الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

إبراهيم عبد المجيد: تحويل الفن لمواعظ يفسده.. وقيم الأسرة المصرية لا علاقة لها بالأدب.. ووزارة الثقافة تحكمها البيروقراطية | حوار

إبراهيم عبد المجيد
تقارير وتحقيقات
إبراهيم عبد المجيد
السبت 11/يونيو/2022 - 10:04 م

جائزة النيل نفحة تساعد قليلا على هذه الحياة

الرواية هي التي تكتبني

كنت عضوًا في حزب شيوعي سري.. والسياسة تؤثر على الكتابة

من يحولون الكتاب إلى المحاكم يحاكمونهم على الأشرار ولا يعطونهم مكافأة على الأخيار  

العادات والتقاليد وقيم الأسرة المصرية لا علاقة لها بالأدب

لا شروط لحرية الإبداع فالعاهرة تتصرف وتتحدث بطريقة غير الإنسانة السوّية

حروبي من أجل أكل العيش وإبعاد من يعيقون تقدمي الأدبي

وزارة الثقافة تحكمها البيروقراطية ولو أعطوا قصور الثقافة لفنانين بحق الانتفاع 50 عاما سيتم تحويلها لمراكز ثقافية بالكامل

تحويل الفن لخطب ومواعظ يفسده

بين العمل في حزبٍ شيوعي سري في ستينيات القرن الـ 20، والفوز بجائزة النيل للآداب في العقد الثالث من القرن الـ 21، تنقل المواطن السكندري إبراهيم عبد المجيد بين الأفكار والخيال، ممسكًا بسلاحه المدبب الذي ينقط حبرًا؛ ليكتب عن الحب والحرب والغربة والشجن، ويدخل اشتباكات فكرية عديدة، جعلته روائيا اسمه لامع لا يختفي أبدًا من قائمة أفضل أدباء مصر.

عبد المجيد الذي ولد في الإسكندرية في أربعينيات القرن الماضي، فولدت الإسكندرية بداخله ميلادًا إبداعيًا، تكرر عشرات المرات في أعمال وحقب مختلفة، لم يسجن إبداعه ولا مرة رغم محاوطة "حراس الفضيلة" بالمبدعين والكتاب، وعلى الرغم من ذلك لم يخض حروبًا إلا نادرًا ولأجل "أكل العيش"، أو إبعاد من يحاولون إعاقته عن مسيرته، على حد وصفه.

يرى عبد المجيد أن تحويل الفن والأدب لخطب ومواعظ يفسدهما، وأن العادات والتقاليد وقيم الأسرة المصرية لا علاقة لها بالأدب، بل يرى أن وجود وزارة للثقافة عائق، ويقترح منح قصور الثقافة لفنانين بحق الانتفاع 50 عامًا، والذي يحولها لمراكز ثقافية بالكامل، وكثير من الأسرار والاشتباكات الأدبية، فتح عبدالمجيد لـ القاهرة 24 قلبه ورواها في سياق الحوار التالي...

- كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة النيل للآداب وما تلاها من احتفال قرائك ومحبيك؟

* مؤكد أن قيمتها المالية تساعد قليلا على هذه الحياة لكن الحياة في مصر لا تكفيها أي جوائز. فماليا هي نفحة عابرة لكن الأهم منها هو فرحة الناس من حولي بها، فرحة القراء الذين لا أعرفهم وهم حشود السعادة الحقيقية، فرحة أصدقائي من الكتاب من كل الأجيال، مما يعني أنني عشت حياة طيبة مع الناس، ذكرياتي مع الكتابة وكيف أخلصت لها.


- اعتدت في رواياتك على أن يكون المكان بطلًا يصنع أساطير.. لماذا سلكت ذلك الطريق وهل لحياتك ونشأتك دور مؤثر في قلمك؟

* في الرواية الكلاسيكية يوصف المكان بعيدًا عن مشاعر الشخصية، وفي الرواية الرومانتيكية ترى الشخصية المكان حسب مشاعرها، وفي الرواية الطبيعية المكان له الوجود الأول لا الشخصية، وبالنسبة لي المكان هو صانع الشخصية، فالمكان الضيق أو الواسع يساهم في الأفكار والمشاعر ويصنعها، لقد عشت حتى سن السابعة والعشرين في الإسكندرية حين كانت متسعة وسافرت مع أبي الذي كان يعمل بالسكة الحديد كثيرًا إلى الصحراء ورأيت كيف تتغير طبائع الناس مع المكان فأدركت أثر المكان في البشر.

