الإثنين 29 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مدينة لا يضيئها سوى القواذف.. كيف تمر ساعات الليل على أهل غزة؟

قطاع غزة ليلًا
أخبار
قطاع غزة ليلًا
الأحد 29/أكتوبر/2023 - 04:59 م

نزع الاحتلال الإسرائيلي السكينة من ليل سكان غزة، لتصبح مدينة الرعب ليلًا، يأتي الظلام على قاطنيها حاملًا في طياته إما موتًا محتملًا أو ألمًا لفقد، تكاد لا تمر دقيقة إلا وتهتز المنازل بساكنيها إثر قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي العنيف الذي لا يتوقف مستهدفًا مدنيين عزل ربما جاء على صفحة أقدارهم أن يعيشون يصارعون الموت، حتى أصبح الموت أكثر إنسانية مما يمرون به في لياليهم، فالجميع مشروع شهداء أو جرحى أو مجروح بألم فقد حبيب.

في تلك القصة نسرد بعضًا من حكايات سكان غزة مِن مَن كتب لهم النجاة من بطش الاحتلال ومنحتهم الحياة فرصة أخرى للعيش، على السنتهم لرصد ما يمرون به خلال ظلام الليل، فمنهم من خسر منزله ونزح أكثر من مرة هربًا من الموت وآخرون أصيبوا وغيرهم فجعوا بآلام الفراق وأطفالًا أصيبوا بحالات من الهلع، خلال الأيام الماضية منذ بدء عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر الجاري، التي وصفتها إسرائيل بالمأساة الأكبر في تاريخها.

البحث عن الونس 


ما إن تغيب الشمس وتنقضي ساعات النهار، تفر سارة عاشور وعائلتها نحو وجهة تتحلى بالونس وليس بالأمان، فلا أمان هنا تحولت ساعات الليل إلى كابوس وجو الخريف صار من نعمة إلى نقمة، فسكان القطاع على موعد من ساعات الرعب، حيث يكسو الظلام الدامس أرجاء المدينة ولا يبصرون الإضاءة سوى من لهيب القذف على المنازل في ظل ضجيج قذف لا يتوقف.

«في الليل لا نبحث عن الأمان، ولكن نبحث عن الونس، الأمان عند ربنا فقط، ما في بالدنيا أمان خلاص، الي كتبه ربنا هيصير فأصبحنا نبحث عن الونس فقط صرنا نتجمع حوالين بعض، العائلات كلها تنام مع بعض؛ فإذا متنا نموت مع بعض.. في النهار بنقدر نطمن على حبايبنا، نطلع على الشباك نشوف وين الدخنة وعلى مين نزل القذف، ولو صار القذف في النهار راح يشوفونا أما بالليل ما في حدا يشوفك فـ نظل تحت الأنقاض حتى شروق الشمس.. والأغلبية تكون روحها فارقت جسدها»، تقول الفتاة التي تزحف نحوالـ 23 ربيعًا من عمرها.

سارة عاشور

 

تتذكر الغزاوية ليل ما قبل الحرب، وكيف كانت تنتظر إتيانه بفارغ الصبر، لتقضي لحظاته بين السهر والحكي واللف في أروقة شوارع غزة وكيف كانت تتعالى ضحكاتها فيها، حيث اعتادت على الاستمتاع بليلها بـ«شارع الرومانسية» كما تحب أن تطلق عليه، إحدى شوارع غزة، الذي يتميز بالهدوء والإضاءة المختلفة، ولكن كعادة الاحتلال ينزع كل ما ينبض بالحياة تعرض ذلك الشارع للقصف فلم يعد في غزة رومانسية ولا هدوء ولا أمان ولا أي شئ، وصار الليل أكثر ما يخيف سكانها.

ليلة 15 أكتوبر بأول أسبوع بالحرب، كانت أصعب ليلة مرت على الفتاة العشرينية لوقوع قصف شديد بجانب، تحفر تفاصيل تلك الليلة بذاكرتها توصفها بالليلة التي لا تنسى، وبحاجة للاستعانة بطبيب نفسي لتتمكن من تخطيها.


