الثلاثاء 07 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

بيليه ماسح الأحذية الذي لم يخن تنبؤات الجميع بأسطوريته

بيليه أسطورة البرازيل
رياضة
بيليه أسطورة البرازيل بقميص المنتخب
الجمعة 30/ديسمبر/2022 - 06:54 م

لم أكن أتصور أبدا أن أصل إلى هذا الشأن، هكذا قالها الأسطورة البرازيلية بيليه عن نفسه في كتاب عن سيرته الذاتية، فلم يكن يتصور ابن إحدى الأسر الفقيرة في البرازيل أن يكون أحد الأساطير الذين لن يأتي مثلهم على الإطلاق في تاريخ كرة القدم.

من يصدق أن طفلا ولُد من عائلة فقيرة جدا في حي مُعدم لا يملكون قوت يومهم، ولم يكن من محبي كرة القدم من الأساس، أن يتحول إلى لاعب كرة قدم محترف، ثم إلى نجم يعرفه الجميع، ثم إلى ثروة قومية في بلده، ثم إلى أسطورة وأيقونة لكرة القدم ويظل اسمه محفورا داخل كتاب تاريخ اللعبة، أنه ببساطة إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو والمعروف بلقب بيليه أسطورة اللعبة على مر التاريخ وليس البرازيل فقط.

وفاة بيليه

وحزنت كرة القدم وكل مشجعيها حول العالم بشدة أمس الخميس 29 ديسمبر، بتلقيهم خبر وفاة بيليه بعد صراع طويل مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 82 عاما.

وسيطرت حالة كبيرة من الحزن على جميع نجوم ومشجعي وأساطير كرة القدم، بخبر وفاة بيليه، ونعاه الجميع بكلمات مؤثرة جدا، ولم يقف النعي على ممثلي اللعبة فقط، بل نعاه العديد من رؤساء الدول والشخصيات العامة حول المجتمع.

بيليه

وبالرغم من حالة الحزن التي تسيطر على الجميع، بوفاة بيليه لا بد أن نعود إلى قصة أسطورة البرازيل منذ ولادته وحتى ظهوره في عالم كرة القدم إلى أن أصبح أيقونة اللعبة، لأنه يملك قصة ملهمة ومؤثرة تليق بالفعل بنجم تاريخي مثله.

ماسح الأحذية في حي الحفا

ولد في أكتوبر عام 1940، في حي فقير جدا في البرازيل، وأطلق اسمه بعد ذلك على هذا الحي، وكانت المصادفة أن الحي الذي ولد فيه لم يكن يعرف الإضاءة إلا قبل ولادته بيومين عندما دخله النور، لذلك سماه والده أدسون نسبة إلى "توماس أديسون" مخترع الكهرباء، ولكن ظل الجميع يناديه بيليه.

ظل بيليه يعيش حياة صعبة منذ طفولته بسبب حالتهم المادية الصعبة جدا، إلى أن بدأ يقف على قدميه ليتجه إلى العمل كماسح أحذية وهو في السابعة من عمره، ولكن قام بذلك لجمع بعض المال، وقد اشترى الأدوات التي سيعمل بها بمساعدة عمه جورج، وبدأ بالفعل العمل في هذه المهنة لوقت طويل.

وتعلم مسح الأحذية على حذاء والده الذي كان يلعب كرة القدم ولكن في نادي هواة، ولكنه واجه مشكلة في عمله يحكي هو نفسه عنها، وهو أن نصف شارعهم كان حفاة ولم يكن لديه سوى زبون واحد، وكانت والدته تشترط عليه ألا يعمل بعيدا، ولكنه حاول كسب المال بأي طريقة فذهب للعمل أمام النادي الذي يلعب فيه والده ليمسح أحذية اللاعبين والمشجعين القادمين لمشاهدة المباريات.

ولم يكن بيليه يحب كرة القدم في بداية طفولته، ولكنه تأثر بوالده الذي كان يمارس اللعبة، ولكن دون أن يجمع منها المال فقط كان يحظى بقليل من الشهرة وبعض المكانة الاجتماعية، وجمع المال لأول مرة من هذه اللعبة وهو يلعب مع الأطفال في إحدى مباريات الحي وبسبب مهاراته وتسجيله هدفا رمى عليه الواقفون لمتابعة المباراة نقودا، فجمعها سريعا من على الأرض وأعطاها لوالدته لترضى عنه.

والد بيليه نجم كرة القدم الذي تحول إلى عامل نظافة

يملك أيضا والد بيليه قصة هامة في كرة القدم لا بد أن نتطرق للحديث عنها، فهو جواو راموس دوناسينتو واشتهر بـ "دوندينيو" وكان أحد الهدافين المميزين جدا الذي توقع أن يكون له تاريخ كبير في كرة القدم، ولكنه لم يحالفه الحظ في ذلك رغم أرقامه القياسية وغزارة أهدافه.

