الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ليست جنة ولا تسكنها الملائكة

الجمعة 14/أكتوبر/2022 - 05:58 م

• عرفت معلومة غريبة وهي إن في قوانين المرور في دولة "فنلندا" عندهم قانون مش منطقي بالمرة بدأ تطبيقه في نهاية التسعينات.. كانوا بيحسبوا مخالفات المرور حسب دخل الشخص الشهري.. يعني إيه؟.. يعني نجار بسيط يكسر إشارة مرور وعلى افتراض إن غرامة ده مثلًا بعملة الدولار يخلوه يدفع 10 دولار.. تمام، فين وجه الغرابة؟.. إن لو نفس المخالفة عملها مدير في شركة مثلًا لأ يدفع 100 دولار!.. يعني 10 أضعاف.. نفس المخالفة هي هي بس لو عملها واحد دخله الشهري بسيط هنحسبها بسيطة، ولو واحد غني ودخله الشهري كبير هنحسبها كبيرة وتقطم ضهره!.. طب فين العدل في القصة دي!.. من وجهة نظرهم إن ده عدل آه بس بشكل مختلف.. هما عايزين يقولوا إن أنت كـ حد مرتاح ماديًا المفروض تكون مركز في غلطاتك أكتر لإنك قدوة وحريص على عدم مخالفة القانون.. يا سلام!.. يعني أنا مطلوب مني أفنجل عيني وغيري عشان مستواهم أقل شوية يمشوا يخبطوا في اللي حواليهم.. أيوا هو كده.. منطق غريب وسياسة واجهت انتقادات كتير من المجتمع الفنلندي وقتها.. لدرجة إن في سنة 2002 الرئيس التنفيذي لشركة "نوكيا" ساق بسرعة شوية عشان كان عايز يحضر اجتماع مهم متأخر عليه لكن الرادار اللي على الطريق لقطه وسجل له مخالفة ولما راح يدفعها لقاها 103.000 دولار (يعني بنتكلم بالمصري أكتر من 2 مليون جنيه).. ثروة ضخمة وعشان إيه؟.. ساق بسرعة.. وياريت مثلًا لا قدر الله سواقته دي اتسببت في حادثة أو كده.. لأ.. الأمور مشيت عادية جدًا بس وبما إنك رئيس واحدة من أكبر الشركات في العالم وقتها إدفع وأنت ساكت!.. والراجل اضطر يدفع!.. الموضوع عمل حساسية كبيرة عند الشعب الفنلندي، وصحفيين كبار اتكلموا فيه ومش عندهم بس لكن في كل أوروبا والقصة أخدت بُعد ساخر فيه تريقة على رد الفعل القاسي اللي لا يتناسب مع الفعل الأساسي.. سيبك من فكرة الفروق في تطبيق الغرامة بين الغني والفقير لكن التفصيلة التانية هي الأهم.. يعني أكسر إشارة فتلبسني في رُزمة فلوس!.. طب ما أنت كده مش هتحرمني أغلط دا أنت هتحرمني أسوق أساسًا.. مواجهة الأمر ده أخدت وقت كبير وقريت معلومة تانية إن القانون ده اتلغى من فترة قريبة. 

 

