الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الطريق إلى النكسة

عبد الغني الحايس
مقالات
عبد الغني الحايس
الأربعاء 09/أغسطس/2023 - 06:00 م

حظي الرئيس عبد الناصر بشعبية طاغية داخل الشعوب العربية والإفريقية، لكن نكسة يونيو 1967 وأدت الحلم القومي العربي الذى ظل يراوده، فقد كانت النكسة مريرة، وانقلبت معها كل موازين القوى والتطلعات، ونقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي، وضربة قاسمة لكل الدول العربية، عبد الناصر الذي أحبته الشعوب العربية، عكس قادتها.

انتهت الهزيمة المريرة باحتلال إسرائيل أجزاء من أراضينا العربية، ناهيك عن الخسائر البشرية والاقتصادية، والعسكرية.

صحيح مصر خسرت الحرب، ولكنها استعادت قوتها سريعا، ونظمت صفوفها، وتنازل عبد الناصر عن مجده القومي والعربي، وأخذ التفكير في إزالة آثار العدوان، بإعاده هيكلة القوات المسلحة، فكانت معركة رأس العش بعد النكسة سريعا، في رسالة بأننا لن نستسلم وسنحرر الأرض، واستمرت حرب الاستنزاف التي كبدت اسرائيل خسائر فادحة، وأثبت بطولة وشجاعة المقاتل المصري.

وقد تحقق النصر في حرب أكتوبر 1973 واستعادة كامل أراضينا المحتلة، بعد توقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل وبرعاية أمريكية (معاهدة كامب ديفيد1979)، واستعادة طابا بعد معركة قانونية طويلة ومريرة، ولكننا خسرنا كثيرا من الحلفاء العرب بعد توقيع اتفاقية السلام، ووصل الأمر إلى نقل مقر جامعة الدولة العربية إلى تونس.

لكن يجب طرح بعض الأسئلة عن تلك النكسة، والبحث عن أسبابها، ومن يتحملها:
من ورطنا في حرب ونحن غير مستعدين لها؟
هل دخلنا الحرب بقرار سياسي أم بقرار عسكري؟
هل دعم عبد الناصر حركات التحرر في إفريقيا والدول العربية، وإرساله قوات كما حدث في الكونغو وانغماسه في حلمه القومي والحفاظ على شعبيته جعلته يهمل واجباته في الداخل؟
هل الصراع على السلطة بين مجموعة المشير ومجموعة ناصر أحد الأسباب؟
هل كانت ثقة عبد الناصر في عامر أحد أسباب الهزيمة؟
هل كان قرار الحرب في عقل عبد الناصر فعلا أم كان يريد استفزاز إسرائيل فقط؟
هل ورط السوفييت ناصر في الحرب عندما تم تسريب معلومات أن إسرائيل حشدت قواتها أمام الجبهة السورية في 15 مايو 67، برغم أن أشكول طلب من السفير السوفيتي أن يذهب إلى الجبهة ومشاهدة الواقع أنه لا يوجد حشود، ورغم تأكيد الفريق فوزي الذي ذهب إلى سوريا وأكد صدق أشكول وكذب ادعاء السوفييت لكن تمادى عبد الناصر واندفع إلى اتخاذ قرارات كانت بمثابة إعلان حرب رغم علمه عدم جاهزية قواته؟
هل عبد الناصر استفزه موقف السعودية المعادي له، والإذاعات الأجنبية التي تهاجمه، والرئيس الأمريكي، وعلاقاته المضطربة مع الغرب وخصوصا فرنسا وإنجلترا، ومعاداته هو شخصيا بعضا من القادة العرب علانية دفعته إلى غلق المضايق واستفزاز إسرائيل للدخول في حرب هو غير مهيأ لها؟
هل نسي عبد الناصر أنه بعد حرب 1956 وقع اتفاقا بضرورة حرية الملاحة لإسرائيل وعبور بضائعها على سفن غير إسرائيلية، والسماح بقوات دولية في سيناء، ورغم ذلك أغلق المضايق في وجه إسرائيل (مضيق تيران)، وطلب سحب قوات الأمم المتحدة، وحشد قواته في سيناء كلها أمور اعتبرتها إسرائيل اعلان حرب عليها؟
كان عبدالناصر يستفز إسرائيل، وهو لا يعلم شيئا عن قدرات جيشه، سوى رد المشير عامر عليه عندما سأله هل أنت مستعد؟ فقال له: “برقبتي يا ريس”.

