السبت 27 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مَن يعبر الحواجز يصبح كبيرًا..!

الثلاثاء 19/يوليو/2022 - 01:30 م

لماذا غاب عن بلادنا ومجتمعنا وواقعنا نموذج المفكر الكبير الذي عرفته حياتنا الفكرية والثقافية في الماضي؟

ولماذا لم يعد للباحثين الأكاديميين خاصة، والمثقفين والكُتاب عامة، أي دور مؤثر في حياتنا الاجتماعية والسياسية؟

وكيف للباحث والمثقف والكاتب أن يصبح مفكرًا كبيرًا؟

تلك الأسئلة المهمة تفرض نفسها اليوم بقوة على كل مهتم بالشأن العام، وكل مشتغل بإنتاج وتسويق الفكر والثقافة في بلادنا.

وفي محاولة للبحث عن إجابات لها اكتشفت أن الراحل الدكتور غالي شكري قد نشر في تسعينيات القرن الماضي مقالًا رائعًا بجريدة الشرق الأوسط بعنوان "من يعبر الحواجز يصبح كبيرًا"،  أعاد نشره بعد ذلك في كتابه "الخروج عن النص".

وقد ذكر في هذا المقال أن النص الفكري وحده لا يكفي لوضع المفكر في صدارة المشهد الفكري والثقافي، وأن هذا النص لا يكتسب معناه بالكامل إلا حين يجري الحوار من حوله بالاتفاق والقبول أو الاختلاف والهجوم، خاصة لو كان الهجوم هو الأقوى بحيث يصل بالمفكر المُتهم إلى حالة العقاب المادي أو المعنوي.

ويرى الدكتور غالي شكري أن هذا العقاب يعني أن الكاتب قد خرج بشجاعة على السائد والشائع والمألوف إلى درجة تُهدد بالخطر بعض القيم والتقاليد والأعراف والمصالح.

وهذا يعني أن المفكر لا يصبح كبيرًا عند غالي شكري بالاهتمام الحقيقي أو الزائف الذي يُحيط بنصه الفكري - بدءًا بالدعاية الإعلامية، وانتهاءً بالجوائز، ومرورًا بحفلات التكريم  - ولكن باشتباك النص مع الواقع ومشكلاته ومستجداته.

وهو الاشتباك الذي يحول النص من كلمات مطبوعة على الورق إلى حياة زاخرة بالصراع والتناقضات التي تفرض ذاتها على الواقع.

ولتأكيد فكرته عن حقيقة النص الفكري المؤهل للاشتباك مع الواقع، وهو الاشتباك القادر على صنع المفكر الكبير، قال الدكتور غالي شكري إن هناك أعمالًا كبيرة كما يصفها المثقفون، لكن حضورها ظل محدودًا في دوائرهم المغلقة فقط، لأنها لم تشتبك مع الواقع، بشكل يُحولها من نص شخصي إلى نصوص للحياة ذاتها.

ثم ضرب الدكتور غالي شكري عدة أمثلة لنصوص فكرية نالت زخم الحضور، وحركت الراكد في نهر الحياة الثقافية والفكرية، مثل كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1925.

وكتاب "في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، الذي صدر عام 1926.

وكتاب "الديوان" الذي أصدره الأستاذ عباس محمود العقاد وصاحبه إبراهيم المازني عام 1921.

وكذلك بعض مؤلفات الأستاذ خالد محمد خالد في العهد الملكي وبعد ثورة يوليو مثل "من هنا نبدأ" و"مواطنون لا رعايا" و"الديمقراطية أبدا" و"لكي لا تحرثوا في البحر" وكتاب "في البدءِ كانت الكلمة".

ليُنهي بعد ذلك مقاله القيم، بتحديد السمات والشروط الذاتية والموضوعية، التي جعلت هؤلاء مفكرين كبارًا، وجعلت لأعمالهم هذا الدور والحضور، مقسمًا إياها إلى شروط ذاتية تعود للمبدع والمفكر ذاته ونصه، وشروط موضوعية تتعلق بعصر المفكر وسياقه ومجتمعه، وهي الشروط التي سأعرض لها في المقال القادم بإذن الله.

تابع مواقعنا