لا ليلة أصعب من الأخرى

«الليل يمر كشخص وحيد في غابة ممتلئة عن آخرها بالوحوش ما بنعرف إذا هيطلع علينا الصباح مرة أخرى، واذا عيشنا هل سيعيش أهلي وحبايبي؟! وإذا متنا هل سنشعر بالآلام؟ وماذا عن حسرة الأحباب علينا.. وحسرتنا عليهم؟».. خالد أبو سلطان، واحد من سكان أبراج المخابرات، قضى الاحتلال على منزل عائلته ومنزله ومشروعه مصدر رزقه الوحيد في آن واحد، نزح 6 مرات هربًا من بطش الاحتلال الغاشم، لكنه في الأخير قضى على أحلامه في إحدى ليالي خريف أكتوبر.

خالد أبو سلطان

لا ليلة أصعب من الأخرى مرت على خالد منذ بداية الحرب، كلها أيام صعبة، فمع حلول منتصف الليل تشتد غارات الاحتلال على المدينة، وتجد زوجته رفيقة دربه مسكنها بأحضانه، يقرأ عليها القرأن، في محاولة لتهدئتها والتقليل من روعتها، يطلب منها أن تصرخ تفعل أي شئ ولا تكتم خوفها ليطمئن عليها، في مشهد اعتادوا عليه رغمًا عنهم، بدلًا من الجلوس على شط غزة ليلًا واحتساء كاستين قهوة يهون معهم صعوبة الحياة في جلسة تختم دومًا بـ «المهم احنا مع بعض وكل شي هيعدي».

الشاب الثلاثيني، كان يحلم بأن يكون إعلاميا للناس لينشر الوعي بينهم، ولكن كالعادة الاحتلال له رأي أخر، وأصبح كل ما يتمناه العيش بسلام دون دم أو موت وألا تطول ساعات الليل حتى لا يزداد الوجع: «ما رح تكفيني كل أبجديات الدنيا ولا قواميس العالم لوصف ما نعيشه، الليل صار كتير كتير ثقيل ومزعج وطويل، يارب ما يغيروا التوقيت وترجع الساعة ساعة للخلف حتى لا يطول الليل.. فوجعنا أيضًا رح يزيد».


ليلة في مدينة الرعب

في ليلة من ليالي أكتوبر عقب عملية طوفان الأقصى، حيث أبراج المخابرات الواقعة على بحر غزة، اشتدت غارات العدو، كانت خلود تحتضن صغارها، وتهرول رفقة زوجها نحو سلم المنزل للنجاة والخروج منه عقب تعرضه للقصف، ليس هو فحسب فالمنطقة كلها أصبح لا وجود لها، لتنجو هي وزوجها وأطفالها وتفقد منزل الزوجية و«تحويشة العمر»، ويصاب طفلها صاحب الـ 4 سنوات بنوبات من الصراخ لا تتوقف فعل الحرب وما أبصرته عيناه من جرحى وموتى وبيوت مدمرة.

في تمام السابعة مساء بتوقيت فلسطين المحلي من كل يوم، حيث بداية ساعات الليل، تبدأ خلود سمير صاحبة الـ 30 عامًا، حالة الاستنفار لدى الأم وأطفالها «سيفين ووجدي»، ليسكنوا حضنها: مع بداية الليل يصير أولادي بحضني؛ حتى إذا صار أي قصف عطول برمي حالي فوقهم احميهم من أي شئ يوقع عليهم.. بنضل طول الليل نراقب صوت القصف بعيد ولا قريب، لما يكون قريب كتير بنطلع نجري عالدرج على أساس أكتر مكان أمن بالبيت.. بنضل هيك طول الليل ما في نوم ولا دقيقة، خوف يصير بالأولاد وأهلي، بنضل بس على الأخبار».

خلود سمير وعائلتها 

نزحت الأم منذ بداية الحرب من منزلها، ثم إلى منزل الأهل والذين دمروا بالكامل، ثم منزل شقيقتها وأخيرًا توجهت نحو الجنوب حيث خان يونس، وخلال تلك الأيام شاهدوا ما يجعلهم يشيخون قبل موعدهم، وهو ما لم يتحمله الصغيران، حيث تسببت حالة الخوف والهلع التي يعيشوها في الاصابة بالسخونة، أما الطفل وجدي أصيب بحالة من الرعب والهلع، وأصبح يدخل في دوامة صراخ لا تنتهي مع أقل صوت يطرأ مسامعه، تحاول طمأنته ولكن كل محاولتها تبوء بالفشل إثر القصف المتواصل، ويظلون على ذلك الوضع حتى طلع نهار يوم جديد ليشعر بالأمان قليلًا.

 

تابع مواقعنا