الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

حكام العالم الجدد

الثلاثاء 01/مارس/2022 - 10:33 ص

يُخطئ من يظن أن العالم الذي نعيش فيه محكوم فقط بالأفكار الفلسفية والاقتصادية والسياسية العقلانية؛ فالأفكار والرؤى الدينية والأسطورية القديمة والمُستحدثة يبدو أنها تلعب دورًا كبيرًا في تحديد خيارات، وتوجيه سلوك وسياسات وقرارات أهل الحل والعقد النافذين في هذا العالم، من أهل السياسة والحكم والاستخبارات والمال والأعمال.

والمتحكمون في مصير العالم ودوله وشعوبه اليوم، هم  سادة وآلهة العالم الجديد، وصانعو المصائر فيه، وقد قرروا - فيما يبدو- تجاوز السرديات الإنسانية والدينية التقليدية الكبرى، ليصنعوا سرديات صغرى جديدة، وأساطير جديدة أكثر حضورًا وتأثيرًا، وأكثر فاعلية ومساعدة لهم في تحقيق أهدافهم الاقتصادية والسياسية.

سرديات وأساطير جديدة يصبح فيها تصور الإله القديم، الخالق الوحيد، والصانع الوحيد، والفاعل الوحيد في التاريخ من ميراث الماضي، وميراثا للشعوب التي تعيش خارج العصر والتاريخ.

وفي هذه السرديات والأساطير الجديدة، تحتل نظرية التطور مكان نظرية الخلق الإلهي، وتتلاشى تصورات الخلق الدينية التقليدية التي تُكرم الإنسان المخلوق على صورة الإله، وتجعل الكون والإنسان من خلق إله واحد قادر رحيم معتنٍ بالبشر.

وهذه السرديات والأساطير الجديدة، لها أبطالها المُبهرين الذين يُجسدون في أنفسهم وحياتهم كل أشكال النجاح المادي، والنموذج الأعلى للإنسان الجديد.

وهم أبطال بلا نبل أو قيمة حقيقية، ويُعبرون عن  قيم ومُثل العصر الراهن التي تُمجد الحياة هنا والآن فقط، وتُعطي الأفضلية للصورة على الفكرة، وللشكل على المضمون.

وهي القيم والمُثل التي سوف تؤدي في النهاية إلى تشيئة الإنسان، أي جعله سلعة تُباع وتُشترى، كما سوف تؤدي إلى حيونته أي جعله يحيا في مرتبة الحيوان الذي يعيش لتوفير غذائه واحتياجاته المادية، بلا أدنى تفكير في القيم والمثل الإنسانية والأخلاقية العليا.

وسادة وآلهة العالم الجديد النافذون المتحكمون، والمتلاعبون بمصائر الشعوب والدول، هم كذلك رواد "رأسمالية الكوارث"، الذين يعتقدون أن العالم وصل إلى مرحلة ما قبل الطوفان الجديد، وعلى الإنسان الفائق السوبر مان الذي صار بديلًا للإله،  أن يصنع مع نظرائه القليلين "سفينة نوح جديدة"، لإنقاذ أنفسهم.

ولأن هذه السفينة محدودة يتعذر معها إنقاذ كل البشر، سوف يكون المربح والأكثر فائدة للإنسانية الجديدة أن يذهب معظم البشر إلى الجحيم من خلال وباء أو كوارث أو حروب وثورات.

وتلك  الرؤية الخلاصية الجديدة، تستند عند هؤلاء إلى تصورات دينية يُلخصها رأي بات روبرتسون، الضابط ورائد الأعمال والسياسي والقس المعمداني الأمريكي، الذي قال: لن نبكي كما يبكي سكان العالم حين تحدث بعض المآسي أو تنهار حكومات وأنظمة العالم، فهذا ليس أمرا فظيعًا على الإطلاق، بل أمر جيد، وهو رمز دلالي على خلاصنا.

وهذا يعني أن خلاص هؤلاء في هلاك غيرهم ممن يرونهم فائضًا لا قيمة له، وعبئًا بشريًا على كوكب الأرض.

وكل هذه الأفكار، يتحتم رفضها وإدانتها من كل عقلاء العالم؛ لأنها تُقوض ميراث الإنسانية من القيم الروحية والجمالية والأخلاقية، وتحول العالم إلي غابة وسوبر ماركت كبير، كل شيء فيه قابل للبيع والشراء، وتمتهن كرامة الإنسان.

تابع مواقعنا