الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

عدت وفاءً لأسرتي والشهداء وصاحبة الجلالة.. وائل الدحدوح: الاحتلال استهدف 60 صحفيا لأنه خائف من توثيق جرائمه.. وألم الفقد لا يصفه أي تعبير | حوار

الأستاذ وائل الدحدوح
تقارير وتحقيقات
الأستاذ وائل الدحدوح يواصل عمله من قطاع غزة
الإثنين 20/نوفمبر/2023 - 09:36 م

«أهلا وسهلا.. أرسل الأسئلة للرد عليها».. إجابة جاءتني بعد قضاء إجازتي الأسبوعية وأنا أستقل إحدى المواصلات، والتي حملت جسدي عائدًا صوب موقع القاهرة 24، بينما كان عقلي هناك في قطاع غزة مشغولا بانتظار هذا الرد القادم من فلسطين المحتلة، تهلل وجهي للتعاون وكانت في نفسي حاجة من تقدير لموقفه وعزاء واجب للزميل وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة، والذي وافق برسالته على مشاركتي ما مر به خلال الفترة العصيبة الماضية، وكيف لا وهو الذي فقد رفيقة دربه وفلذات كبده وروح منه وهو حفيده وعدد من أفراد أسرته، ومعهم كثير من أبناء وطنه الذين سقطوا ويسقطون من قبل العدوان الغاشم، والقصف الغادر من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

جاءتني إجابة الدحدوح بصوته المعهود الأجش الراسخ، لكن هذه المرة كانت نبرته تحمل حنينا وصبرا وشوقا لأسرته؛ فهو الزوج والأب والجد والأخ الذي فقد هؤلاء جميعا، وتلقى الخبر وهو يؤدي رسالته الإعلامية الأسمى في نقل ما يجري هناك بثبات وقناعة راسخة، وعزيمة لا تلين وصبر واحتساب.

«وما الصبر إلا عند الصدمة الأولى».. الأستاذ وائل الدحدوح تلقى صدمات قابلها بصبر تنوء عن حمله الجبال الراسيات، فعاشوا هم شهداء خالدين، وأصبح هو رمزًا لصاحبة الجلالة بحكمته وجلده ومواصلة أداء رسالته.

ويؤكد الأستاذ وائل الدحدوح أن الوضع في قطاع غزة يزداد صعوبة وسوءًا، وأنه عاد سريعا إلى عمله عقِب استشهاد أسرته وفاء لدمائهم ولدماء الشهداء الفلسطينيين ووفاء لصاحبة الجلالة الصحافة، ولذلك قرر أن يعض على جرحه والعودة للكاميرا من جديد، وهو يحمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن استهداف 60 صحفيا وكذلك استهداف أسرهم، وأن أي إجراءات في المحاكم الدولية ضد الاحتلال في هذا السياق هو من اختصاص النقابات الصحفية وهو داعم لها في ذلك، وأن الوطن والابن هما الروح وهما القلب وفقد فلذة الكبد يجعل من الفقد مضاعفًا، وأن أي تعبير يبقى متواضعا مع ألم الفقد الذي يعانيه صباح مساء.

وإليكم حواره الكامل مع موقع القاهرة 24…

أستاذ وائل في البداية خالص تعازينا لك ولكل الأشقاء في فلسطين؟ صف لي الوضع عندكم؟ 

الوضع كما تعلمون ساحة معركة خاصة في شمال غزة وبقية المحافظات الوسطى وخان يونس ورفح؛ الاشتباكات مستمرة والغارات التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين دامية تقتل وتجرح وتهدم البيوت وتدمر الحياة، والأعداد من الشهداء والجرحى ضخمة وهذا هو واقع الحال؛ فالوضع عندنا صعب جدا فهو من صعب إلى أصعب ومن سيئ إلى أسوأ، ومن خطر يحيق بنا إلى عيش أكثر خطورة.