- كتبت أكثر من 7 روايات عن الإسكندرية و6 عن القاهرة.. أيهما كان له السطوة على قلب وعقل ووجدان إبراهيم عبد المجيد؟

* كل رواية مهما كان ما بذلته فيها من جهد أو سفر إلى أماكن الأحداث أو قراءة عن تاريخ الموضوع كانت لها سطوة على قلبي وعقلي ووجداني أثناء الكتابة، الرواية هي التي تكتبني لذلك إحساسي بها لا يختلف من رواية إلى أخرى، والفرحة مع نهاية الرواية تساوي بين الجميع.

- لماذا تحتل رواية المسافات مكانة خاصة في قلبك.. ما السر وراءها؟

* كانت أيام لا تُنسى، فقبلها كنت مثل كثير من الشباب ذلك الوقت في سنوات الجامعة، آخر الستينيات وأول السبعينيات عضوًا في حزب شيوعي سري هو الحزب الشيوعي المصري، انتقل الأمر معي إلى القاهرة، كانت السياسة لها تأثير على الكتابة الأدبية كثيرًا ما تتسلل إليها بشكل واضح، الفن مهما كان عن الظلم أو غيره مواقف وليس آراء، لم تعجبني قصص قصيرة كنت أكتبها تتسلل إليها السياسة فتركت الحركة الشيوعية واللقاءات الفكرية السرية وغير ذلك، وبدأت أكتب في رواية المسافات التي انفتحت للأساطير فكنت أضحك وأقول وجدتها وجدتها.

- لماذا تدخل عش الدبابير في رواياتك وتتحدث عن المتحولين جنسيًا والحب بين مختلفي الدين.. ألا تخشى العادات والتقاليد.. وما رأيك في جملة قيم الأسرة المصرية التي نسمعها مؤخرًا في قضايا كثيرة؟

* الأدب يُعني بما هو خارج عن المألوف، ليس هو عش دبابير لكنه عش الغرائب التي تكون مادة فنية مثيرة، أما العادات والتقاليد وقيم الأسرة المصرية فلا علاقة لها بالأدب والإبداع. هي لها علاقة بسلوك الناس في الحياة مثلا، لكن هل أبطال الروايات أشخاص حقيقية؟ وهل حين يكون هناك مجرم في رواية أو عاهرة أجعله يخرج من الرواية بسرعة حتى لا يتضايق أحد؟ عن ماذا نكتب؟؛ عن الأسوياء مثلا؟ الشخص السوي لا يصنع دراما إلا إذا حوصر بغير الأسوياء. لو أن قصة حب مثلا بين شاب سوي وفتاة سوية فكيف ستكون الرواية؟ ستنتهي من أول فصل بالزواج. من أين إذن تأتي الدراما إلا من المشاكل في طريق الحب؟ من أحدهما أو كليهما أو من حولهما.

- هل حرية الإبداع لها شروط وقواعد والتزامات أم تؤمن أنه لا سجان أو رقيب على الإبداع والخيال؟

* لا شروط لحرية الإبداع غير الصدق الفني، فالعاهرة تتصرف وتتحدث بطريقة غير الإنسانة السوّية، واللص غير الأمين، والمجرم غير القاضي، والملحد غير المؤمن وكل منهما يتحدث ويتصرف وفقًا لتكوين شخصيته ويتحدث بلغة تتناسب مع شخصيته في الرواية، والملحد لن يقول ربنا موجود لكن المؤمن من يقول ذلك، وهكذا فالذين يحاسبون المبدعين على كلامهم لا يدركون أنهم يقومون فقط برسم الشخصية، وأنه في نفس الرواية يوجد غير السيئ،  أشرار السينما مثل محمود المليجي واستيفان روستي أحببناهما جدًا لأن المؤلف والمخرج صوراهما أجمل تصوير في الشر لكننا لم نفعل مثلهما. هذا ما لا يدركه من يلومون الكتاب أو يحولونهم إلى المحاكم، إنهم يحاكمونهم على الأشرار ولا يعطونهم مكافأة على الأخيار  في نفس الرواية.

