيدًا عن الأسباب التاريخية لهذه الحرب ورغبة روسيا القيصرية في استعادة نفوذها في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، والمحاولات المتواترة لحلف شمال الأطلسي للتمدد شرقا وتطويق روسيا الاتحادية، والدعم اللوجستي الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها في تلك المنطقة، يمكننا الذهاب إلى قلب الأحداث بشكل أكبر والنظر في مواقف الدول الكبرى والتحول في شكل العلاقات الدولية الذي قد يتأثر به المجتمع الدولي نتيجة للوضع الراهن، وما هي العقوبات التي قد تفرض على روسيا، وهل ستقتصر تلك الحرب على استحواذ روسيا على بعض المناطق في أوكرانيا أم ستكون بداية لحرب موسعة لا يعلم مداها إلا الله.

يمكننا القول، إن هذه الحرب هي حرب بالإنابة قد خاضتها أوكرانيا واختارت بين أمرين أحلاهما مر وهما؛ الأول: أن تخضع تمامًا لروسيا بثرواتها وسيادتها وتقتل بأيديها حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، والأمر الثاني أن تكون شريكا استراتيجيا لحلف شمال الأطلسي وتواجه عواقب هذا الاختيار من روسيا، الأمر الذي كبدها حربًا واجتزاء عدة مقاطعات من أراضيها  بعد إعلان الرئيس بوتين اعترافه باستقلال دونيتسك ولوجانسك والتوغل العسكري المستمر والزحف من مدينة لأخرى كل ساعة تمر بها هذه الحرب، وكانت قد سبقتهما بعدة سنوات شبه جزيرة القرم، تماما مثل ما حدث قبل أربعة عشر سنة تقريبا بإقليمي أوسيتيا وأبخازيا الجنوبية بدولة جورجيا، فقد كان درسًا لحلف الناتو وعددًا من الدول الأوروبية أن هذه ليست طريقة التعامل مع روسيا، وفي إطار ما سبق، قد يكون هناك تباين في مواقف الأطراف الدولية الذي سيظهر في مفاوضات وتكتلات جديدة ربما يكون من بينها:

أولًا: تقارب تركي أوروبي، وتركي أوكراني: 
فمنها قد يستفيد أردوغان من إيجاد دور إقليمي جديد له ولأنقرة التي تراهن على إمكانية حل الأزمة الحدودية مع أوكرانيا دبلوماسيًا، فضلًا عن توطيد العلاقة العسكرية الفنية مع كييف وحل مشكلة تتار القرم بل وربما دعمهم ضد روسيا، وتقليص السيطرة الروسية على البنية التحتية للموانئ بمنطقة البحر الأسود، وربما قد ييسر كل ما سبق في حل المعضلة التركية التي نشأت نتيجة لسعي أنقرة المستمر في تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي الاستراتيجي والنفوذ عبر منطقة البلقان والشرق الأوسط.

وعلى الرغم من التنافس الإقليمي المتصاعد وتغير الموقف التركي الحالي، نذكر أن تركيا كانت قد سعت إلى تقارب استراتيجي مع روسيا في السنوات الأخيرة، حيث كانت الدوافع الرئيسية لهذا التقارب، أولًا، الإحباط من الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، التي يشكلها المقاتلون الأكراد بحزب العمال الكردستاني أكبر مكوناتها، وثانيًا، التخلص من تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة للجيش التركي عام 2016.

ثانيًا: التقارب الصيني الروسي والروسي الإيراني:
قد تلجأ روسيا لتحالف أكبر مع كل من إيران، والأهم مع الصين اللتين اجتمعتا على مبدأ أن "الأمن غير قابل للتجزئة"، وكانت بكين قد وضعت نفسها في موقف صعب من خلال دعم موقف موسكو الأساسي بشأن توسع الناتو، بينما تحاول أيضا الحفاظ على وجهة نظرها التقليدية حول السيادة الإقليمية مثل ما فعلت في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وربما يعلم الكثيرون أنه قد تم مناقشة الوضع في أوكرانيا عندما ذهب بوتين إلى بكين في الفترة الزمنية لافتتاح الأولمبياد للحصول على الضوء الأخضر من نظيره الصيني بشأن مواجهة أي عملية فرض عقوبات قد تواجهها موسكو من المجتمع الدولي، فلعل الدعم الصيني سيكون شريان الحياة المحتمل لبوتين.

