السبت 27 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

فيلق الجمال والصفحات المطوية من التاريخ المصري

عبدالعني الحايس
سياسة
عبدالعني الحايس
السبت 18/فبراير/2023 - 11:48 ص

مصر شريك فى مهم انتصار فى انتصار الحرب العالمية الأولى، كان ذلك عنوان مقالة للدكتور على الدين هلال فى عام 2018، وكانت بمناسبة مئوية الرحب العالمية الأولى، وقد احتفظت بتلك المقالة المنشورة فى جريدة الأهرام، فتلك أول مرة أعرف أن مصر دخلت أتون حرب ليست طرف فيها، وبعدها كتب الدكتور أبو الغار عدة مقالات فى المصرى اليوم، قبل أن يصدر كتابه الأخير الفيلق المصرى عن هذا الموضوع، وأنه استعان بالوثائق البريطانية ومذكرات بعض الجنود وغيرها ليوثق فترة مهمة سقطت عن عمد من التاريخ المصرى.

ولا شك أننا يجب أن نعرف ما حدث، وما حدث فى تلك الفترة العصيبة، ولماذا تم طمس تلك الفترة وكأنها لم تكن، وما دور القوى الوطنية وراء خضوع الحكومة لتحكمات المحتل الإنجليزى، وفرض نفوذه وسيطرته الكاملة على البلاد.

كانت مصر فى تلك الفترة تحت النفوذ الإنجليزى، والمعتمد البريطانى له السيطرة الكاملة على الحكومة المصرية، وصلت إلى تعيين مستشار إنجليزى فى كل وزارة، وفرضوا على الحكومة أن تدفع نفقات جيش الاحتلال، وضغط الإنفاق، وتقليص ميزانية التعليم، وقام الإنجليز بعمل مشروعات للرى لزيادة مساحة الرقعة الزراعية، حتى يضمنوا تأمين الغذاء لجنودهم.

قامت الحرب عام 1914 وطلبت سلطة الاحتلال من الحكومة المصرية الحياد، وفوضت مصر إنجلترا فى إدارة الموانىء المصرية، والدفاع عن مصر وعدم التعامل مع ألمانيا ومن بعدها النمسا، وفرضت الأحكام العرفية، وشددت الرقابة الكاملة على الصحف، وأعلنت الحرب على تركيا، وأوهمت المصريين بأنها تدافع عن استقلالها من هيمنة الدولة العثمانية، ثم أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وإلغاء سيادة تركيا تماما، وعزلت الخديوى عباس حلمى الثانى، وعينت مكانه السلطان حسين كامل بدلا منه، وتعاملت بعنف وقسوة مع المظاهرات والمعترضين على فرض هيمنتهم على الدولة المصرية.

وأثناء الحرب احتاجت أوروبا الكثير من الأيدى العاملة، فجلبت فرنسا الآلاف من مستعمراتها، وأرسل اللورد بلفور خطاب للمندوب السامى البريطانى فى مصر بضرورة تجهيز قوة مدنية من فلاحى مصر، للقيام بالأعمال المعاونة للجيوش، من حفر الخنادق، وتمهيد  الطرق، وجر المدافع، وعمل خطوط السكك الحديدية، وتوصيل المياه، وكل الأعمال الشاقة بدون استثناء كانوا يقيمون بها.

وبدأ مأمورو المراكز والعمد والمشايخ فى تنفيذ التوجيهات بإرسال الأعداد المطلوبة منهم إلى المراكز، تمهيدا لنقلهم الى المعسكرات، كما عينت ضابط انجليزى فى كل مركز ليجمع العدد المطلوب، وكان فى البداية التجنيد اختيارى وتطوعى، وأمام حاجتهم للعمالة وقلة عدد المتطوعين، تحولوا الى التجنيد الإجبارى، واستخدام القوة المفرطة، والمذلة فى عملية جمع الفلاحين، فكانوا يخطفونهم من الأسواق، ويقتحمون بيوتهم، وحقولهم، ثم يساقوا مربطين بالحبال كالعبيد، وسط بكاء أطفالهم ونسائهم وذويهم، ويتسلمهم الضباط الإنجليزى، ليرسلوا إلى المجهول فى ثلاث قارات انتشر أبناء مصر المخطوفين قسرا وقهرا إلى أروبا وآسيا وإفريقيا.

ومن نتائج هذا الفعل المهين، فرض العمد على البعض الذى يريد أن يعفى نفسه من هذا الجحيم والإتاوات، وقدمت الرشاوى، وقبلها مأمورى المراكز، وحتى الضباط الإنجليز أنفسهم، وجاع البعض من الفلاحين ليحاول أن يفدى نفسه  ليقوم بجمع المبلغ المطلوب لتخليص نفسه.

