الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

العربية لغتنا والعامية لهجتنا

السبت 03/يونيو/2023 - 07:35 م

اللهجة العامية موروث شعبي ولا أحد يستطيع إهانتها أو التقليل من شأنها، ولكن تظل لهجة للنطق وليست لغة للكتابة كما يظنها البعض وهنا فارق كبير، وإن كانت قد استخدمت في نوع معين من الشعر، والذي برع فيه أساتذة عظام مثل الرائع صلاح جاهين، والشاعر المبدع عبد الرحمن الأبنودي والعبقري "أحمد فؤاد نجم" فذلك لم يكن أبدا لجهلهم باللغة العربية أو لعدم قدرتهم على الكتابة بها بل على العكس، ولكن لأن الشعر العامي له تاريخ طويل  في التراث المصري حيث كان يعبر به الفلاح في أرضه والعامل في مشغله ومصنعه وهكذا، وأذكر رأي الأبنودي أثناء مداخلة هاتفية عن شعر العامية في حلقة تليفزيونية كان ضيفها الشاعر الكبير مصباح المهدي  حيث قال إن الشعر العامي يعبر عن آلام الفقراء وهمومهم أو يتحدث بلسانهم في القضايا المختلفة ولا يمكن ذلك إلا من خلاله وأيضا تكون وسيلة لمخاطبتهم، وليس من المعقول أن يتم الحديث عن هؤلاء بالفصحى لأنها ربما لا تستطيع رسم الصورة بالشكل الذي تصنعه العامية كما أنها ربما لا تنجح في إيصال الرسائل الموجهة إليهم بالشكل الذي يحدث في العامية" وهنا استثناء مقبول ونجد أن العامية وظفت توظيفا صحيحا اقتضته الحاجة. 

أما ما يحدث الآن فهو عبارة عن استبدال للغة العربية بشكل شبه كامل عبر الفيس بوك  ومواقع التواصل بشكل عام.. هناك كتابات أشبه بحواديت المصاطب وحكم ومواعظ جميعها بالعامية وذلك لأن هناك جهلا باللغة العربية، وهؤلاء يريدون الظهور كنجوم ومفكرين عظام فماذا يفعلون؟ 

الحل لديهم هو العامية حتى أصبحنا نسمع عن أشخاص يصفون أنفسهم بأنهم كتاب أو صحفيون يستخدمون هذه اللهجة في الكتابة وذلك لإفلاس مؤكد، والمصيبة الأكبر أن هناك كتبا تصدر بالعامية الآن بحجة أنها تساعد في إيصال المعلومة وغيرها من الحجج المملة والواهية، هنا يكمن الخطر لأن الوضع إذا استمر هكذا ربما تندثر اللغة العربية العظيمة والتي لا تضاهيها لغة في العالم من حيث الإتقان والقواعد وغزارة الألفاظ والكلمات، كيف لا وهي اللغة الشاعرة كما وصفها الأديب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه الذي حمل نفس الوصف كعنوان له، إذا كانت العامية كلهجة تمثل هوية شعب فاللغة العربية تمثل هوية أمة عريقة من أعظم وأهم الأمم التي عاشت على هذا الكوكب، وإذا كانت تمر الآن بمرحلة من مراحل الضعف فقد تعود يوما لقوتها التي طالما رآها العالم، خاصة بعد تشريفها بحمل رسالة الله الخاتمة وجاء كتابها المقدس (القرآن) بلسانها العربي، وسيظل إلى قيام الساعة شاهدا على روعة وجمال هذه اللغة التي تتم الآن جريمة بحقها وتنتهك بدعوى التمسك بالعامية كدليل على الوطنية كما يدعي البعض، وذلك ليس صحيحا على الإطلاق، فنحن نتكلمها ونفتخر بها ولكن يجب أن تكون الفصحى عنوانا لنا، وإلا فلماذا نجد النشيد الوطني نفسه بها.. من يريد أن يكتب فعليه تعلم العربية أو يكتفي بحكي حواديته تلك لأصدقائه في جلسة خاصة وليس للعامة عبر وسيلة أصبحت تؤثر بشكل كبير في تشكيل الوعي الجمعي، وهنا لا أقصد بالطبع من يعبر بشكل عفوي عن همومه أو أفراحه في كلمتين على صفحته الخاصة التي تضم أقرباءه ومعارفه، ولكن أقصد من يقدم نفسه على أنه فيلسوف وقائد للرأي بينما لا يستطيع بناء جملة بالفصحى وهم كثر هذه الأيام، ومنهم من لا يجيد حتى الإملاء، وأخيرا أتمنى من كل مثقف ومتقن للفصحى أن يستخدمها عبر حسابه حتى يكون الفيس بوك أو التواصل الاجتماعي بشكل عام وسيلة للتثقيف وليس لتكريس الجهل وتفشيه.. سياسات التجهيل تمارس بشكل مرعب على أمتنا منذ عشرات السنين وما زالت وعلينا الانتباه حتى لا نكون الجيل الذي ضاعت نهائيا على يديه في الوقت الذي يجب علينا فيه النضال من أجل إنقاذها من عثراتها المتكررة والتي ربما كثير منها بسبب تراخينا أو يأسنا وكلاهما خطأ ربما يصل إلى حد الجريمة.

تابع مواقعنا