الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

حضور عربي وكفاح ثوري.. سر التضامن الشعبي والرسمي لدول أمريكا الجنوبية مع القضية الفلسطينية

مظاهرات في مدن بالبرازيل
تقارير وتحقيقات
مظاهرات في مدن بالبرازيل دعما للقضية الفلسطينينة
الإثنين 06/نوفمبر/2023 - 02:58 م

والتل.. تل أبيب سوف نتركها تلًا ** من الروم في بحر من اللهب

بنيتموها بمال السحت عاصمةً  ** وليس يعصمكم منا سوي الهرب

هذه الأبيات وغيرها كتبها أحد أهم شعراء المهجر في القارة الأمريكية الجنوبية وواحد من مؤسسي العصبة الأندلسية هناك وهو إلياس فرحات، بعدما هاجر والملايين غيره من بلاد الشام، إبان القرن التاسع عشر إلى تلك البلاد هربا من التضييق العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، والظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشوها، لتتولى الهجرات خاصة للفلسطينيين مع النكبة عام 1948، للبحث عن فرصة وواقع أفضل في بلاد الأحلام، وأملا في العودة لأراضيهم وحقهم التاريخي في وطنهم ولو بعد حين.

مظاهرات العرب في البرازيل
مظاهرات العرب في البرازيل

بوليفيا تقطع العلاقات مع إسرائيل.. وكولومبيا وشيلي يسحبان سفيريهما

منذ الـ 7 من أكتوبر المنصرم، وما تلا هذا التاريخ من قصف متعمد للمدنيين الأبرياء والمستشفيات والمنازل في قطاع غزة، بواسطة آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة والتي تسببت حتى تاريخ كتابة تلك الكلمات في استشهاد أكثر من 9 آلاف مدني جُلّهم من الأطفال بينما تجاوزت الإصابات الـ 25 ألفا.

مواقف رسمة داعمية للقضية الفلسطينية من بوليفيا وتشيلي وكولمبيا 

وفي المقابل تتضامن الكثير من الشعوب والحكومات من دول أمريكا اللاتينية مع القضية الفلسطينية، وآخرهم موقف بوليفيا من قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وسحب دولتي تشيلي وكولومبيا سفيريهما من تل أبيب، بالإضافة إلى تظاهرات حاشدة تجوب شوارع المدن والعواصم هناك دعما لأهالي غزة.

مظاهرات حاشدة في مدن برازيلية دعما لفلسطين

أوقفوا القتل.. الحرية لفلسطين.. عبارات رددها الشاب السوري عمر رضا، وآلاف غيره حاملين الأعلام الفلسطينية يجوبون بها عاصمة ولاية بارانا “كوريتيبا” البرازيلية، والتي وطأتها قدمه منذ أشهر قليلة، لكنه سرعان ما دفعته عروبته وإنسانيته للمشاركة فيها جنبا إلى جنب مع إخوانهم العرب هناك وأشقائه الأحرار من البرازيليين.

الشاب السوري عمر رضا خلال مشاركته بتظاهرة تضامنية مع فلسطين في ولاية بارانا بالبرازيل

ويروي لنا الشاب عمر رضا، والذي تواصلنا معه، بأن هناك الكثير من التظاهرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والمنددة بقصفه الوحشي واستهدافه المدنيين الأبرياء والداعمة للقضية الفلسطينية في مدينته ومدن كثيرة كـ ريو دي جانيرو، وساوباولو وغيرها، موضحا أنها استقطبت الكثير من العرب وغير العرب.

ويوضح بأن نسبة العرب بتلك التظاهرات تصل لـ 20%، بينما وصلت نسبة البرازيليين المشاركين فيها بنسبة 80 %، وهو ما يوضح بجلاء الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، بخلاف الدعم الرسمي من خلال موقف وخطابات الرئيس البرازيلي لولا دي سليفا، ووصفه في حديث تليفزيوني سابق بأن ما يحدث في غزة ليس حربا وإنما إبادة جماعية.

