الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أرزاق ومقسمها الخلاق

الجمعة 18/مارس/2022 - 04:07 م

● في بداية شتاء 2015 وتحديدًا في ديسمبر نزلت قعدت في كافية مشهور في إسكندرية على البحر. متعود أروح أقعد هناك لما يكون ورايا شغل كتابة مهم عايز أخلصه.. المكان هناك هادي ولطيف خصوصًا من بعد الساعة 11 بالليل.. بيبقى هُس هُس.. رحت الساعة 11 ونص بالظبط.. دخلت لقيت المكان على غير العادة زحمة!.. مافيش ترابيزة فاضية وبالعافية لقيت مكان.. ياريت على قد كدة وبس لكن كمان كانوا مشغلين التليفزيون بصوت عالي على ماتش كورة.. برضو ياريت على قد كدة وبس لكن كمان شوية ولقيت راجل لابس قميص بسيط وبنطلون قماش وملامحه طيبة عنده حوالي 55 سنة ماسك عود وبيلف يعزف ويغني للناس اللي قاعدة على الترابيزات يمكن حد فيهم يجود عليه بأي حاجة!.. الشهادة لله ولأني بفهم شوية في المزيكا وبعزف على آلة الكمان قدرت أعرف إن الراجل ده عزفه حلو فعلًا وصوته فعلًا تحفة.. بس أنا رايح أكتب وماكنتش قادر أركز من حالة الضوضاء العامة اللي حاصلة دي.. صوت التليفزيون مع أصوات الناس المتداخلة مع صوت العود والغُنا كل ده عمل حالة قفلة خلتني مش قادر أركز نهائي.. ندهت على واحد من المسئولين اللي هناك وقلتله لو سمحت الدوشة مش عارف أركز وشاورت له على التليفزيون بإيدي.. المسئول قال: إحنا آسفين جدًا يا فندم والله.. بس واضح إنه فهم كلامي غلط فلقيته راح ناحية الراجل اللي بيعزف وقاله بلهجة قاسية: (إحنا مش قولنا آخرنا الساعة 10 يا عم حسن؟؛ اِتكل على الله بقى الزباين صدعت). أنا اتصدمت وماكنش ده قصدي أكيد وكنت عايزه يقفل التليفزيون بس.. لكن للأسف مالحقتش أتصرف وقتها من الصدمة ولأن كل حاجة حصلت بسرعة.. دون ولا كلمة وولا رد فعل؛ عم "حسن" لم العود جوه الجراب الجلد بتاعه وخد الجاكيت على كتفه وقبل ما يخرج بص لي بصة عمري ما هنساها.. بصة ضيق على زعل على لوم وعتاب وكأن لسان حاله بيقول (أنت السبب إنهم يمشوني).. حاولت أتناسى الموضوع وأتلهي في الكتابة بس ماقدرتش.. عملت مكالمة واتنين عشان أغيّر المود ماقدرتش.. شوية بشوية الناس بدأت تمشي من المكان وبدأ المكان يرجع لهدوئه اللي أعرفه عنه.. بس برضو ماقدرتش أكتب حرف.. نظرة الراجل مش عايزة تروح من قدامي.. قلت لنفسي والله ما أنا قاعد خربانة خربانة.. لميت اللاب والكتب وحطيتهم في الشنطة وطلبت الحساب وخرجت.. واقف مستني أي تاكسي يعدي ببص على اليمين لقيت عم  حسن" واقف يعزف لراجل لابس خليجي هو ومراته على الكورنيش!.. المنظر كان مبهج وهو كان بيعزف بمزاج وهما كانوا منسجمين.. قلت بيني وبين نفسي الحمد لله إن ربنا جبره.. الراجل الخليجي حط له فلوس في جيب القميص ومشي.. استغليت الفرصة وقررت أروح أصلّح أي سوء تفاهم يكون فهمه غلط.. قربت منه.. شافني.. قلتله: ماتزعلش مني أنا ماقصدتش إنه يمشيك من جوه والله ولا يقطع رزقك؛ حقك عليا.. ضحك وهو بيلم العود بتاعه وقال بنبرة تريقة كأنه بيأدبني: يا أستاذ ما تديش نفسك أكبر من حجمك.. بصراحة طريقته ضايقتني بس حاولت أمسك نفسي وسألته: أكبر من حجمي إزاي؟ رد: (أنت أو أنا أو أي مخلوق أقل بكتير قوي من إنه يمنع رزق ربنا عن حد؛ هو اللي بيرزق وبس مش حد غيره).

