السبت 04 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

فاروق على يخت المحروسة

الخميس 20/يوليو/2023 - 12:50 ص

في المقال السابق ذكرنا الوضع العأم في مصر ما قبل حركة الضباط الأحرار، حتى ساعة الصفر.

فقد تحركوا وفقا للخطة الموضوعة، وكانت كل الظروف مهيأة ومواتية لمخططتهم، فتحرك يوسف صديق قبل ساعة الصفر بساعة ساعدته في الاستيلاء على القيادة في وجود قادتها، تخوفهم من حسين سري عامر جعلهم يتحركون بسرعة لو تأجل تحركهم لقبض عليهم جميعا، تطمينات حيدر باشا للملك برغم علمه بكل الضباط كأن في صالحهم، كل شيء كأن يؤكد تقدمهم للأمام حتى تم لهم ما أرادوا.

تمت إذاعة البيان الأول والمحتفظ به في المتحف الحربي الذي كتبة جمال حماد، وراجعه نجيب وعدل فيه بخط يديه، وتم إذاعته بالإذاعة بصوت ضابط من الجيش، وعاد وسجله السادات بصوته.

تم الاستيلاء على الإذاعة ومحطات البث في أبو زعبل كما الخطة التي وضعها زكريا محى الدين مع رفاقه، كما كانت هناك تعليمات من الإسكندرية حيث كأنت الحكومة بالمصيف، وكذلك الملك وكل رجال الحكم بعدم التعرض للضباط، بعد أن فشل صلاح عامر في وقف البث أو العبث بأجهزة البث ونقلها ليعطل الإذاعة، لكن الضباط كانوا قد سيطروا على الموقف كاملا وتم محاصره الإذاعة ومحطة البث.

وتم الاتصال بالسفارات الأجنبية لطمئنتها على رعاياها، والتواصل مع السفير الأمريكى كافرى وإبلاغه بحركة الضباط عن طريق علي صبرى الذي اتصل بالملحق الجوى الأمريكي لإبلاغ السفير، وعليه اتصل كافري بلندن لعدم التعرض لهم.

وقد أشرقت شمس يوم جديد بعد نجاح الحركة في مهأمها واستيلائهم على مقر القيادة وأنتشر الجيش في الشوارع.

هتف الشعب بعد سماعة البيان الأول، وأعطاها من التأييد ما لم يكن يتوقعه الضباط، كما أيدها الإخوان وادعوا أن عبد الناصر أبلغ المرشد بميعاد تحركه وحصل على تأييد المرشد، كما اتصلوا بالنحاس باشا وفؤاد سراج الدين الذين كانوا في المصيف بجنيف، وطلب منهم أن يعودوا فورا ليباركوا حركتهم وقد كأن لهم ذلك.

كما أن هناك من المثقفين الذي أبدى تخوفه أن تتحول تلك الحركة الى ديكتاتورية عسكرية، على غرار النظم الموجودة في أمريكا الشمالية كما قال لويس عوض.

الغريب أن الملك لم يقاوم ولم يصدر تعليماته إلى خفر السواحل، والقوات البحرية، وقوات حرس الحدود، والحرس الملكي والذين تواجدوا بالإسكندرية بالمواجهة إنما قال أنما اتنازل عن 1000عرش ولا يضع كلب إنجليزي قدمه على أرض مصر، وكأنما جاء في عقلة ما فعله الخديوي توفيق في الثورة العرابية واستعانته بالإنجليز لحماية عرشه وكان ذلك خطئا فادحا.

كما أن مطالب الضباط عندما تم نقلها إلى السراي والحكومة وافق عليها جميعا الملك ماعدا رحيل بولى ومحمد حسن.

وأمام تساهل الملك في تلبية طلباتهم، فكر الضباط في ضرورة رحيل الملك وأن يتنازل لولي عهده عن العرش، بل وصل تفكيرهم إلى ضرورة إعدامه وانتهوا إلى نفيه خارج البلاد بعد تنازله عن العرش.

ويذكر رشاد مهنا وكان قائد حامية العريش أنه اتصل بمركز القيادة في القاهرة وقال لهم أن لم يغادر الملك سينزل بحاميته لفعل ذلك، وبعدها بأيام كان رشاد وصيا على العرش مع الأمير محمد عبد المنعم وبهي الدين بركات باشا.

تلك الفترة من عمر الوطن كتب تاريخها طبقا للأهواء، فقيل أن الملك زير نساء يحتسي الخمر ويمارس كل المجون، وأنه كان مستهترا يسهر في النوادى الليلية، ويعتدي على الدستور والقأنون، وهذا ما نفاه كل من كان قريب الصلة بالملك.

لقد قال فؤاد سراج الدين أن الملك اثناء حكومة الوفد لا يستطيع أن ينقل غفير أو موظف من مكان لمكان فكيف كان هذا التجني عليه؟

عندما دخلنا حرب 1948 وكانت الحكومة في ذلك الوقت موالية للملك حصل الجيش على موافقة البرلمان بسهولة، وأيد النقراشى باشا رئيس الحكومة وقتها دخول الحرب، مبررا موقفة أنها ستكون نزهة ستنتهى بإبادة اليهود، ودخلنا حرب بدون استعداد، وعندما خسروا الحرب ادعوا أن الأسلحة كانت فاسدة وهذا أيضا ما نفاه المنطق والواقع وكل الشهود برروا موقفهم في ذلك، بل قالوا إن الملك كان يهتم بالجيش والتسليح ونظرا لظروف ما بعد الحرب العالمية كان ممنوعا بيع السلاح إلى العرب فكان عليهم تجميع السلاح والذخيرة من أي مكان ويتم السداد نقدا وما حدث أن هناك مدفع نتيجة الضرب المتواصل سخنت فوهته فعند وضع الدانة به انفجرت، وادعوا هذا الادعاء الذي برأته التحقيقات، إنما كانت شائعات لإحراج الملك، وقد نفى صدقي ذلك أيضا، مع أن الملك كان مع ضرورة مواصلة الحرب ويرى أن اليهود سيكونون عقبة مستقبلية أن لم يتم الانتصار عليهم وتلك نقطة جعلت منه عدوا للإنجليز والأمريكان في وقت واحد ومكروها منهم ويرغبون في الإطاحة به.