أسباب هجرة الشوام والفلسطينيين إلى أمريكا الجنوبية

توركس.. هذا المسمى الذي أطلقه سكان دول أمريكا الجنوبية، على الشوام ممن هاجروا إليها بسبب زيهم التركي وارتدائهم للطربوش، حسبما يروي لنا الدكتور إسحاق عزيز أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والمتخصص في تاريخ أمريكا اللاتينية بكلية الآداب جامعة عين شمس، مشيرا إلى أنه منذ حوادث الستين والتي حدثت بجبل لبنان بحق الدروز والموارنة عام 1860م، وبسبب التضييق العثماني لعدد من الطوائف، بدأت الموجة الأولى للهجرة مرورا بالموجة الثانية خلال الحرب العالمية الأولى 1915، وما تبعها من أحداث على يد قائد الجيش العثماني جمال باشا الجزار والظروف الاقتصادية الصعبة في تلك البلدان، وأخيرا بالموجة الثالثة للفلسطينيين عقب النكبة وتهجيرهم قسريا على يد العصابات الصهيونية من بيوتهم وقراهم عقِب حرب الـ 1948، ليستقر العرب في عدد من الدول من بينها البرازيل والأرجنتين وأورجواي والبارجواي وتشيلي وغيرها.

الشوام.. رؤساء دول ورجال أعمال ورؤساء بنوك مركزية في أمريكا اللاتينية

ويشير الدكتور إسحاق عزيز أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إلى أن القوانين في دول أمريكا الجنوبية وطبيعتها كونها في بداية التكوين في ذلك التوقيت، فتحت ذراعيها وشجعت للهجرة إليها لاجتذاب الموارد البشرية ورؤوس الأموال والتدفقات المالية للاستثمار فيها بسبب كثرة مواردها والأراضي الشاسعة الخصبة فيها، مؤكدا أن الشوام امتلكوا رأس المال والخبرة ليبدأوا العمل في مجالين وهما التجارة وتملك الأراضي الزراعية.

عدد من الرؤساء من أصول عربية ممن تولوا السلطة في السلفادور والبرازيل 

ويؤكد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أن الشوام بسبب تفوقهم في مجال الاستثمار وتنمية رأس المال في كثير من المشروعات التي عملوا بها، دفعهم بقوة نحو الحياة السياسية في البرلمان والأحزاب وشكلوا ثقلا كبيرا في اتخاذ القرار، لافتا إلى أن كثيرا منهم وصل إلى سُدة الحكم في تلك البلاد ومنهم الفلسطيني الأصل نجيب بوكيلة، رئيس السلفادور، وكارلوس منعم الرئيس الأرجنتيني الأشهر والأكثر بقاء في كرسي الحكم، والرئيس البرازيلي السابق ميشيل تامر، ورئيس الإكوادور جميل معوض وغيرهم.

الشوام يؤثرون في الحياة الأدبية والفكرية في أمريكا الجنوبية

وساعدت الهجرات العربية إلى دول أمريكا اللاتينية، بحسب تصريحات الدكتور إسحاق عزيز، على إثراء الحياة الاقتصادية والفكرية والسياسية والأدبية حتى أصبح المكون العربي جزءا لا يتجزأ من الثقافة الأدبية ومنهم أدباء وشعراء العصبة الأندلسية وبعض الفنانين العالميين من بينهم النجمة المكسيكية اللبنانية الأصل سلمى حايك، والمطربة العالمية شاكيرا؛ والتي ترجع أصولها لأب لبناني وأم كولومبية، وتضامنت مع استشهاد عدد من الفلسطينيين على يد قوات الاحتلالن لتقرر إلغاء حفلها في تل أبيب، في الأول من يونيو 2018.