 


● شغلي في القاهرة بس أجازتي الأسبوعية بقضيها في إسكندرية مع والدتي وأخويا.. كنت هسافر بعد أجازة من الإجازات من إسكندرية للقاهرة بس كالعادة صحيت متأخر وكالعادة نزلت مستعجل.. طلبت عربية من أبلكيشن (كريم) واتحرك بيا من على البحر في اتجاه الموقف الجديد.. قدام مكتبة إسكندرية بالظبط السواق لف وعمل (يو تيرن) عشان يدخل في نفق قناة السويس.. الطريق والمرور كانوا واقفين من الزحمة والعربيات بتمشي ببطء.. لفت نظري راجل عجوز جدًا واقف على الرصيف اللي في نصف الشارع!.. مرصوص جنبه مصاحف وهو واقف جنبها وموطي وحاني ضهره وبيدخل إيده في كيس قماش متعلق في رقبته بيطلع منه حاجة زي بودرة كدة وبيرشها على الأرض بتركيز واهتمام ودقة.. السواق خد باله إني مركز مع الراجل.. قلت بصوت مسموع وأنا بشاور على الراجل: ربنا يهديه شكلها هربانة منه خالص.. السواق سألني: أنت ماتعرفوش ؟.. قلتله: لأ أول مرة أشوفه، هو مشهور!.. سألني: مافيش حد في الشاطبي مايعرفوش!.. سألته: بيعمل إيه يعني مش فاهم!.. عرفت منه إن الراجل ده عنده مشكلة عقلية بس عمره ما أذى حد ولا عمره اتصرف بشكل فيه عدم اتزان.. بيبيع مصاحف في نفس المكان كل يوم وبالفلوس اللي بيبيع بيها بيجيب بواكي بسكويت سادة.. بيحطها في الكيس القماش اللي معاه وبيفتفتها فتافيت صغيرة جدًا وبيريمها للنمل اللي على الرصيف!.. سألته: ليه ؟.. السواق هز كتفه وقال: (بتسألني أنا! سبحان من ألهمه وجعله سبب).. كان نفسي أنزل وأقعد وأتكلم معاه لولا إني كنت مستعجل.. عرفت إنه موجود هناك كل يوم من الساعة 6 الصبح لحد الساعة 12 الظهر وأنت لو من سكان إسكندرية أو حالفك الحظ ورحت هناك أكيد هتكون مبسوط لو شُفت الراجل ده عن قرب لأن مش كتير لما بتشوف بشر فيهم جزء بسيط جدًا من رحمة ربنا على الأرض.


● قصتنا مع ربنا الرزاق ما بتخلصش..  (الرزق) ده رصيدك اللي متشال ومحفوظ في بنك الدنيا واللي صرفك منه بيبقى بحساب وبإيد ربنا فقط لا غير.. بيديك منه وقت ما تعوز وبيبقى هو النور اللي في نهاية طريق ضلمة مالهوش آخر.. ربنا اللي رزق النملة على الرصيف بتصرف على الفطرة من راجل فيه من البراءة أكتر من العقل قادر يرزقك.. رزقك ماحدش هيمنعه ولو وقف على راسه.. حتى ولو اتقفلت سكة؛ بتتفتح سكك.. غيرنا أقل كتير وأصغر بكتير من إنهم يمنعوا رزق عنا أو عن أي حد.. رزقك مش فلوس بس.. رزق جايز حب ناس حواليك مش بتاخد بالك منهم إلا متأخر.. رزقك في لحظة بيلحقك فيها ربنا من سكة ماكنتش في بالك.. رزقك في صاحب جدع.. رزقك فـي زوج أو زوجة تختصر كل العالم فيه.. ربنا كريم ورزقه واسع.. أحيانًا ربنا يبعت رزق الشهر في يوم.. وأحيانًا يبعت رزق اليوم في 5 دقايق.. في الرزق كل شيء ممكن؛ والحاجة المستحيلة الوحيدة إنه مايجيش.. رزقك بيدور عليك يمكن أكتر ما أنت بتدور عليه.. رزقك على باب الله؛ فوق أي أرض وتحت أي سماء.

تابع مواقعنا