ما زال في حلق فاروق غضاضة من حادث 4 فبراير، ومحاصرة قصر عابدين، وفرض حكومة يقودها النحاس بالقوة وغصبا عن الملك كسرت حب الضباط له والشعب أيضا، مما جعله يهتم بالجيش بعدها وكل ما يخصه ويزورهم سنويا في نادى الضباط في ذاك التاريخ 4 فبراير.

حتى اتهام الملك بحريق القاهرة كان ادعاء، ففي ذلك الوقت كان يقام حفل سبوع ولي العهد وكل رجال الدولة وقادة الجيش في الحفل وكانت القاهرة تحترق، ونزل الجيش وقتها للسيطرة على الأمور، في وقت كانت الحركة الوطنية على أشدها ضد الإنجليز في منطقة القناة وتتوالى فيها العمليات الفدائية لإرهاقهم حتى يتم الجلاء، أنما اتهم الملك وكان يجب البحث عن صاحب المصلحة الحقيقي في خلق تلك الفوضى.

هناك أسئلة كثيرة نحن كجيل لم نشاهد هذا العصر أنما عشنا مع فوضى المذكرات وما دون في التاريخ ما بين روايات مختلفة ومتضاربة لا نستطيع الانحياز لأي منهما أنما تدفعنا الأهواء والأيدلوجيات أحيانا للانحياز إلى رواية نراها حقيقية.

ففي عهد فاروق كانت أفضل فترات الحكم الليبرالي والتي بدأت بعد ثورة 1919 وصولا إلى فترة حكمه، وكانت مصر برغم أنها تحت وطأة الاحتلال إلا أنه كان فيها إبداع فني وثقافي وحرية ونقلة حضارية عامة، وما قدمه طلعت حرب باشا من شركات مصرية صميمة ومعه العديد من المصريين بمختلف عقائدهم الدينية التي تلاشت ولم يبق سوى مصر في وجدانهم، وحقيقة أخرى الفقر المدقع وسطوة الباشوات وأن المصريين حفاه عراه وهذا ضد الحقيقة لكن نقلت لنا الدراما والسينما ما يردون لنا أن نصدقه.

فكل الضباط من بعد معاهدة 1936 تحديدا كانوا من أبناء المصريين البسطاء، وكان التعليم مجاني وهناك قصص كثيرة لعباقرة من المصريين تعلموا ونجحوا من عأمة المصريين.

سؤال يشغلني لماذا فاروق لم يستعن بقواته التي تحت أمرته في الإسكندرية كما أوضحنا، أو بالإنجليز أو الأمريكان لحماية عرشة والانصياع لضغوطهم، أم هي شهامة ووطنية من ملك مصري رفض أن تسال دماء أبناء وطنة في سبيل عرش زائل؟

وهناك أقوال كانت تتردد أن فاروق قد مل من الحكم والصراعات والضغوط، وأنه كان يتجه إلى التنازل عن العرش طواعية لذلك لم يبد رغبة في الدفاع عن عرش أجداده.

لقد بدأ فاروق حكمة وهو في سن 18 عاما طبقا للتقويم الهجري، في 21 يوليو 1937، محبوبا من المصريين، لكن يجب أن نعلم أن فاروق لم يستكمل تعليمه وعاد بعد عام من إنجلترا ليتولى الحكم بعد وفاة والده الملك أحمد فؤاد، وعندما حاولوا أن يحيطوه بشباب في مثل سنة من المتعلمين سأم ذلك وأدرك بالعجز لأنه غير متعلم فابتعد عنهم وانغمس مع حاشيته.

ولا ننسى أن تربية والده الصارمة له ولإخوته البنات، كانت في عزلة تامة، ومنع عنهم أي اتصال من خارج القصر، كل ذلك كان له تأثير كبير في شخصيته، ولكنه استطاع أن يحصل على حب الشعب في بداية عهده، حتى بدأ في فقد هذا التعاطف بعد حادث 4 فبراير، ولكن الذي قضى على البقية الباقية كان طلاقة من الملكة فريدة التي كان يحبها الشعب جدا، ثم زواجه من ناريمان صادق 6 مايو 1951.

فاروق الشاب الصغير وجد نفسه محاطا بكبار رجال الدولة، منغمسا في ظروف الحكم والبرتوكولات والأعباء وهو ليس لديه الخبرة الكافية.

فاروق الذي كان ملك مصر والسودان أنهت حركة الضباط مسيرته، وتم تنازله عن العرش ونفيه في اليوم الثالث للحركة إلى إيطاليا، وقبل أن يستقل المحروسة ليودع الوداع الرسمي في حضور كبار رجال الدولة، لينهض نجيب ومعه بعض الضباط الذين تأخروا على لحظة الوداع ليستقلوا لانش يطوفون به حول المحروسة ليأذن لهم الملك، ويذهب وفد منهم لتحيته ووداعه وتمنى لهم التوفيق فيما هو قادم فما زالت مصر ملكية وابنه هو ولى العهد، ليبدأ عهدا جديدا في حياة فاروق وعمره ما زال 32 عاما وهو ملك معزول.

تابع مواقعنا