المطربة العالمية شاكيرا

فلسطين.. نادي الكرة الأشهر في تشيلي

ويتطرق إلى أن مشاركة الشوام وخاصة الفلسطينيين تخطت السياسة وعالم المال والأدب، لتصل إلى كرة القدم معشوقة الجماهير أو الساحرة المستديرة والتي يعشقها الأمريكيون الجنوبيون ويراهم البعض بأنها أفيونهم، لافتا إلى أنهم أسسوا ناديا رياضيا تحت اسم فلسطين أو ديبورتيفو بالستينو؛ أي فلسطين بالإسبانية، عام 1920، وتتألف ألوان القميص من الأحمر والأخضر والأسود، وهي ألوان العلم الفلسطيني، دعما للقضية.

لاعبو فريق نادي ديبورتيفو بالستينو في تشيلي

دول أمريكا الجنوبية.. بلاد تحب الحرية والكفاح الثوري

وبسؤاله عن أسباب الدعم الرسمي والشعبي لكثير من دول أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية، يُرجِع ذلك ليس فقط بسبب التواجد العربي والأصول العربية للنخب السياسية والاقتصادية هناك، وإنما إلى شعوب تلك القارة التي تتطوق للحرية؛ وكفاحها على مر العصور ضد الاستعمار البرتغالي والإسباني، ثم ما لبست تناضل في كفاح ثوري ضد الهيمنة الغربية تارة والإمبريالية الأمريكية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الرئيسي لإسرائيل، تارة أخرى.

جيفارا يزور غزة 

ويدلل أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بموقف الثائر الكوبي الشهير أرنستو تشي جيفارا، وزيارته لقطاع غزة عام 1959، وموقف الرئيس الفنزويلي السابق هوجو تشافيز، لكنه في المقابل وبسبب السياسات والمصالح القائمة بين الدول في حال الموقف الرسمي للحكومات تؤيد السياسات الغربية والإسرائيلية، فيقابلها بضراوة دعم للقضية الفلسطينية على المستوى الشعبي.

جيفارا يزور غزة عام 1959

واختتم حديثه بضرورة استغلال الانحياز من دول أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية، وتسخيره للضغط على المجتمع الدولي، وهو ما يظهر بجلاء من خلال المبادرات التي تطرحها تلك الدول بالمنظمات والمحافل الدولية.

عدد سكان العرب في دول أمريكا الجنوبية 

تشير بعض التقديرات إلى أن 40 مليون شخص من أصول عربية يعيشون في أمريكا اللاتينية، منهم 15 مليونًا في البرازيل وحدها، وتأتي الأرجنتين في المرتبة الثانية بـ6 ملايين نسمة، أما فنزويلا فتأتي في المرتبة الثالثة بمليون نسمة، وهاجر إلى تشيلي حوالي 600 ألف من أصل عربي، منهم نصف مليون فلسطيني، هؤلاء جميعهم انصهروا للعيش مع سكان القارة والتي يقدر عددهم في الوقت الحالي بأكثر من 440 مليونا من المحبين للحرية.

عرب وبرازيليون يدعمون فلسطين
عرب وبرازيليون يدعمون فلسطين

الفلسطينيون والشوام في أمريكا الجنوبية

بالرجوع بالذاكرة إلى الوراء لأكثر من مائة عام، لك أن تتخيل بُعد المسافة التي قطعها الآباء الأوائل من الشام على متن القوارب الشراعية والبخارية في ذلك التوقيت يواجهون واقعا محتوما بالموت مع أمواجا المحيط العاتية التي لا ترحم ومستقبلا يكتنفه الغموض، وصولا بأرض جديدة لا قريب فيها ولا خليل، لكنهم نجحوا.

متظاهرون يضعون الأكفان عل شواطئ البرازيل تنديدا بقصف المدنيين في قطاع غزة

ورغم طول المسافة التي ترنوا على 10 آلاف كيلو متر من الشام إلى القارة اللاتينية، وعلى مدى أجيال متعاقبة لم ينقطع إحساسهم بهموم وطنهم الأم على مدى أجيال متعاقبة، وعلى تلك الأراضي الشاسعة تلاقى المجتمعان، الشوام؛ بحضور عربي وحلم الحرية لأراضيهم الفلسطينية، مع فكر الكفاح الثوري لدول الأحرار من سيمون بوليفار لـ جيفارا.

تابع مواقعنا