الأربعاء 24 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الخليج يغير خريطة التوازن الدولي

الأربعاء 23/مارس/2022 - 06:11 م

لأول مرة تاريخيا، يمتلك الخليج العربي، وتحديدا السعودية والإمارات، الأدوات والقوى لتغيير خريطة التوازن الدولي، لقلب الطاولة على العالم أحادي القطب، الذي تربعت عليه الولايات المتحدة الأمريكية، منذ عام 1991 حتى الآن، بعدما انهار عدوها اللدود الاتحاد السوفيتي، ومع تولي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا لأول مرة عام 2000، حاول إعادة أمجاد الاتحاد، في توقيت ترسخت قاعدة صناعية وتجارية كبرى في الصين، لتصبح الدولتان حجر عثرة أمام السيطرة الأمريكية على العالم.

وغزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، سبقه شهورًا من الحشد، لتدرك الدول ما سيحدث، ولم تكن مستعدة للحرب التي ستطال الاقتصاد العالمي، تلك الحرب التي وضعت سيناريوهاتها أمريكا لجر روسيا التي استفاقت من كبوتها وبدأت الصعود اقتصاديا وعسكريا لتزعزع النفوذ الأمريكي في مناطق عديدة، الشرق الأوسط على رأسها وإفريقيا، تزامنا مع صعود التنين الصيني الذي أصبح عنكبوتا اقتصاديا خيوطه تلتف حول العالم؛ لذا كان على أمريكا تقويض القوتين بشتى الطرق لاستمرار حكمها العالم.

ويعيش الخليج العربي لأول مرة لحظات تاريخية فارقة، فدوره هو الفيصل في المعادلة، إما استمرار قوة أمريكا كقوى وحيدة عظمى، أو تغير توازن القوى الدولية لصالح روسيا والصين؛ ولثاني مرة تاريخيا مفاتيح قوة روسيا تكمن لدى السعودية لأن قرارا واحدا منها أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، وقرار حاليا يمكن أن يؤدي لانهيار روسيا.

وضعت أمريكا خطة "التدمير الذاتي" للاتحاد السوفيتي لتدميره اقتصاديا لصعوبة دخولها مواجهة عسكرية مع قوى نووية، كما أن الحرب الباردة لم تحسم الخلاف بينهما؛ كانت الأداة الرئيسية لتنفذها هي السعودية، وبمجرد دخول الاتحاد لأفغانستان سنة 1979 كانت فرصة ذهبية لتنفيذ خطتها في توقيت كانت تحارب فيه الشيوعية في كل بقاع الأرض، بعدما أعلن هاري ترومان الرئيس الأمريكي عن سياسته الخاصة بمحاربة الشيوعية، في 22 مايو عام 1945، والذى عرف فيما بعد بـ" مبدأ ترومان" لمحاربة النفوذ السوفيتي عالميا، وغدا سياسة أمريكا حتى الآن، ونفذت مخابراتها ما يسمى "الصحوة الإسلامية" لمحاربة الشيوعية، وبدى جليا ذلك في مصر والسعودية اللتان أرسلتا مقاتلين لأفغانستان لمحاربة الروس وبالطبع العديد من الدول الإسلامية لتكن أفغانستان مسرحا لحرب بالوكالة وحرب استنزاف لقوة الاتحاد السوفيتي.

أمريكا استخدمت السعودية لضرب أهم أسلحة الاتحاد السوفيتي "النفط" ولولا ذلك لما انهار الاتحاد، عندما أصدرت قرارها التاريخي الخاص بزيادة إنتاجها من النفط سنة 1985 وتخفيض سعره، لينخفض بشكل مرعب ويصبح بـ 14 دولار، وبحسب ما ذكرة اقتصاديون روس فإن هذا القرار أدى لخسارة الاتحاد 20 مليار سنويا، ليضرب الاقتصاد السوفيتي في مقتل، لينهار بشكل تدريجي ليحل ام 1991 لم يكن قادرا على تنفيذ خططه الإصلاحية أو مواصلة حرب أفغانستان فقرر حل الاتحاد مع اتفاق مع أمريكا والناتو بعدم تمددهم شرقا بعد ألمانيا.