من ناحية أخرى تسعى الصين إلى عمل توتر اقتصادي استراتيجي لغريمتها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد زيادة التوتر فيما بينهم نتيجة لأزمة الكوفيد ومن المتسبب فيها وأزمة الجيل الخامس للإنترنت، وبعيدًا عن هؤلاء قد تستفيد إيران من تطوير نفسها في هذه الفترة في ترتيب أوضاعها إقليميا. فربما يكون هذا التقارب الثلاثي مهمًا لمصلحتهم جميعًا.


ثالثًا: الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي:
إن حلف الناتو دائما ما يسعى لتطويق روسيا من خلال نشر منصات إطلاق صاروخي على مدن متاخمة تمامًا للحدود الروسية، مثال شبه جزيرة القرم ومناطق جوب جورجيا، فضلًا عن مساعيه للتحكم بمقتنيات أوكرانيا من ثروات، معادن، وتكنولوجيا نووية لديها، بزعم تطويرها للأغراض السلمية، حسب ما يتردد عن مسئولين روس، وللأسف جميع المؤشرات تقول بأن حلف الناتو لن يساند أوكرانيا وإنما سيعزز من انتشاره فقط لأجل الحفاظ على أمن بولندا ورومانيا ودول البلطيق، بينما قد يستعين بتركيا المتعطشة للالتحاق به والباحثة عن دور إقليمي جديد لها.    

رابعًا: الولايات المتحدة الأمريكية والتوجه الدبلوماسي شرقًا:
ربما يبدو الأمر ليس واضحا بالشكل الكافي للولايات نفسها، وبالتالي قد يصعب تفسير موقفها في الوقت الحالي بشكل واضح، إلا أنها قد تعمل بشكل مكثف على تهدئة الموقف دبلوماسيا "في الوقت المناسب الذي ستحدده روسيا"، حسب ما تردد عن لسان بعض المصادر الدبلوماسية في المنطقة، حيث تعمل واشنطن في الوقت الحالي على عدة محاور، أولهما: إقناع دول الاتحاد السوفييتي السابق بالضغط على روسيا لوقف الحرب ضد أوكرانيا. ثانيهما: إقناع دول الاتحاد الأوروبي باستخدام ورقة الضغوط الاقتصادية على موسكو مقابل وقف الزحف ضد كييف. ثالثًا عرقلة أي تقارب دبلوماسي أو لوجستي بين روسيا وفنزويلا وكوبا على وجه الخصوص ما يشكل توترًا استراتيجيا لدى واشنطن. رابعًا: العودة في دعم وتنشيط الوليد الأمريكي في آسيا الوسطى ونقطة الضعف الأزلية لدى روسيا والممثلة في حركة طالبان للضغط على روسيا من تلك المنطقة. وخامسًا: السي لعمل مفاوضات مباشرة مع موسكو أو غير مباشرة من خلال وساطات بعض دول الشرق الأوسط.  

مع تزايد وتيرة المواجهة، أعتقد أن روسيا لن تدخل في عملية عسكرية واسعة النطاق بشكل أكبر من ذلك، بل ستكون سريعة ومركزة، تهدف لاستحواذ عدد من المدن الحدودية والنقاط الاستراتيجية، مع تدمير مراكز الدفاع الهامة بأوكرانيا وربما ستنتهي بنهاية الأسبوع المقبل بعد عملية تفاوض دولي عام واسع النطاق خاصة بين واشنطن وموسكو، حتى ومع شدة اللهجة الدبلوماسية القائمة حاليا والتي ستختفي سريعا.

ويتبقى الضحية الوحيدة هم النساء والأطفال والأسر المشردة نتيجة لصراع القوى الكبرى وصراع الأفيال حول تقاسم ثروات ومناطق نفوذ وصراعات الجيل الخامس وما يستجد.

تابع مواقعنا