السبت 27 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أهداف تل أبيب وعواقب تحقيقها

الأربعاء 15/نوفمبر/2023 - 08:34 م

تدخل الحملة العسكرية الهمجية التي تستهدف الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما قطاع غزة المنكوب يومها الثامن والثلاثين، خلال هذه الفترة حقق العدوان أرقاما قياسية جديدة لحجم المأساة الإنسانية التي أحدثها بنجاح من خلال 4000 غارة جوية وقصف مدفعي وتوغل بري بالجنود المدججين بالسلاح والآليات المصفحة والدبابات.


وحتى تاريخه أسفر العدوان عن النتائج المفزعة التالية:
• أكثر من 11 ألف شهيد و29 ألف جريح ونحو 3000 مفقود تحت الأنقاض على الأرجح في عداد الموتى.
• الغالبية العظمي للضحايا من المدنيين، بما في ذلك 4500 طفل و3000 امرأة.
• تسبب العدوان في تهجير 1.6 مليون من سكان غزة البالغ عددهم الإجمالي 2.3 مليون.
• تسببت الغارات والهجمات الإسرائيلية العشوائية في إحداث أضرار بنحو 282 ألف وحدة سكنية 41 ألف منها تعرضت للتدمير الكامل، وإجمالي عدد الوحدات السكنية في قطاع غزة يبلغ نحو 400 ألف.
• 241 مدرسة تعرضت لأضرار جراء الاعتداءات الإسرائيلية ما فيها مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تأوي في مقرات تابعة لها نحو 780 ألف نازح.
• تعرضت المقرات الخاصة بالهيئات الدولية والأممية وموظفيها ووسائل تنقلها لاعتداءات إسرائيلية ما أدى لتدمير سيارات إسعاف تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر ومقتل ما لا يقل عن 101 من موظفي الأمم المتحدة.
• سكان القطاع يعيشون بدون كهرباء ووقود، ومواردهم المائية في تناقص مستمر نظرا للاعتداءات الإسرائيلية، كما أن أغلب المخابز تم تدميرها ومن بقي منها تواجه صعوبات في استمرار عملها بسبب نقص الوقود.
• وفقا لمنظمة الصحة العالمية تعرضت المنشآت الصحية في قطاع غزة لما لا يقل عن 137 هجمة أدت إلى سقوط 521 قتيل من بينهم أعضاء أطقم طبية، وبسبب هذه الاعتداءات خرج 18 من أصل 36 مستشفى عن الخدمة تمامًا، وتخضع عدة مستشفيات من بينها مجمع الشفاء أكبر مستشفيات غزة، ومستشفى الرنتيسي وغيره لحصار الدبابات والآليات الإسرائيلية، وتعاني المرافق الصحية في القطاع من التكدس ونقص حاد في المؤن الطبية والأدوية والوقود والآسرة. 
• تسبب العدوان في تدمير 70 مسجدا و3 كنائس، أي أن حتى دور العبادة لم تأمن شر الاحتلال
وما ورد من انتهاكات في الأسطر السابقة هي فقط ما تيسر لسلطات غزة والمنظمات الدولية حصره من مآسي متسمرة. 

ويذكر أن هذه الكارثة الإنسانية تدور رحاياها في قطاع غزة البالغ مساحته الكلية 365 كيلومتر مربع فقط، أي أنه بمدنه ومخيماته وأحيائه وقراه وأراضيه الزراعية والصحراوية أصغر بكثير من مدينة الإسكندرية المصرية على سبيل المثال، التي تبلغ مساحتها الإجمالية 1661 كيلومتر مربع، فلصديقي القارئ أن يتخيل حجم المأساة من خلال التأمل في هذه الأرقام والمقارنات.