وتعود الكرة بعد 37 عاما لملعب السعودية، بعدما وضعت أمريكا خطتها الجديدة لتقويض قوة روسيا للمرة الثانية، بجرها لحرب أوكرانيا بعد التلميحات لانضمامها للناتو، لتثير مخاوف روسيا من تمدد الحلف على حدوده، فهذا السيناريو لو حدث تستطيع صواريخ الناتو ضرب موسكو في 5 دقائق فقط حسب ما أكده سفير روسيا في مصر، جيورجي بوريسينكو، لتصبح روسيا بين مطرقة الأمن وسندان الاقتصاد، للحفاظ على أمنها لا بد من منع أوكرانيا من الدخول للناتو، وللحفاظ على اقتصادها لأبد من الامتناع عن الحرب التي ستتبعها عقوبات اقتصادية لم يشهدها التاريخ، وفضلت موسكو الأمن عن الاقتصاد.

ولثاني مرة تاريخيا القرار السعودي هو الفيصل في بقاء مقاومة روسيا ضد العقوبات الغربية وضد هيمنة أمريكا والناتو على مقدرات العالم، لو قررت فقط زيادة الإنتاج في أوبيك سوف يهبط سعر البترول وأمريكا ستتمكن من ضرب روسيا بعقوبات على النفط بعد تعويض البديل من بعض الدول على رأسهم السعودية، التي فهمت واستوعبت جيدا أن "اتفاق كوينسي" الذي عقدته مع أمريكا في 14 فبراير 1945 المعروف باسم "النفط مقابل الأمن" أصبح حبرًا على ورق فقط، ومن أهم بنوده توفير الولايات المتحدة الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقها الولايات المتحدة"، فقد أدركت الرياض انتهاء الاتفاق على أرض الواقع بعد ضرب الحوثيين المدعومين من إيران شركة أرامكو، لتكتفي أمريكا بالتنديد، وإبان قرارها بسحب صواريخ باتريوت وأسلحة وجنود من السعودية، إضافة للإهانات المتكررة بدءًا في إدارة ترامب ثم بايدين، الذي أهان السعودية قبل وصوله للرئاسة في قضية جمال خافشقي وحرب اليمن وقال: "لا نعتزم في الواقع بيع الأسلحة لهم، وننوي إجبارهم على دفع الثمن ونبذهم وسنلغي جميع الإعانات الأمريكية الممنوحة للسعوديين، ومبيعات أي مواد لهم وحكومة السعودية، تحظى بقيمة اجتماعية إيجابية قليلة جدا، وتقتل الأطفال والأبرياء ما يحتم ملاحقتها"؛ لذا رأت الرياض تحويل دفتها للصين وروسيا.

القرار السعودي، ظهر جليا من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية مع بكين، وأخطرها ما كشفت عنه المخابرات الأمريكية من تدشين مصنع صواريخ باليستية في الرياض وصفقات عسكرية كبرى لتصنيع أسلحة دقيقة داخل السعودية بمساعدة الصين، كما ظهر في رفضها مطالب أمريكا بزيادة إنتاج النفط لخفض سعره وهو ما يحقق لها هدفين، الأول مساعدة روسيا الذي يقوم اقتصادها على تصدير البترول، والثاني مع ارتفاع أسعار النفط الذى تجاوز الـ100 دولار، تحقق الرياض مكاسب مالية كبيرة تعوضها عن خسائرها في حرب اليمن وتضخ أموالا طائلة في خزانتها لتنفيذ مشروعاتها الطموحة وعلى رأسها مدينة نيوم، لذا قبلت مطالب أمريكا بالرفض بل بالرد القاسي حيث دعت رئيس الصين لزيارتها، وتبحث حاليا تصدير بترولها لبكين باليوان وليس الدولار.


