الثلاثاء 30 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أخلاق العبيد

الجمعة 22/سبتمبر/2023 - 03:29 م

للوهلة الأولى إذ ما ساقك فضولك قارئي المغامر للضغط على رابط المقالة لتصفحها، فإن ذلك مرده لاعتقادك أنها مقالة نقدية لفيلم أخلاق العبيد بطولة خالد الصاوي والصادر عام 2017 أو شيء من هذا القبيل، خاصة وأنها مقالة تأتي بعد ما يربو على الست سنوات منذ عرض الفيلم، فلماذا جاءت متأخرة؟! 

ولعل ذلك دافعك الثاني لقراءة هذه المقالة للإجابة عن استفهامك السابق؛ إلا أنه يؤسفني أن أبدد توقعاتك سريعًا فلا أراوغك بضع سطور أخرى في قراءة ما لا يفيدك، وأشير عليك بأن "أخلاق العبيد" إنما هو عنوان لمقالة أدبية بليغة للفيلسوف المصري الكبير ذكي نجيب محمود، كانت آخر ما كتبه في كتابه "جنة العبيط" – وهو قطع أدبية بديعة مختارة له- نُشرت أول مرة عام 1947م، وأُعيد نشرها، ومتاحة إلكترونيا إذ ما رغبت في المزيد.

ويُشير تعبيره المذكور إلى نضوب الأفراد والأمم عن الخلق إذ ما هي استمرت في عبوديتها؛ ولعلنا نوضح لك مقصده، فأما الخلق الذي يقصده فهو كل مبتكر ومبدع وجديد ينفع ويجانب التكرار، وأما العبودية المقصودة فليست أن تأنس وتسلم في الأغلال والأصفاد التي تكبل يديك وقدميك عزيزي القارئ، وإنما أغلال وأصفاد النفس والفكر في محيطنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فإذا ما أمعنت نظرك حولك لن تجدها ماثلة من حديد أو نحاس، ولكن يمكنك بيسر ملاحظتها في والدك وزميلك وتلميذك ومديرك وزوجتك وحتى النشء الذي في بيتك.

إن غل الأغلال وصفد الأصفاد إنما هو تسليمك للأمر لا تدبره وإيمانك به لا تشكك فيه وإعمالك له لا تناقشه في بيتك وفي عملك وفي الشارع وفي المدرسة وحتى في المسجد والكنيسة، فإنما أنت تتقبل الأمر الصادر عن خارج نفسك ليس إلا لسبب وحيد وهو أنه صادر لك من غيرك، وتؤمن به ليس إلا لترهق نفسك في التفكير والتشكيك والنقد له وهو ما يستنزف من طاقتك وفراغك، وإعمالك له حبًا في فكرة الاستبداد بوجهيها فأنت تُحب أن تكن مستبدًا أو مستبدًا بك، لما في ذلك من دعة واستقرار وللنفس والجسد، فنحن لا نحب إلا العاجزين في مقدرتهم الباسطين لسيطرتهم، وهو ما ينعكس في واقعنا بأكمله.

فالأب الذي يرى في كلمته القداسة ورغبته السمو وعطفه الرحمة على رعيته التي يرعاها هو ذاته التلميذ الذي تلقى العلم لسنوات من أساتذته حفظًا ونقلًا وليس تدبيرًا ونقدًا، وهو ذاته الأستاذ الجامعي الذي يعتقد في نقله للعلم الذي حفظه أنه بذلك عالمًا فذا لا يؤتيه الضلال فتنتفخ أوداجه أكثر وأكثر بين زملائه وأمام طلابه وإذ ما تبحرت في كتاباته لن تجدها في أحسن الأحوال إلا موضوعات إنشائية لا تختلف في جودتها عن موضوع تعبير كتبه تلميذ في الصف الخامس الابتدائي، لا تعبر إلا عن أفكار سطحية ساذجة منقولة منمقة بوعاء لفظي أنيق وتصحيح نحوي دقيق إذ ما وُجدت في الأساس.

وهو ذاته الموظف الذي يُنفذ التعليمات ويتلقى الأوامر لتنفيذها ليس تسهيلا على حياة المواطنين والتخفيف عنهم قليل من كثير، وإنما يُنفذها لأنه تلقاها مقدسة خالصة من ربه الأعلى، وهو الخطيب والقس الذي يوعظ الناس ليس لتحسين أحوالهم وإنما لتحسين حاله هو عبر أداء وظيفته المكلف بها كما ينبغي لمديره أن يراها منه.

سنتحرر من عبوديتنا في الأسرة والمدرسة والعمل والمسجد والكنيسة – وأنا من هؤلاء العبيد- لن نتحرر إلا عندما نعتقد أن الناس لهم ذات القيمة الإنسانية ليس لأنهم درجات ومواقع وظيفية وأعمال مختلفة وإنما لأنهم أحرارًا فننتقل من مصاف الناقلين والمُكررين لمصاف المبدعين المبتكرين.

تابع مواقعنا