• في سنة 1937 كان العالم على موعد مع ميلاد الكاتب الأمريكي "جون كينيدي تول".. الطفل "جون" من مرحلة طفولته كان واضح إنه هيكون شخص مميز من كل النواحي!.. وسيم.. لبق في الكلام.. عاقل جدًا.. مش بيكذب.. صديق وفي.. إنسان حساس.. يعني من الآخر مواصفات مثالية بتخليه خيار مثالي لأى واحدة بتدور على عريس أو أى واحد بيدور على صديق.. فوق كل اللي فات ده كله كان "جون" كمان موهوب في الكتابة.. هو من الناس القليلة اللي كان يقدر يعبر عن كلكيعة مشاعر بكام جملة في قمة البساطة!.. آه صحيح الورق اللي كان بيكتب فيه ماكنش بيخرج للنور ولا حد بيشوفه بس ده اللي اتعرف بعد كده!.. يعني إيه اتعرف بعد كده؟.. هنعرف بعد لحظات.. "جون" درس الأدب الإنجليزي في جامعة تولان في نيو أورليانز ثم بعد كده في جامعة كولومبيا في نيويورك.. انطباع كل الأساتذة والطلبة زمايله عنه إنه طالب مجتهد ومبدع وعاشق للأدب الإنجليزي من اللحظة الأولى.. وصل من درجة تفوقه وكاريزمته العالية إن كل الأساتذة بتوعه كانوا بيطلبوا منه إنه يشرح لزمايله بدالهم!.. والحقيقة إنه كان بيعمل ده بتميز أحسن بكتير من شرح الأساتذة ومحبة الطلبة له كانت بتزيد يوم عن يوم.. دم خفيف.. هزار.. شرح بطريقة ممتعة مش مملة.. تفاصيل صغيرة كانت بتخلي طلبة من كليات تانية أصلًا ييجوا عشان يستمتعوا بيها معاه!.. "جون" خلص الجامعة ودخل الجيش وقضي فيه سنتين كاملين.. في الفترة دي كانت الأجازات للي بيقضي الخدمة العسكرية في أمريكا قليلة جدًا ويكاد يكون المجندين مش بينزلوا أجازات إلا كل فين وفين.. استغل "جون" فترة وجوده الإجبارية في الجيش وقرر يكتب رواية.. أول رواية له.. فضل يغزل في تفاصيلها جزء جزء خلال 20 شهر كاملين بدون تسرع لحد ما كملت.. صحيح إن ثقته في نفسه كانت بدون حدود بس ساعات كتير بتحب تسمع كلمة إشادة من هنا ولا من هناك تأكدلك اللي أنت عارفه ده.. عشان كده بعد ما خلصها لف بيها على كل أصدقائه في الجيش وعلى القادة بتوعه.. كل اللي يقابله يخليه يقراها.. والكل كان بيشيد بيها وبأسلوبه السهل الممتنع.. خرج من الجيش.. لف بالرواية بتاعته على كل أصدقاء الجامعة وأساتذته عشان ياخد رأيهم فيها.. كل اللي بيقراها بيشيد بيها.. عظيم جدًا.. اتطمنت يا عم "جون" إنك عامل عظمة؟.. آه كده زى الفل.. طب كده باقي إيه؟.. النشر بقى!.. أشوف دار نشر كويسة وأكيد روايتي هتتقبل فورًا.. قبل ما ياخد خطوة النشر كان التحق بمكان يشتغل فيه وكان كالعادة موظف مثالي بشهادة الكل.. آه صحيح كان عنده شوية مشاكل زى أى مكان شغل بس برضه كان منور وسط المكان وبعيد قدر الإمكان عن أى صراعات.. استعان بصديق له كان على علم بكل دُور النشر المهمة في أمريكا وعمل له بيهم قائمة على أساس إن "جون" يلف عليهم دار دار ويعرض عليهم الرواية.. بس "جون" رفض!.. إيه دُور النشر دي كلها!.. لأ أنا عايز أهم دار فيهم بس هي دي اللي هروح لها.. يا عم "جون" خلّي معاك القائمة ولو ماحصلش نصيب مع الدار الفلانية دي روح لغيرها أنت هتخسر إيه يعني؟.. لأ.. أنا روايتي حلوة وعظيمة بشهادة كل معارفي ومفيش مبرر إن أهم دار ترفضها بالتالي مفيش داعي أحط في دماغي إني هروح دُور تانية!.. خلاص أنت حر.. راح "جون" لأهم دار أمريكية للنشر في التوقيت ده وكانت المفاجأة القاسية إنهم رفضوا الرواية.. رفضوها فورًا بدون حتى ما يدوا نفسهم فرصة يعرضوها على لجنة قراءة موسعة.. 