الجمعة 10 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تعريف التمييز

الإثنين 15/مايو/2023 - 06:40 م

انطلقت جلسات الحوار الوطني صباح اليوم وسط مشاركة واسعة النطاق من قبل رموز المجتمع المدني وقيادات الأحزاب السياسية فضلا عن الأكاديميين والخبراء والنشطاء والشخصيات العامة.

وكان ملف حقوق الإنسان حاضرًا بقوة في الجلسات الأولى حيث تمحورت إحداها حول مسألة ذات صلة بها وهي سبل القضاء على كل أشكال التمييز ضد البشر في مصر.. عنوان به الشمول اللازم لمناقشة التحديات التي يواجها المجتمع في هذا الصدد مما فتح المجال لرفع سقف النقاش ليطال أبعاد الظاهرة كافة مما يخدم جهود البحث عن سبل واقعية لمعالجتها.

وأثناء متابعتي لفاعليات الجلسة شد انتباهي خلاف قد يبدو هامشي بين بعض المشاركين حول تعريف التمييز ولكنه في واقع الأمر نقاش قد يوجه مسار معالجة هذه القضية أثناء الحوار أما نحو بلورة تصور شامل لمعالجتها أو إلى أنصاف الحلول التي تقدم بطبيعة الحال نصف العلاج.

لن أسهب في مناقشة ما جاء من وجهات نظر، وعلى من يريد أن يطلع عليها أن يشاهد الفيديو المسجل للجلسة وهو متوفر على الصفحة الرسمية للحوار الوطني، ولكن سأقوم باستعراض في إيجاز تعريفات التمييز التي استقرت عليها شرعة حقوق الإنسان الدولية والدستور المصري التي تمثل بالنسبة لأي مختص المرجع الرئيسي الذي يجب أن نحتكم إليه أثناء تناول ما هو ذو صلة بهذه المسألة.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لهم موقف واضح يحرم التمييز، فالمادة 26 من العهد تنص على ضرورة ضمان حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.

ونجد تعريف آخر في المادة الأولى من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري يعرفه كأي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يتتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.

وورد أيضا تعريف للتمييز في اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة يعرفه كأي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.

أما الدساتير المصرية المتعاقبة على مر العصور جرمت التمييز والتحريض عليه والدستور الحالي ينص في المادة 53 بوضوح على أن المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.

في ضوء ما ورد من تعريفات خاصة وعامة سواء في الدستور أو الاتفاقيات الدولية المذكورة التي صدقت الدولة المصرية عليها وبذلك تأخذ نصوصها قوة القانون، نجد أن لدينا مرجع شامل يوفر تعريف واسع للتمييز يشمل كافة نواحيه ويوفر في حال الالتزام به أثناء سن القوانين ذات الصلة كل ما يحتاجه المشرع لإعداد نص به الضمانات اللازمة لمناهضة التمييز والتصدي له بشكل قوي وفعال. 

ونصت المادة 53 من الدستور على إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز كأحد استحقاقاته ولكن مع كل أسف لم يكتب لها أن ترى النور على مدار 9 سنوات وكان هذا بطبيعة الحالة هو محور النقاش والهدف الرئيسي أثناء جلسة اليوم للجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني وكانت موضع إجماع بين جميع المشاركين وأكد الكثير منهم على ضرورة أن تكون هذه المؤسسة مستقلة لضمان فاعلياتها وتأثيرها.

وفي ضوء ما سبق أجد أن حديث البعض عن وضع تعريف للتمييز أضيق مما ورد في شرعة حقوق الإنسان الدولية أو الدستور أمر غير صحي ويقلص من فاعلية الضمانات المطلوبة للوقاية من كافة أشكال التمييز والتصدي له. 

التمييز كسلوك إجرامي يهدد حقوق الإنسان في كليتها، حيث إنه يهدد حزمة من الحقوق منها الحق في حرية التعبير والحق في الحرية والأمان الشخصي والحقوق الاقتصادية وحقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة بل وحتى الحق في الحياة، حيث إن جرائم التمييز والكراهية قد تصل في بعض الأحيان إلى القتل وإزهاق الأرواح، ولذلك يجب أن يبلور عناصر الحوار الوطني رؤية شاملة للتصدي للتمييز مكونة من ثلاث محاور، الأول مقترح قانون لتجريم ومناهضة التمييز، والثاني تصور لشكل وهيكل ودور مفوضية مكافحة التمييز والثالث خطة وطنية شاملة لتوعية كافة فئات المجتمع بمخاطر التمييز وسبل القضاء عليه على أن تقود مؤسسات الدولة المعنية بما فيها المفوضية المنتظر إنشاءها وكذلك المجتمع المدني جهود تنفيذ هذه الخطة.

من شأن صدور مثل هذا التصور الشامل أن يعجل من حصاد بعض ثمار الحوار الوطني ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات العامة، حيث إن حمايتها وتعزيزنا مستحيلة دون إيجاد آلية وطنية مستدامة لمناهضة كل أشكال التمييز بمفهومه الواسع الوارد في الدستور المصري والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
 

تابع مواقعنا