الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كوكتيل السياسة والاقتصاد

الإثنين 15/مايو/2023 - 01:01 ص

يلفتني دائما محاولة حشر الاقتصاد والسياسة في ذات المركب، وكذلك الخلط شبه الدائم بين آليات ودور كل منهما، بما يوجد وضعًا غير متزن تمامًا ويصبغ أي حوار اقتصادي بعباءة سياسية دون قصد أو رغبة.

فمن الناحية النظرية، يهتم علم الاقتصاد بدراسة السلوك الإنساني كعلاقة بين الغايات والموارد النادرة ذات الاستعمالات المتعددة، كما يصفه ليونيل روبنز، ويركز على توصيف حالة الدول المالية وشرح عمل النظم الاقتصادية المختلفة، أما السياسة فتُعنى بتحليل النظم السياسية وسلوكها على المجتمع وتحليل آلية الحكم.. وشتان الفارق بالطبع.

كما أنه من الناحية الفنية فإن علم الاقتصاد غير سياسي على الإطلاق، وأي طرح اقتصادي مثالي لا بد أن يتجاهل في طبيعته أي تحيز سياسي لإعطاء أرقام ومعلومات وتوصيات محايدة وغير منحازة لتحسين الأداء الاقتصادي، وبعد ذلك يأتي دور الساسة في تقييم المعلومات الاقتصادية واتخاذ القرار المناسب، وفقا لطبيعة النظام السياسي المتبع.

حتى فرع دراسات ما يعرف بالاقتصاد السياسي يفترض وجود تفاعل بين الإقتصاد والسياسة عندما يوجد توجه واضح لكلا منهما ولا يتعامل معهما بشكل مُضغم أو في المطلق.

ومثال على ذلك، في الانتخابات التشريعية او التنفيذية يعرض المرشح او الحزب انفسهم، ويُحدد ضمن البرنامج الانتخابي الرؤية الاقتصادية وطبيعة النظام وجدواه للوضع في ضوء أرقام وإحصائيات لا خلاف عليها، ثم يأتي دور الناخب في التقييم من الجانب الاقتصادي على أساس ذلك.

أما التقييم عن الجانب السياسي فله أبعاد أخرى لا علاقة لها بالاقتصاد فحسب، حيث ترتبط بالأمن القومي والعلاقات الخارجية ودعم التعددية وغيره من الأمور التي من الطبيعي أن يُختلف عليها.

وهذا الخلط، استوقفني في الحقيقة حينما تابعت ما يتحدث عنه البعض بأن أي حوار سياسي أو تغير سياسي سوف يكون له دور أساسي في حل أي مشكلة اقتصادية.. فبلا أدنى شك أي حوار سياسي يتطرق لآليات السياسة والتعددية والنفاذ للسلطة؛ لكن لا يرتب بالضرورة نجاحا اقتصاديا، ما لم يكن هناك طرح اقتصادي واضح ينطلق بالأساس من فكرة محدودية الموارد.

وعالميًا كذلك، هناك أمثلة عديدة تبرهن على أنه لا علاقة بالضرورة بين درجة العملية الديمقراطية والنجاح الاقتصادي، خاصة مع واقع أن هناك دولا شمولية اقتصادها جيد، ودولا أخرى ديمقراطية اقتصادها رديء، بل إن ذهبنا لما هو أبعد من ذلك، فهناك نظرية معروفة بـ Lee’s Theory تحاول إثبات أن النظم غير الديمقراطية قد تحقق معدلات نمو أعلى وخير دليل على ذلك تجربة "لي كوان" في سنغافورة.

ففي الوقت الذي جعل التحرر الاقتصادي هذه الدولة واحدة من أبرز الدول المطبقة للسوق الحر في العالم، ونما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمستوى مدهش خلال حكم "كوان" من 1240 دولارا إلى 18437 دولارا، وزادت التجارة الخارجية من 7.3 مليار إلى 205 مليارات دولار، يجري النظر إلى هذه الدولة بأنها "بلد ديمقراطي معيب" وشديدة القسوة من الناحية السياسية.

أنا هنا لا أحاول التنظير لطبيعة نظام سياسي بعينه قدر ما أحاول فك طلاسم السردية التي تحُمّل السياسة أحيانا أكثر مما تستطيع توفيره.

وفي رأيي فإن السبب فيما نشهده دائما من ربط بين الاقتصاد والسياسة، هو أن أغلب الأطروحات الاقتصادية غير مُكتملة أو مفهومة أو مُقنعة، وكذلك غير واضح تأثيرها على حالة الفرد المعيشية، بما يدفع الجميع إلى تناول الجانب السياسي من المعادلة فقط ومناقشة أي طرح حتى ولو كان يخص مشاريع أو أطروحات بعينها من خلال السياسة، وحتى التقارير الاقتصادية المفترض فيها التجرد لم تسلم من تناولها سياسيا.


وختاما، فإن حل المشكلات الاقتصادية يجب أن يكون اقتصاديا في المقام الأول، أما الحوار المُستغرق في آليات العمل السياسي، فلن يُحدث الحل المأمول أو الفارق، طالما افتقد هذا الحل مشروعا اقتصاديا حقيقيا واضح المعالم والآليات.

تابع مواقعنا