وبرغم أن عبدالناصر اجتمع في إحدى القواعد الجوية ببعض القادة وسألهم ما هي الخسائر لو تلقينا الضربة الأولى؟
فكان رد صدقي: “سنخسر 85%، وإن كنا سنذهب إلى الحرب فيجب أن نبدأ أولا، وأن مصر غير مستعدة للحرب”، ولكن عبد الناصر أصر أن نتلقى الضربة الأولى وكانت قاسمة، خسرنا فيها كل قواتنا الجوية، بل والمعركة قبل أن تبدأ، برغم أن إسرائيل كانت تحارب في ثلاث جبهات: الجبهة المصرية، والسورية، والأردنية، وإن ما تمتلكه الجيوش العربية من العتاد والقوات والأسلحة أكبر وأكثر من إسرائيل بكثير، لكنها وضعت خطتها بإحكام واستطاعت في ضربات جوية متتالية القضاء على الطيران المصري، وضرب مطارات في الأردن وسوريا، وكان إجمالي خسائر الطيران 416 طائرة عربية مقابل 26 طائرة إسرائيلية، ووصلت بقواتها البرية إلى قناة السويس وتم احتلال شبه جزيرة سيناء بمصر، والجولان بسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

وقبلت مصر قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النيران وكذلك سوريا والأردن، وكسبت إسرائيل أرضا لم تحلم بها غير مكسبها السياسي والعسكري والاقتصادي وزيادة غطرستها.

لكن يجب أن نسرد سريعا لماذا كانت النكسة وتلك الهزيمة القاسية؟
عندما قامت حركة يوليو ثم اختيار الصاغ عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة، وترقيته إلى لواء، برغم صغر سنه وقلة خبرته على مهام عمله. 
عبد الناصر في عام 1962 اقترح تشكيل مجلس للرئاسة ليحد من سلطة عامر داخل الجيش لكنه فشل، وعاد عامر بعد استرضائه أقوى من ذي قبل.

وهنا لا بد أن نعترف أنه كان هناك صراع على السلطة حتى لو كان مستترا لم يظهر إلى العلن، فوثق عبد الناصر في عامر وترك له الأمور داخل القوات المسلحة دون أن يتدخل وهذا خطأ جسيم منه، ناهيك عن انشغال عامر بأمور السياسة وتوليه مهام كثيرة بعيدة عن دوره العسكري.

 
الجيش كان يعاني من قلة الأسلحة وضعف التدريبات، وبقاء كثير من القادة لمدة طويلة في مناصبهم برغم قلة كفائتهم، وكان الولاء يطغى على الكفاءة.

جزء من جيشنا المدرب بأسلحته كان في اليمن يخوض حرب عصابات غير نظامية لم يتدرب عليها؛ فخسرنا الكثير من الأفراد والمعدات العسكرية.

في لقاء لي شخصيا مع المرحوم اللواء طيار محمد زكي، وكان من ضمن المتواجدين في اليمن كان يقول لي: "لا أحد يقول لنا لماذا نحن هنا؟ وإن كان اليمنيين أنفسهم معنا صباحا، ومنقلبين علينا ليلا، وإن السعودية كان لها دور كبير في هذا الأمر.

عندما تم استدعاء الجنود الاحتياط، ذهبوا بملابسهم المدنية الى الجبهة مباشرة، وهم غير مستعدين تماما وغير مدربين ولا متواكبين مع التطور في الأسلحة.

ولا ننسى قرار المشير عامر بالإنسحاب الذي تم بشكل عشوائي، فقدنا معه كثيرا من الجنود والعتاد العسكري، في حرب خاطفة أصابتهم بالذعر والخذلان والانسحاب.

ولقد قابلت العقيد أسامة علي الصادق أثناء مناقشة كتابه “الناس والحرب” وهو يسرد كيف كان الانسحاب بشكل عشوائي في صحراء شاسعة مكشوفة للعدو، يتصيد منها كيفما شاء لأننا فقدنا الغطاء الجوي، حكى مأساة حقيقية أبكت كل الحاضرين.

كانت الهزيمة قاسية على كل المصريين، لكن الغريب يوم 9 يونيو 1967 خرج عبدالناصر ليلقي خطاب التنحي، فخرجت الجماهير الهادرة في كل مكان تطلب منه عدم التنحي، وكان يجب عليه أن يتحمل مسئوليته هو وكل من تواطأ في تلك النكسة، وكل من صنع أكذوبة قبل الدخول في تلك الحرب أننا سنفرم إسرائيل ونرمي بها في قاع البحر، ومن جعل المصريين بل والعرب يؤمنون بشعارات لا معنى لها، واستمرت الإذاعة تلقي على مسامعهم الأكاذيب حتى استيقظوا على الهزيمة المرة، ومعها كل الوجع والألم ثم يخرجون يطلبون من صانع تلك المأساة: “انتظر معنا لا ترحل”.

ومع لقاء قادم مع رحلة ما بعد التنحي.

تابع مواقعنا