- هل ندمت يومًا على حرب خضتها في كتاباتك.. وما الشيء الذي لم تستطع التحدث عنه؟

* لم أدخل حروبًا إلا في مقال أو اثنين أردت أن أبعد عني بعض الذين يعيقون تقدمي الأدبي؛ لأنهم في غيرة من رواياتي، مقالان تقريبًا ولم أعد إلى ذلك، الذي لا أستطيع التحدث عنه هو سلوك البعض ضدي في الحياة، كانت الحرب في أكل العيش وهذه أسوأ الحروب، لكنني لا أحب أن أذكر اسم أحد وحين كتبت كتابي "الأيام الحلوة فقط" تسللت إليه بعض الأيام السيئة، لكني لم أسئ إلى أحد ونادرًا ما ذكرت اسمًا منهم.

- قلت إن الرواية ينقصها مناخ ثقافي أكبر.. هل ترى المناخ الحالي يظلم الروايات وما العقبات في المناخ الثقافي من وجهة نظرك؟

*   للأسف السينما والتليفزيون بعيدان عن الرواية، كما أن مشروع مكتبة الأسرة صارت طبعاته قليلة العدد، ومن ثم عائدها قليل، وليست كل الروايات المهمة تعرف الطريق إلى مكتبة الأسرة التي صار إنتاجها قليلا لقلة ما هو مخصص لها من ميزانية، كذلك المكتبات العامة لوزارة الثقافة أو وزارة الشباب أو غيرها تقريبًا لا تشتري نسخًا من الكتاب إلا قليلا، وهناك رقابة على الكتب رغم أنه لا رقابة للدولة على ما يطبع داخل مصر، ومن ثم هذه الرقابة الغريبة قد ترفض شراء نسخ من رواية لأن بها مشهدا جنسيا، أو لأن بها شخصا يدخن السجائر، لا تضحك هذا يحدث. هذه كلها موارد دخل يمكن أن تعين الكاتب لكنها منقطعة عنه للأسف، حتى الأحاديث الإذاعية والتليفزيونية للكتّاب لم يعد لها عائد وخاصة بعد كورونا التي يبدو أنها لن تنتهي، باختصار مصادر دخل كبيرة يمكن أن تساعد الكتّاب لكنها متوقفة عن ذلك.

- هل ما زلت تطالب بإلغاء وزارة الثقافة.. ومن يدير المشهد وينظمه في حال إلغائها؟

* الوزارة مهما نشطت يحكمها روتين وقواعد بيروقراطية، إنها مثلا لا تسعى للمكسب وهذا رائع لكن ميزانيتها ضعيفة، فقليل من العمل الحُر قد يساعد، ولو أعطوا قصور الثقافة لفنانين بحق الانتفاع 50 عامًا ليبقى الموظفون ولن يتم تسريحهم، وسيتم تحويلها لمراكز ثقافية بالكامل مثل ساقية الصاوى، أو يتم إطلاق يد الوزارة في الاستعانة بالمجتمع الأهلي والتبرعات والإعلانات ليزداد الدخل الذي يزيد من النشاط، وفي كل الأحوال لابد من بقاء عناصر منها تابعة للمجلس الأعلى للثقافة، مثلا في حالة إلغاء الوزارة مثل دار الكتب وجوائز الدولة بينما تكون الأوبرا تابعة لأكاديمية الفنون، وهكذا.


- هل أنت ممن يؤمنون أن الفن والأدب رسالة.. وإن كنت لا تؤمن فماذا تكون؟

* كلمة رسالة في ذاتها ليست مشكلة، لكن دائمًا القصد منها أن يتحول الفن إلى مقالات، الفن غامض وليس في الرواية الجيدة معنى واحد، بل لها أكثر من معنى اجتماعي وفلسفي. والمقصود بكلمة رسالة أن يتحول الفن إلى خطب ومواعظ وهذا يفسد الفن، الفن مشاهد ومواقف ممتعة تتساوى في الجنس مثلا كما تتساوى في رحلة عبر البحر، المهم كيف ترسم المواقف بصدق، أما الموعظة فلا تقال بوضوح أبدا، ويترك الأمر للقارئ.