ضربت مثلا في الصبر والتحمل وأصبحت رمزا للإنسانية وصوت الحق والحقيقة للصحفيين في المنطقة والعالم.. كيف تغلبتم على فقد أسرتكم؟

نحن مؤمنون بقضاء الله وقدره ومسلِّمون بما قدره لنا؛ والحمد لله فقد رزقنا الله صبرا وقوة وربط على قلوبنا وجعلنا نتحمل كل هذه المصيبة والجرح وهذا فضل من الله علينا؛ وإذا أصبحت رمزا فهذا من فضل الله علينا، وقررت فور أن علمت بالخبر أن أدفن أسرتي بعد أن استهدفهم الاحتلال، وبالكاد وجدنا لهم قبرا جماعيا في المنطقة الوسطى التي استشهدوا فيها، على الرغم من أننا نعيش في مدينة غزة وهي مولدنا، وفور أن دفنت أسرتي بيدي أخذت من تبقى منهم وهم مصابين إلى مكان عملي في غزة، وقدمت لهم العلاج اللازم داخل مستشفى الشفاء ثم أمنتهم عند أحد الأقارب.

 وائل الدحدوح يصلي الجنازة على الشهداء من أسرته

لماذا قررت العودة سريعا إلى عملك الصحفي والتليفزيوني عقب ما مررت به؟ 

نعم، قررت العودة سريعا إلى عملي لأنها رسالة كبيرة، ولم يكن أمامي خيار آخر؛ لكن في البداية حاولت التوفيق بين أن أتواجد مع باقي أسرتي ممن عاشوا ولو دقائق يوميا من أجل الاطمئنان عليهم من جانب، ومن جانب آخر العودة لأداء رسالتي وعملي، لأنه يتوجب علي أن أكون وفيا أمام دماء زوجتي وابني وبنتي وحفيدي وكل أقاربي ممن سقطوا في هذه المذبحة.

ويجب أن أكون وفيا كذلك أمام واجبي المهني تجاه مهنة صاحبة الجلالة، لأننا نؤدي رسالة إنسانية، وتجاه كل الناس الذين ندافع عنهم بالكلمة والصوت والصورة، وكل هذه الأمر كانت حاضرة أمام عقلي وقراري، ولذلك قررت أن أعض على الجرح والألم والوجع وأن أعود للكاميرا من جديد.

برأيك من يتحمل دماء الصحفيين والإعلاميين وأسرهم في غزة والضفة الغربية منذ يوم الـ 7 من أكتوبر الماضي؟

الاحتلال الإسرائيلي وحده هو من يتحمل المسؤولية كاملة عن الإرهاب والاعتداء والاستهداف للصحفيين وأسرهم، وهو جزء من جرائم الاحتلال المعهودة داخل قطاع غزة وفلسطين؛ وقد تعود أن يكون فوق القانون الدولي وأن يضرب به عرض الحائط وهو يشعر بأنه لا يحاسب على جرائمه. 

لماذا يصر الاحتلال على استهداف الصحفيين والإعلاميين تحديدا من وجهة نظرك؟

حتى حديثي معك وتسجيل رسالتي، استهدف الاحتلال الإسرائيلي 60 صحفيا فلسطينيا بطريقة مباشرة وغير مباشرة؛ وعدد آخر تم استهداف أسرهم كما حدث معي، ويضاف إلى هذا كله تدمير المكاتب الصحفية وقصف سيارات الصحفيين والتي تصل أعدادها بالعشرات؛ والاحتلال دائما يخاف من صوت الصحفيين وصورهم التي تلتقطها كاميراتهم؛ وطالما يقترف الجرائم والانتهاكات والاعتداءات والسياسات العدوانية التي تفتك بالوطن والمواطن الفلسطيني؛ فالاحتلال يستهدف الصحفيين لا محالة لأنه لا يريد أن يراه أحد خلال تنفيذ جرائمه.

وائل الدحدوح

هل تعتقد أن الاحتلال خائف من صوتكم؟ 

بالتأكيد هو خائف ولا يريد أن يزاحمه الصحفيون في نقل الحقيقة وما يحدث على أرض الواقع من مجازر خلال عدوانه على الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين؛ لكننا نقوم بواجبنا وهذه رسالة إنسانية نبيلة وواجبنا مهم جدا، وهو تسليط الضوء على جزء صغير مما يحدث في قطاع غزة من انتهاكات، وهو ما يزعج الاحتلال ويحاول إبعاد الصحفيين بطريقة خشنة ووحشية مكلفة جدا بالنسبة لأرواح الصحفيين الفلسطينيين وأسرهم.