ولكن ما هو الهدف من وراء هذا السيل من الجرائم العدوانية الممنهجة التي يرتكبها المحتل؟ وما هي عواقبه؟
سلطة الاحتلال منذ بداية العدوان أعلنت عن أهداف لحربها البربرية ضد الشعب الفلسطيني، لا تدفعها فقط رغبة الانتقام مما حدث في 7 أكتوبر الماضي، بل هي مدفوعة أيضا بمخططات قديمة تدور في وجدان اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لا يؤمن بحل الدولتين ويصر على إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي لا يتحقق وجودها دون التوسع في الحركة الاستيطانية وتفريغ الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية من سكانها الأصليين من الفلسطينيين.


وبالتالي قد يكون الهدف الأول لتل أبيب هو إزاحة حكم حماس في غزة والقضاء عليها، ولكن من خلال تلك الذريعة تشن إسرائيل حرب إبادة ضد أهالي غزة بهدف تهجيرهم لجنوب القطاع كمرحلة أولى، وسلطة الاحتلال تسير نحو هذا الهدف بنجاح عبر تدمير وتخريب كافة المرافق في الشمال، وإجبار من تبقى من السكان على الرحيل من خلال الحصار والمجازر والهدم والتجريف، ولعل استهداف المستشفيات والمدارس والمخابز وآبار المياه بشكل خاص الهدف منه جعل المناطق المستهدفة غير قابلة للحياة لتبدد أي فرصة لعودة قاطنيها بعد انتهاء الصراع.

والمرحلة الثانية المحتملة هي الغزو البري لجنوب غزة بهدف احتلال باقي القطاع وتهجير سكانه لسيناء المصرية وضم القطاع بالكامل لدولة الاحتلال، وهذا ألمحت إليه إسرائيل بخبث عبر تسريب وثيقة للمخابرات الإسرائيلية تدعو لتهجير سكان غزة إلى مصر، وبدعوة متحدثين رسميين باسم دولة الاحتلال سكان القطاع للذهاب إلى مصر، ولكن تراجعت إسرائيل عن هذا الخطاب على الأقل علنًا بعد تصدي مصر له وتلويح الرئيس السيسي بإمكانية تلاشي السلام بين القاهرة وتل أبيب في حال أقدمت على هذا التصرف، وبالتأكيد لا تريد إسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا مصر ولا أي عاقل أن تنجر دولة الاحتلال إلى حرب مع مصر، ولكن هذا ليس معناه أن إسرائيل تراجعت عن هذا الهدف الخبيث فهي بسياستها العدوانية الحالية وتحركاتها الميدانية البطيئة قد تهيئ الأوضاع لمحاولة فرض أمر واقع على الجميع. 


ولكن لكي تصل إسرائيل لتنفيذ مخططها القذر لابد أن تتم سيطرتها أولا على شمال القطاع ومن ثم تتجه جنوبًا، وهي لم تنتهي من هذه المهمة بعد بفضل المقاومة الشرسة التي تواجهها من الفصائل الفلسطينية، وإتمام هذه المهمة التي تتطلب احتلال شمال القطاع بما في ذلك مدينة غزة أكبر مدنه سيستغرق وقتا طويلا وفقا لقادة دولة الاحتلال، بعضهم قال أسابيع وآخرون قالوا أشهر، بل ذهب نتنياهو للقول إنه يستغرق عاما كاملا وهذا يعني أن إسرائيل على استعداد لخوض حرب طويلة، والولايات المتحدة حتى الآن لا تعارض هذا الأمر وتؤيد إسرائيل في عدوانها وإن كان لها تحفظات خافته على أهدافه وبعض جوانب إدارته، وطالما توافر الدعم الأمريكي غير المشروط فمن المنطقي أن نتوقع مضي إسرائيل في عدوانها الطويل. 

