الإثنين 06 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الحوار الوطني من منظور حقوقي

الجمعة 05/مايو/2023 - 09:39 م

شاهدنا جميعا منذ أيام قليلة الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني الذي دعا له الرئيس، وقد طال انتظار انطلاق فاعليات الحوار، حيث إن الإعداد له استغرق عاما كاملا بعد دعوة الرئيس.

وخلال هذه الفترة دأب مجلس أمناء الحوار ومنسقه العام الدكتور ضياء رشوان على تحديد محاوره وموضوعاته وتأسيس لجانه المختصة بالتنسيق مع جميع القوى السياسية والاجتماعية المشاركة، حتى تكون آلية إجرائه وإدارته ناتجة عن توافق عام يرضي تطلعات الجميع.

ولفت نظري أثناء الجلسة الافتتاحية بعض ما جاء بالعرض الذي قدمه المستشار محمود فوزي رئيس الأمانة الفنية للحوار حول عدد وتصنيف المقترحات التي تلقتها أمانته الفنية وخاصة المقترحات المتعلقة بالمحور السياسي، حيث صرح أن أكثريتها كانت متعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة.

ولعل هذا يؤكد إدراكا واسع النطاق داخل دوائر النخبة والشرائح الاجتماعية المختلفة لحجم التحديات التي تواجهها مصر في هذا الملف وضرورة معالجتها بشكل سليم يضمن أكبر قدر ممكن من الاحترام والحماية للحقوق والحريات الأساسية.

قبل أن أسهب في تفاصيل هذا المقال يجب التأكيد أن الحوار الوطني في حد ذاته يمثل دفعة قوية للغاية لحقوق الإنسان وخاصة الحقوق المدنية والسياسية، حيث إن الحوار في حد ذاته قائم على إشراك جميع الأطراف في العملية السياسية ويعزز قيم الديمقراطية والمشاركة وحرية التعبير وهذا في حد ذاته يعد مكسبًا كبيرًا عندما ينظر إليه من منطلق حقوقي.

وحتى يتسنى لنا جني ثمار إطلاق الحوار الوطني وتعظيم نتائجه لابد من التطرق إلى عدد من المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان التي يجب أن يتناولها القائمون عليه والمشاركون فيه باهتمام.

 وعلى رأس هذه القضايا تأتي مسألة الحبس الاحتياطي التي تطرق لها العديد من المتحدثين خلال الجلسة الافتتاحية من بينهم منسق الحوار نفسه وعدد من رؤساء الأحزاب المعارضة وغيرهم.

وشغلت مسألة الحبس الاحتياطي اهتمام الدوائر الحقوقية والحكومية والتشريعية منذ سنوات، وقد طالبت العديد من منظمات حقوق الإنسان بمعالجة هذه المسألة بإصرار، واستجابتة لهذه المطالب.

وإدراكًا لتأثيرها السلبي على العدالة الناجزة التي طالب بها الرئيس أكثر من مرة وضعت الحكومة إيجاد بدائل للحبس الاحتياطي كأحد النتائج المستهدفة بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها رئيس الجمهورية، في سبتمبر ٢٠٢١.

ولكن رغم مرور أكثر من عام نصف علي إطلاق الاستراتيجية لم يتحقق هذا الأمر حتى الآن، مما جعله أحد القضايا الرئيسية التي كانت محل للنقاش في اللقاءات التحضيرية للحوار الوطني، وظهرت أيضا بشكل كبير خلال جلسته الافتتاحية، ولذلك من الضروري أن يكون ايجاد البدائل القانونية للحبس الاحتياطي وتقليص استخدامه من أولويات المحور السياسي خلال الحوار الوطني، وأن يسرع المشاركون في الحوار في إعداد مقترح تشريعي يُرفع إلى رئيس الجمهورية للنظر في شأنه واحالته لمجلسي الشيوخ والنواب.

وقد يكون إصدار مثل هذا التعديل التشريعي قبل انتهاء فاعليات الحوار دفعة إيجابية صوب الطريق الصحيح تزيد من مصداقية الحوار وتعزز وضعيته كألية وطنية لإشراك المجتمع والقوى السياسية على اختلاف انتمائها والمجتمع المدني في معالجة القضايا الملحة التي يواجها الوطن.

مسألة أخرى متعلقة بحقوق إنسان كانت محل اهتمام لأطراف الحوار هي حرية الرأي والتعبير، لابد أن نعترف أن هذه المسألة بحاجة للمزيد من الضمانات التشريعية والسياسية حتي يتسنى للمواطن أن يمارسها بشكل أكبر، وعلى الحوار الوطني أن يقدم تصورا متكاملا لكيفية تعزيز حرية واستقلال وسائل الإعلام والصحافة بشكل الذي يمكنها من التعبير عن كل الرؤي والتوجهات بشكل عادل ومتزن. 

وفيما يخص الأشخاص المسجونين على خلفية قضايا تتعلق بالعمل العام، فقد بادر الرئيس منذ الدعوة للحوار الوطني بإعادة تشكيل وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، وأعطى ذلك زخما للجهود الوطنية أفضي إلى الإفراج عن المئات من المحبوسين، وعلى الحوار أن يواصل ويعزز ويشجع هذه المساعي الحميدة للإفراج عن أكبر قدر ممكن من المحبوسين على خلفية قضايا تتعلق بالعمل العام شريطة ألا يكون أي منهم قد تورط في ارتكاب أعمال عنف أو التحريض عليها، من شأن توسيع إطار الإفراجات أن يعزز من فرص نجاح الحوار الوطني وسيساهم في حماية الحق في الحرية والأمان الشخصي المكفول بموجب نصوص الدستور وشرعة حقوق الإنسان الدولية.

تعزيز حرية واستقلال المجتمع المدني يجب أن تكون هي الأخرى من أولويات الجانب الحقوقي للحوار، حيث إن الدولة قطعت شوطًا كبيرًا في هذا الصدد بإصدار القانون ١٤٩ لسنة ٢٠١٩ الذي فتح المجال بشكل أوسع للعمل الأهلي، وكذلك حرص الدولة على الاستعانة بالمجتمع المدني في إعداد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان مما جعلها تعكس الكثير من تطلعاته، ولكن تظل بعض العراقيل المتعلقة بالبيروقراطية  والممارسات الخاطئة تؤثر سلبًا علي العمل الأهلي بشكل عام وعلى عمل جمعيات حقوق الإنسان علي وجه الخصوص، وهذا الأمر يتطلب رؤية من أطراف الحوار الوطني لمعالجته حتي يكون الحق في التنظيم متوفرة له كافة الضمانات التي نص عليها الدستور والقانون ومواثيق حقوق الإنسان الدولية.

لا تعد المواضيع السابقة سوى قطرة في بحر كبير من القضايا التي سيتطرق إليها الحوار الوطني في كافة المحاور، حيث إن حقوق الإنسان لن تتأثر بالمحور السياسي فقط، بل سيكون للمحورين الاقتصادي والاجتماعي أيضا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحق في العمل والحق في الضمان الاجتماعي والحق في الصحة والحق في التعليم وغيرهم، أي أن حقوق الإنسان معنية بكافة محاور الحوار ومواضيعه مما يؤكد ضرورة تناولها بالاهتمام الكافي والمناسب لأبعاد تأثيرها.

تابع مواقعنا