هل ترهبكم الاغتيالات أو الاعتقالات أو التهديدات؟ 

الصحفيون ليسوا طرفا في المعركة، والاحتلال لا يعي ذلك ولا يحاول إدراك ذلك؛ وبالتأكيد ما حدث ويما حدث من أمور كثيرة معنا لا يرهب الصحفيين أو العاملين في الحقل الإعلامي، والدليل عودتي أنا وزملائي إلى العمل سريعا؛ ويجب أن يستمر الصوت والصورة وتستكمل كتيبة الصحفيين واجبها تجاه شعبها؛ وعملنا تكفله القوانين والمواثيق الدولية.

كيف تتغلبون على صدمة المشاهد المروعة التي تنقلونها وتوثقونها على مدار الساعة؟

مشاهد الصدمة يمكن التغلب عليها بالصبر والثبات ورباطة الجأش؛ وهذا كله يستمده الانسان من الرضا والتسليم والإيمان بالله؛ وهي مشاهد صادمة ومروعة وموجعة جدا وتنوء عن حملها الجبال ولا حول لنا ولا قوة إلا بالصبر والثبات وانتهى الموضوع قولا واحد، ويأتي ذلك من خلال التركيز في العمل والإنجاز ومحاولة إتمام القيام بالواجب، وهذ يساعد إلى حد كبير في التغلب على الصدمات وتضميد الجراح.

كيف ساعد الإعلام وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي في نقل ما يحدث إلى العالم؟

الشاعر يقول: لا تَحقِرَنَّ صَغيرَةً *** إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى، ولذلك فإن كل جهد مقدم على السوشيال ميديا أو وسائل الإعلام التقليدية هي مهمة وتصب في الهدف الرئيسي لكشف جرائم الاحتلال، وتسليط الضوء فيما يجري على قطاع غزة، وأيضا كل وسائل الإعلام ساهمت بشكل فعال في تغيير الرأي العام الغربي، والذي ضغطت على حكوماتها وبالتالي تراجعت عن دعمها السافر للاحتلال في ممارساته اللاإنسانية، وهو ما يعكس أهمية وقوة الرسالة الإعلامية.

جرافيتي لـ وائل الدحدوح بشوارع محافظة الدقهلية

هل ستقررون اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية المتخصصة؟

أي إجراءات في المحاكم الدولية هو من عمل واختصاص النقابات الصحفية والجهات الإعلامية؛ وأي جهد  أو خطوات ستتخذ في هذا السياق من قبلهم ندعمها ونؤيدها.

هل تستحق الكلمة والحقيقة كل هذا الثمن الغالي؟ 

نعم.. الثمن غالي ومكلف جدا؛ لكن لا بد من دفع الثمن ما دمنا نقوم بعملنا بشكل مهني ووفق ما نص عليه القانون الدولي، وسنبقى نؤدي واجبنا بغض النظر عن تلك الأثمان؛ لأنه في نهاية المطاف لا توجد خيارات أخرى وإن وجدت فلا يمكن أن يتم طرحها مع اللحظات التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية؛ وسنحمل هذه الرسالة ما بقينا أحياء.

أيهما أكثر ألما لدى الصحفي وائل الدحدوح فقد الابن أم الوطن؟

الوطن يبقى هو الوطن بالتأكيد لا غنى عنه ولا بديل، ونحن نعيشه منذ زمن وهم صادروا أحلامنا فيه وكل شيء؛ فقد الوطن وفقد الابن؛ فالابن هو الوطن وهو الروح وهو القلب وهو فلذة الكبد وهذا الفقد يجعل من الفقد مضاعفا؛ وقد منحنا الله قوة لتحمل تلك الأوجاع، ومهما قلنا ومهما عبرنا يبقى هذا التعبير متواضعا مع ألم الفقد الذي نعانيه صباح مساء.

تابع مواقعنا