ولعب دوندينيو كمهاجم للعديد من الأندية البرازيلية أبرزها أتلتيكو مينيرو وباورو، وقد شارك في الدوري البرازيلي في 775 مباراة وسجل خلالها 893 هدفا، ويملك رقما قياسيا لم يتمكن أي لاعب من تحطيمه حتى الآن وهو أنه سجل 5 أهداف برأسه في مباراة واحدة.

كما شارك مع منتخب البرازيل في 6 مباريات سجل فيها 19 هدفا، وكان من المتوقع أن يكون له شأن كبير في تاريخ كرة القدم ولكنه عانى من إصابة مزمنة في الركبة منعته من استكمال مشواره وتحول إلى عامل نظافة في أحد المستشفيات.

لحظة فارقة بسبب والده حولت بيليه إلى أسطورة

وهناك لحظة فارقة في حياة بيليه بسبب والده حولته من ماسح أحذية إلى لاعب كرة قدم ثم إلى أسطورة، وهذه اللحظة هي عندما رأى والده يبكي بعد خسارة البرازيل على يد أوروجواي على أرضها في مونديال 1950 في المباراة التي سُميت "فضيحة ماراكانا" ليقول له بعدما رآه "لا تبكِ يا أبي سأفوز بكأس العالم للبرازيل".

وبتأثره بوالده، بدأ بيليه يلعب كرة القدم وهو في العاشرة من عمره تقريبا في الشوارع وقال عن هذه الفترة "لم أكن أحلم بتمثيل البرازيل في كأس العالم، حلمي الذي كنت أردده لأصدقائي أن أصبح قويا مثل والدي".

وظل بيليه يلعب الكرة في الشوارع، أو كما قال في كتابه كان يتسلى في الشوارع بركل "الكرة الشراب" مثلما نقول عنها، إلى أن حالفه الحظ في إحدى المرات، وكان مكتشف اللاعبين والديمار دي بريتو يسير يتجول في الشارع بحثا عن أي موهبة ليرى هذا الطفل ويقول "هذا الفتى سيكون أفضل لاعب كرة قدم في العالم".

وبالفعل انضم بيليه إلى صفوف نادي سانتوس البرازيلي عام 1955، وتألق معهم بشكل ملفت، وحقق معهم العديد من البطولات والإنجازات علاوة على تسجيله للعديد من الأهداف رغم صغر سنه.

بيليه بقميص سانتوس

الاستدعاء للمنتخب والوفاء بوعده لوالده

وبسبب مستواه المميز قرر فيسينتي فيولا مدرب منتخب البرازيل استدعاءه لصفوف المنتخب، وشارك في أول مباراة دولية له في يوليو 1956 ضد الأرجنتين وسجل هدف بلاده الوحيد في الخسارة التي تلقوها بهدفين لهدف.

وجاءت اللحظة المنتظرة بعد ذلك، فقد استدعاه فيولا، للمشاركة في كأس العالم 1958 المقامة في السويد، وهو عمره 17 عامًا فقط ليبدأ الطفل الذي كان يمسح الأحذية منذ ثلاث سنوات في كتابة اسمه في تاريخ كرة القدم، فقد أصبح أصغر لاعب يشارك في البطولة وقتها، وسجل أول أهدافه في مرمى ويلز بالدور ربع النهائي، وسجل هاتريك في مرمى فرنسا في نصف النهائي ليصعد بالسامبا إلى النهائي ويصبح أصغر لاعب يشارك في النهائي.

أما في النهائي فقد واجه منتخب البرازيل نظيره السويد، وسجل الأسطورة هدفين لتفوز بلاده باللقب ويصبح ثاني هدافي البطولة بـ6 أهداف، ويفي بوعده لوالده، ومن شدة الفرحة سقط على الأرض مغشيًا عليه، فلم يكن مصدقًا كل هذا.

بكاء بيليه عقب فوز البرازيل بمونديال 58

وبدأت رحلة الإنجازات مع المنتخب الأول، فقد فاز بثلاثة ألقاب كأس عالم من أصل 4 نسخ شارك فيها وهي 1958 و1962 و1970، ولحسن الحظ شاهده والده في المرات الثلاثة، لينسيه نجله ما أحزنه أثناء لعبه كرة القدم.

وقضى الجوهرة السمراء فترة التجنيد الإجبارية أيضا أثناء لعبه كرة القدم، ليشارك مع منتخب البرازيل العسكري ولعب البطولة العسكرية في أمريكا الجنوبية، ليحصل فيها على أول بطاقة حمراء في حياته أمام الأرجنتين، وذلك بسبب قيامه بضرب أحد لاعبي الخصم بقدمه على قصبة ساقه، وذلك بسبب إزعاجه وملاحقته لتنشب مشاجرة كبيرة بين لاعبي الفريقين.

ولم تخسر البرازيل أي مباراة لعب فيها بيليه جوار جارنشيا طوال مسيرته مع المنتخب الأول، إلى أن لعب آخر مباراة دولية له في 1971 أمام يوغسلافيا.