ولكن طول المدة في حد ذاته والأهداف الكبرى بالقضاء على حماس أو إخلاء نصف القاطع أو حتى القطاع كله وضمه للمشروع التوسعي الاستيطاني سيكون له عواقب في غاية الخطورة على إسرائيل ودول المنطقة كلها، وباختصار هذه العواقب تتلخص في اتساع رقعة الحرب لتدخل فيها أطراف جديدة قد تحولها لحرب إقليمية، وقد حذر الرئيس السيسي خلال كلمته بالقمة العربية الإسلامية الاستثنائية في الرياض من اتساع رقعة المواجهات العسكرية في المنطقة إذا لم تتوقف الحرب، وحذر أيضا من تراجع القدرة على ضبط النفس أمام طول أمد الاعتداءات وقسوتها غير المسبوقة، وفي هذه الكلمات رسائل خطيرة توجهها مصر ليس بغرض التهديد ولكن من باب إيقاظ قادة تل أبيب والغرب من غفوتهم لإنذارهم مما هو آت لا محالة إذا استمرت إسرائيل في استفزازاتها.


ولكن على ما يبدو أن حكام الدولة العبرية لديهم واقعهم ومعطياتهم الافتراضية المنفصلة عن الواقع، إلى الحد الذي يجعل بعضهم يضغط في اتجاه تصعيد المناوشات الحدودية مع حزب الله والدخول في حرب مفتوحة على الجبهة اللبنانية. وقد يكون الدافع الائتلاف الإسرائيلي الحاكم لإطالة أمد الحرب وتوسيع رقعتها هو البقاء في السلطة لأطول وقت لتحقيق أهدافه التوسعية الخبيثة وليتفادى نتنياهو المساءلة على فشله، خاصة وأن فرص بقائهم في الحكم بعد انتهاء الحرب ضئيلة للغاية. ولكن هذا قد يفتح على إسرائيل وعلى المنطقة سيل من الحمم البركانية ويدخلنا جميعًا في نفق مظلم يصعب الخروج منه. 
وللحرب الإقليمية سيناريوهات عديدة أبسطها وأقربها للتحقق هو الدخول في هذه المواجهة المفتوحة مع حزب الله التي قد تجر إيران ووكلائها في سوريا والعراق ونظام الدولة السورية نفسها إلى حرب واسعة النطاق ضد إسرائيل، وقد تتورط الولايات المتحدة في هذه الحرب جزئيا أو كليا لتضمن انتصار الدولة العبرية. ولا يجب أن نغفل التواجد الروسي العسكري في الأراضي السورية وتحالفها المعلن مع إيران وسوريا الأسد، في حال تدخل الولايات المتحدة في هذا الصراع المحتمل وفي ظل التوتر القائم بينها وبين موسكو على خلفية الصراع الأوكراني قد تتدحرج الأمور لما لا يحمد عقباه.


وسيناريو آخر أبعد في إمكانية حدوثه، ولا نتمناه أبدًا هو تحقيق إسرائيل لأهدافها في شمال غزة ومحاولة تكرارها في الجنوب بهدف فرض خطة تهجير أهل غزة لشبه جزيرة سيناء المصرية بالقوة، وحينها لن تقف مصر مكتوفة الأيدي وستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية سيادتها وأمنها القومي ولمنع تصفية القضية الفلسطينية، وحينها ستفتح إسرائيل على نفسها جبهتها الجنوبية من جديد وتذهب مع الريح أي مكتسبات تاريخية كانت قد حققتها بإبرام سلام دائم ومستقر مع مصر.


والمؤشرات الحالية لا تدعوا للتفاؤل، والأهداف الإسرائيلية لها طابع إجرامي، لا إنساني، توسعي ينتهك قرارات الشرعية الدولية بشأن فلسطين والقانون الدولي الإنساني وشرعة حقوق الإنسان الدولية وميثاق الأمم المتحدة ويهدد مفهوم السيادة الوطنية ومبدأ ثبات الحدود الوطنية في المنطقة. إذا مضت إسرائيل في تنفيذ ما تريد ستكون العواقب وخيمة وستشهد المنطقة المزيد من سفك الدماء والحروب ولن يسلم من تداعياتها أحد بما في ذلك دولة الاحتلال التي ستتعرف من جديد على قانون نيوتن الثالث الذي نص على أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار وعكسه في الاتجاه.

 

تابع مواقعنا