ولأن تلك الفترة مطموسة من التاريخ المصرى، لأن من ذهب للحرب كانوا لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، ولكنها موجودة بكل تفاصيلها فى الأرشيف البريطانى، فقد تعرض الفلاحون المصريون الى أمراض خطيرة، ومعاملة سيئة، والضرب بالسياط، فى امتهان صارخ لآدميتهم، وسط موقف مزرى ومخيب من الحكومة المصرية، والتى ألزمتها سلطة الاحتلال بدفع جزء من رواتب جنودنا، وزاد الأمر سوءا إقراض الحكومة المصرية قرضا لبريطانيا لدفع باقى الرواتب للمخطوفين من أبناء مصر، وتسخير الشرطة المصرية بكاملها فى خدمة بريطانيا فى تجميع الأعداد المطلوبة لإرسالهم الى الحرب.

زاد الوضع فى مصر سوء بسبب نقص عدد الفلاحيين، فحدث تبوير فى الأرض الزراعية لأنها لم تجد من يزرعها، وهرب الفلاحون، ولجأ بعضهم لخدمة السلطة حتى لا يكونوا فى الفيلق، وحدث نقص فى الغذاء، وانتشر الجوع، والفقر، وسرق الإنجليز الحيوانات والحاصلات الزراعية، ومنعوا تجارة الجمال، واستولوا على جمالهم وحميرهم وبغالهم لاستخدامها فى نقل العتاد داخل الصحراء، وواجهوا ثورة الفلاحين داخل القرى بالقتل الذى امتد أثره الى كل ريف مصر، حيث قتل أعداد كبيرة من الفلاحين الذين ثاروا على تلك اللصوصية التى يمارسها الإنجليز بحماية الشرطة وتحت عين الحكومة المصرية.

لذا عندما ظهرت حركة التوكيلات التى يقوضها سعد زغلول لتفويضه هو ورفاقه من الوفد المصرى، كان فلاحو مصر وقود ثورة 1919، وعم الغضب كل ربوع الريف، وثاروا على سرقتهم، وقتل أبنائهم فى بلاد غريبة، وبوار أراضيهم، وسرقة محصولهم، وخطف أبنائهم، والفقر والغلاء، ومارسوا التخريب فى السكك الحديدية والتليفون والتليغراف، وعلى العمد والمشايخ، وكل من تواطأ فى ذلهم انتقموا منه، وكانت نسبة الجريمة عالية وخصوصا على يد من عادوا من الفيلق ويحملون كل الذكريات السيئة من المعاناة التى عاشوها طوال مدة تجنيدهم الإجبارية وعودتهم بعد انتهاء الحرب.

ويذكر الدكتور على الدين أن الأعداد فاقت المليون مصرى، والرافعى يقول أكثر من مليون ومائة ألف مصرى سيقوا إلى الحرب فى وقت كان تعداد الشعب المصرى لا يتعدى 12 مليون نسمة، مع أن أبو الغار قال إن الأعداد تخطت النصف مليون بقليل، ولكن فى النهاية مات كثير من المصريين فى تلك الحرب، فمنهم من ذهب قدره الى أوروبا فى فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وبعض جزر البحر المتوسط وتركيا، حيث البرد الشديد والثلوج وهم ليسوا معتادين على هذا المناخ السيئ، ولا يتكلمون لغة تلك الشعوب، ولا يعلمون شيئا عن عادتهم ولا تقاليدهم، فلبثوا فى خنادقهم وداخل معسكراتهم، أما من ذهب منهم إلى فلسطين وسوريا والعراق ولبنان والجبهة الشرقية فى سيناء، فكان وضعهم أفضل حالا من غيرهم، فاللغة والدين خففا عنهم قسوة تلك الأيام، وعاشوا تحت القصف ووطأة الحرب يقوموا بكل ما يكلف إليهم بالترهيب والعقاب.

انتهت الحرب وعاد من كتب له النجاة، وغيرهم كثيرون قتلوا ودفنوا فى بلاد بعيدة، ومنهم من لم يعود وعاش حيث انتهى به المطاف فى أرض بعيدة.

ولقد قام المصريون بجهود كبيرة فى تلك الحرب، وحصلوا على إشادة عدد من القادة الإنجليز، لتحكى عن بسالتهم وبطولاتهم واستحقاقهم الأوسمة والنياشين العسكرية التى حصل عليها البعض، فمنهم من حصل على وسام فيكتوريا وهو أعلى وسام بريطانى، واستقبلت مصر 18 جيشا على أراضيها وفرت لهم كل الدعم من غذاء ولوجستيات.

وكانت ثورة الفلاحين ثورة غضب مما حدث لهم فى تلك الفترة العصيبة وامتزجت بثورة 1919. 

ونجحت ثورة 1919 وكفاح الشعب المصرى فى إلغاء الحماية البريطانية على مصر، وصدور دستور 1923، وبدأت أفضل فترات الديمقراطية والحياة البرلمانية فى مصر حتى 1930، عندما تم الغاء العمل بدستور 23 وعودته مرة أخرى؛ ليستكمل المصريون نضالهم حتى زوال الاحتلال واستقلال مصر.

وعلى الدولة المصرية أن توثق تلك الفترة وتبحث فى أرشيف كل الدول التى كان جنودنا متواجدين فيها أثناء الحرب، ولتعلم تلك الدول ما قدمه الفيلق المصرى لهم من تضحيات وبطولات.

رحم الله كل شهدائنا، وكتب الله لمصرنا الأمن والأمان والاستقرار.

تابع مواقعنا