بيليه بقميص البرازيل

ثروة قومية غير قابله للتفريط

وبسبب كل هذه الإنجازات والأرقام القياسية والأهداف الغزيرة، تلقى أسطورة البرازيل العديد من العروض من كبار أوروبا بعدما ذاع اسمه في كل أنحاء العالم، وانهالت عليه العروض من أندية مثل إنتر ميلان ويوفنتوس وغيرهما بملايين الدولارات في الوقت الذي كان يحصل فيه على 5 آلاف دولار فقط نظير أي مباراة يخوضها في أوروبا مثلما ذكر.

ولكن في كل مرة كان يفتح أي نادٍ خطا للتفاوض على ضم بيليه كان ممثلوه ورئيس ناديه يرفضون الأمر دون التفكير، فقد أصبحوا يعتبرونه ثروة قومية للبرازيل غير مسموح التفريط فيها.

بيليه بقميص سانتوس

كدت أجن من الأرقام التي أسمعها لكن لا فائدة لن يفرطوا فيّ، هكذا قالها بيليه في كتابه عن مفاوضات يوفنتوس لضمه في حفل عشاء أقامه لهم أنيللي رئيس النادي، والذي بدأ المفاوضات بمليون دولار وتم رفض الأمر.

وبالفعل لم يخرج بيليه من البرازيل فقد ظل في صفوف سانتوس حتى 1974 وانضم إلى نادي كوزموس الأمريكي في 1975 حتى 1977، وذلك كان في نهاية مسيرته ليلعب بعض المباريات حتى لا يبتعد عن معشوقته كرة القدم في آخر فترته في الملاعب.

دخول بيليه الملعب لخوض أول مباراة مع كوزموس

وعلى صعيد الأرقام والإنجازات، فقد لعب أسطورة البرازيل 1362 مباراة طوال مسيرته سواء ودية أو رسمية، سجل خلالها 1281 هدفا، وهو الرقم الذي ينفرد به في تاريخ اللعبة ولازال يحمل اسمه حتى الآن في موسوعة جينيس، كما حصد 11 بطولة مع الناديين اللذين لعبا لهما، وثلاثة كأس عالم مع المنتخب، بخلاف الألقاب الفردية التي فاز بها.

وتلقت كرة القدم أول خبر محزن عن بيليه بإعلانه إعتزال لعب كرة القدم في عام 1977، وهو في سن الـ37، ولم يتجه إلى التدريب بل ظل يخوض بعض المباريات الخيرية أو في المحافل، بخلاف تواجده في بعض حفلات توزيع الجوائز العالمية مثل الكرة الذهبية وأفضل لاعب في أوروبا.

بيليه بالألقاب الثلاثة التي فاز بها من المونديال

زيارات للدول العربية

وزار بيليه العديد من الدول العربية من قبل مثل الجزائر والكويت ومصر، وكانت زياراته تعتبر أحداثا عالمية أن يتواجد الأسطورة البرازيلية في زيارة لدولنا العربية، فقد زار الجزائر كأول دولة عربية يأتي لها في 1955، ثم زار الكويت وزار مصر أيضا في 1972.

بيليه مع رئيس الجزائر أحمد بن بلة
زيارة بيليه للكويت

ويحكي بيليه أنه تعرض لموقف طريف أثناء سفره رفقة زملائه في سانتوس لزيارة مصر، فيقول إنه أثناء هبوط الطائرة في بيروت فوجئ بوجود عدد ضخم من الجماهير يهددونه بأنه إذا لم يلعب مباراة ضد فريق لبناني سيقومون بخطفه، ولكن تدخلت الشرطة سريعا بحزم وأنهت الأمر وغادروا بسلام إلى بلد الأهرامات لخوض مباراة ضد الأهلي.

بيليه من زيارته لمصر لخوض مباراة أمام الأهلي

الألقاب الشرفية والنهاية الحزينة لعالم المستديرة

يصنف الاتحاد الدولي لكرة القدم بيليه بأنه "الأعظم" في اللعبة، وكان من أكثر الشخصيات الرياضية نجاحا في القرن العشرين عام 1999، وأطلق عليه العديد من الألقاب من هذا القبيل مثل رياضي القرن وغيره من الألقاب والتكريم من جانب الاتحادات الرياضية حول العالم، وتكريمه من العديد من رؤساء الدول المهووسين به والشخصيات العامة، فقد كان مصدر سعادة ومتعة لكل متابعي اللعبة.

بيليه من حفل توزيع الذهبية

ووضُعت أمس النهاية الحزينة لقصة أحد الأساطير الذي لن يمر مثله على لعبة كرة القدم مرة أخرى، ورحل بيليه عن عالمنا بعد رحلة صراع طويلة مع مرض السرطان، ليكتب بنفسه نهاية قصة مليئة بالألقاب سواء الأعظم أو الأفضل أو الأهم أو الوافي بوعده لوالده، أو ماسح الأحذية الذي تنبأ الجميع بأسطوريته، والذي اكتفينا فقط بحكاية هذه السطور القليلة عنه، ولكن إذا احتاجنا للحديث عنه بالتفصيل فلن يكفي الجوهرة السمراء موضوع واحد بل سيحتاج إلى مجلدات.

تابع مواقعنا