- أيهما تحب أكثر وصف الحكاء أم الروائي.. وكيف ولد الحكي في حياة إبراهيم عبد المجيد؟

* أحب كلمة الروائي لكن ليس هناك مشكلة مع الحكّاء فهي عُرف وتراث في الكلام، الرواية بناء فني أكثر مما هي موضوع يُحكى، أما كيف ولد الحكي في حياتي فأنا ابن الحكايات الشعبية التي كنت أسمعها من عازف الربابة في الشارع وفي الموالد، ومن قصص الأنبياء في القرآن الكريم التي كان أبي يحكيها لنا ونحن أطفال، وألف ليلة وليلة من الإذاعة المصرية في الخمسينيات، ثم قراءتي فيما بعد لكتّاب كبار في الفلكلور. كذلك كانت دراستي للأنثروبولوجيا في الجامعة وقراءتي العديدة فيها لها أثر كبير.  

- ماذا عن المرأة في كتاباتك.. وهل ينصفها الأدب العربي.. وكم سيدة أثرت في حياتك؟

* المرأة في الأدب العربي مثلها مثل الرجل، شخصيات فنية بينها الطيب والشرير، انتهى زمن التفرقة بين الرجل والمرأة في الكتابة، الإبداع نفسه فعل نسائي فالكاتب أو الكاتبة يحمل روايته حتى يأتي يوم ولادتها، والآن الكاتبات كثيرات جدا لا يقلون كثيرا عن الرجال من الكتاب ويقدمن أعمالا عظيمة.

- لكل أديب وروائي ألمه الخاص.. ما هي آلامك وماذا يبكيك وما الذي يؤثر فيك لدرجة الغضب؟

* ألم الكتابة جميل أقرب إلى الشجن. ليس هو الألم الذي نعرفه. هو ألم التوحد مع الشخصيات التي يمكن أن تجد نفسك تبكي حين تموت الشخصية أو تفشل في مسعاها بين يديك، الغضب لا أعرفه في الكتابة فكل الشخصيات أحبها وتحبني شريرة أو خيرة، الغضب يمكن أن يكون من الحياة الثقافية لكنني أنساه وأستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية تحملني إلى الفضاء وأنا أكتب ذاهلا عن العالم حولي.

- للمسيحيين مكانة خاصة في رواياتك في ظل غياب كبير لهم بالأدب المصري.. لماذا وما المشاهد التي أثرت فيك؟

* ليس لأنهم مسيحيون لكن لأنهم مواطنون مصريون، الأدب لا يفرق بين الديانات، وأنا عشت طفولتي وصباي وشبابي في وطن لم يكن يفرق بين الناس بالأديان، كنا جيرانًا نحتفل معا بكل المناسبات الدينية هنا أو هناك، يحتفلون معنا بأعيادنا ونحتفل معهم بأعيادهم، يأتون معنا إلى مولد المرسي أبو العباس في الإسكندرية مثلا ونذهب نحتفل معهم بأعيادهم في الكنائس، لذلك يظهرون في رواياتي إذا كانت هناك حاجة فنية لا سياسية لهم، تماما كغيرهم.

- كيف ترى التوثيق الأدبي والفني لثورتي يناير و30 يونيو؟

* التوثيق الفني كثير ورائع يحتاج صفحات سواء من أفلام قصيرة أو وثائقية، الأدب ظهر في روايات كثيرة مثل "باب الخروج" و"كل هذا الهراء" لعز الدين شكري فشير و"جمهورية كأن" لعلاء الأسواني، و"أجندة سيد الأهل" لأحمد صبري أبو الفتوح، و"سقوط الصمت" لعمار علي حسن، و"قريبا من البهجة" لأحمد سمير،  و"عطارد" لمحمد ربيع، وكثير غيرها لا تسعفني به الذاكرة. عن نفسي كتبت " قطط العام الفائت" رواية مُكرَّسة كلها لثورة معادلة لثورة يناير قامت في بلد خيالي، ثم تسللت الثورة أو 30 يونيو إلى روايات أخرى مثل "السايكلوب" و"العابرة" وأخيرا رواية "الهروب من الذاكرة" فأبطالها خرجوا من سجن دخلوه بعد 30 يونيو فكيف تكون الحياة أو كانت قبلها وبعدها.

تابع مواقعنا