الخلل في العلاقة بين أمريكا ودول الخليج أيضا ظهر جليا في الإمارات، بعدما استقبلت بشار الأسد وهي الزيارة الأولى له منذ اندلاع ثورات واحتجاجات بالمنطقة العربية عام 2011، فقد أدى ذلك لاستنكار أمريكي، وقبلها بشهر استقبلت رجب طيب أردوغان، بعدما دارت حرب بالوكالة بين البلدين في ليبيا استمرت لسنوات، لذا فما يحدث هو إعادة رسم سيناريوهات المنطقة العربية بمعزل عن رغبات أمريكا، تمهيدًا لرسم تفاهمات جديدة بالشرق الأوسط ستشمل ليبيا واليمين وتركيا وسوريا وإيران.

الخلاصة، أمريكا في إدارة بايدين خزلت مصر ودول الخليج مرارًا وتكرارًا خلال آخر سنتين، خاصة بعد تعرض الإمارات والسعودية لصواريخ الحوثيين، فأمريكا لم تحرك ساكنا بعد استهداف الإمارات بصواريخ الحوثيين، ليصدر بيان رسمي كارثي يؤكد اختباء القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة بالإمارات بدلا من المساعدة أو الرد على الهجوم، لذا تحول الرفض العربي لسياسة أمريكا من الامتعاض لفعل على أرض الواقع وتحويل الدفة من أمريكا للصين، الأمر الذي يؤكد أن قراءة السعودية والإمارات تحديدا للمشهد بأن الصين سوف تنتصر في حربها مع أمريكا.

والخطأ الاستراتيجي الذى وقعت به أمريكا في خطتها لتقويض روسيا هو قيامها بتنفيذ خطتها المسبقة لتدمير اقتصاد موسكو وجرها في حرب أوكرانيا دون الاستعداد وقراءة المشهد السياسي جيدا، وظهر ذلك جليا، حينما بدأت الحرب فتجنبت واشنطن فرض عقوبات على النفط الروسي، وحينما أدركت أن تركيع روسيا اقتصاديا لن يتم إلا بعقوبات على النفط، فحاولت في الوقت بدل الضائع التنسيق مع السعودية، وإيران عبر الاتفاق النووي وتقديم تنازلات، بل فنزويلا عدوتها التي سعت مرارا لإسقاط نظامها، في مسعى فاشل لخفض سعر البترول وتعويض البدائل قبيل فرض عقوبات على النفط الروسي، بل قدمت تنازلات لمصر لتؤثر على القرار السعودي بدعمها، عبر السماح بصفقة عسكرية كانت محرمها عليها وهي إمدادها بطائرات السيطرة الجوية F15 EX.

خلاصة القول، أمريكا جهزت سيناريو تركيع روسيا اقتصاديا فبدأت من غير الاستعدادات السابقة، فمصر والسعودية تحديدا الظاهر حياد والباطن مع روسيا، وبايدين هاجم السعودية وهمشها ولما بدأ تنفيذ السيناريو المعد مسبقا اكتشف الخلل في التطبيق، والوضع الإقليمي والدولي غير مجهز لتنفيذ العقوبات، خاصة وأن روسيا منذ 2014 بعد ما استولت على جزيرة القرم درست تماما العقوبات الممكن فرضها عليها مستقبلا ووضعت سيناريوهات لاحتوائها منها زيادة الاحتياطي من الذهب، لذا لو خرجت روسيا منتصرة من الحرب بدعم سعودي فإن "التوازن الدولي" سيتغير ليتم إجبار أمريكا على الاعتراف بروسيا والصين كقوي دولية عظمى ليصبح عالم ثلاثي الأقطاب بدلا من أحادي القطب، وهنا الدور الخليجي هو الفارق في استمرار قوة روسيا في مقاومة العقوبات التاريخية، واستمرار صعود التنين الصيني لتقويض أمريكا.

تابع مواقعنا