6 ساعات وكانوا بعتوله الرد.. مرفوضة ولا نية لدينا في نشرها.. في الوضع اللي بالشكل ده بيبقى عندك حل من إتنين.. يا إما تحاول مع مكان تاني وتالت ورابع لحد ما تلاقي حد ياخدها منك.. يا إما تحاول مع الدار دي تاني بشكل مختلف مادام نفسك تنشر معاهم.. بس للأسف "جون" بسبب احباطه قرر يعمل حل تالت خالص.. ينتحر!.. في سنة 1969 أخد عربيته وساب البيت وانتحر في مكان قريب من المدينة اللي هو عايش فيها مع والدته ووالده وساب رسالة إنه عمل كده بسبب احباطه من رفض دار النشر لروايته اللي متأكد إنها عظيمة!.. يخرب عقلك!.. تقتل نفسك عشان حد واحد ومكان واحد ماحسش بقيمتك!.. دا أنت لسه صغير.. آه بالمناسبة "جون" لما انتحر كان 32 سنة بس!.. وقع صدمة انتحار "جون" على أسرته وتحديدًا والدته كان قاسية وكبيرة.. كبيرة لدرجة انها ماقدرتش تفوق منها غير بعد 10 سنين كاملين!.. في نهاية السنة رقم 10 على انتحار "جون" بدأت والدته تبص في ورق ابنها ولقت إنه كاتب غير الرواية العظيمة بتاعته روايات تانية لطيفة ده غير أقصوصات الورق اللي كان بيكتب عليها خواطره وبيشيلها في مكتبه.. حست الأم إن فيه واجب منها تجاه إبنها ولازم تعمله.. عملت إيه؟.. أخدت روايته الأساسية وطلعت بيها على دار أستاذ أدب وكاتب في جامعة لويولا في نيو أورليانز اسمه "والكر" كان معروف عنه إنه كاتب مختلف ومميز وله اسمه في الوسط الأدبي.. "والكر" ماكنش سمع عن "جون" قبل كده خالص.. بعد محاولات منه حاول فيها يتهرب من السيدة اللي مصممة تقابله في مكتبه لأمر ضروري ومهم استجاب وقابلها.. السيدة دي كانت والدة "جون" اللي عرضت عليه رواية ابنها عشان يقراها ويقيمها ولو عجبته يساعدها في نشرها!.. "والكر" اتردد على أساس يا ست هو أنا فاضي دا أنا عندي شغلي الخاص سواء في رواياتي أو في الكلية أو في مقالاتي في الصحف اللي بكتب فيها!.. فضلت تترجاه لحد ما وافق على مضض.. كان بيدعي ربنا من قلبه إن الرواية تطلع وحشة من أولها عشان تبقى حجة ويخلع.. بس المفاجأة إنه ماقدرش يسيبها من بين إيديه غير لما خلصها!.. إيه العظمة دي!.. أخد الرواية وطلع بيها على نفس دار النشر الكبيرة اللي رفضت "جون" قبل كده بدون ما يكون عارف إنه قدمها هناك.. الغريب إنهم وافقوا عليها فورًا واتنشرت في خلال أسابيع قليلة.. ماتعرفش إيه اللي حصل غير وجهة نظرهم!.. هل لإن "والكر" هو اللي اتوسط فاتكسفوا يرفضوا!.. هل لإن الإدارة نفسها بتاعت الدار اتغيرت وجت إدارة جديدة عندها مخ وعين مختلفين!.. محدش عارف بس الأهم إن الرواية خرجت للنور بعنوان "مؤامرة الحمقى" وبعد سنة واحدة بس من نشرها في سنة 1981 فازت "البوليتزر" الأدبية العريقة وباعت مليون ونص مليون نسخة وتم ترجمتها لأكتر من 20 لغة وبالتالي تم لفت النظر لباقي كتابات "جون" المجهولة وبسببها بقى اسم "جون كينيدي تول" واحد من أهم الأسماء الأدبية في أمريكا واللي أخدوا حقهم بس بعد ما ماتوا!.. جزء من مرارة قصة "جون" إنك بتتحسر على شاب قرر ينهي حياته من مجرد رفض واحد!.. أيوا يمكن أحلامك كلها كانت متعلقة على الخطوة دي بالذات بس مش لدرجة إنك تفقد الأمل بسرعة كده!.. رد فعلك كان أقسى من الفعل بتاعهم يا "جون" وللأسف محدش دفع الثمن غيرك، وللأسف برضه ماقدرتش تستمتع بطعم نجاحك في حياتك.

 

• مينفعش تحت أى ظروف إن رد الفعل يبقى أكبر وأقسى من الفعل نفسه.. خسارة شخص؟.. ماتستحقش الباب يتقفل العُمر كله للأبد!.. خسارة فرصة؟.. ماتستحقش الندب عليها والوقوف عند نفس اللحظة.. فشل خطوة؟.. ماتستحقش خسارة حياتك.. الغلطة الواحدة = عقاب واحد مش عقابين، والسكة اللي اتقفلت = سكة مش كل الطرق.. توقع من غيرك الأفعال المؤلمة لإن الحياة مش جنة بتسكنها ملايكة، ولا ردود أفعال معظم الناس منطقية.. مش الكل اتربوا نفس التربية، ولا عندهم نفس الأخلاق.. صحيح إن الطين واحد بس الأرواح بتختلف.. رد الفعل لازم يتفرمل لما يزيد في حدته عن قوة الفعل نفسه لإنه لو اتساب في المطلق هيظلم، وهيتقلب صاحب الحق لمحقوق.. الداعية "أحمد الشقيري" قال: (بين كل فعل وردة فعل، توجد مساحة تتحدد فيها شخصية الإنسان).

تابع مواقعنا