الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اقتصاديات الطائرات الورقية 3: مصر أكبر من أن تفشل!

الجمعة 01/ديسمبر/2023 - 10:29 م

تابعت عن كثب ردود الفعل حول لقاء رئيس الجمهورية، بالمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على هامش مشاركته في كوب 28 بدبي، والذي تناول أوجه العلاقات بين مصر وصندوق النقد الدولي، في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.


حمل اللقاء إشارات كثيرة مضمونها استمرار الشراكة بين الدولة المصرية والصندوق، والعزم على مواصلة تعزيز الإصلاحات الهيكلية المتعلقة بالسياسات المالية والنقدية، وكذلك إشادة الصندوق بأداء الاقتصاد المصري ومرونته وصمود في مواجهة التداعيات السلبية الناجمة عن جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية والأوضاع في غزة.


الإشارة الأهم في تقديري، جاءت بعد اللقاء من خلال تدوينة مديرة الصندوق على موقع إكس، والتي تضمنت ثناء على دور مصر المهم في المنطقة، وإشادة بالتزامها باستقرار الاقتصاد الكلي في بيئة مليئة بالتحديات، وأن الصندوق يدعم بقوة جهود الإصلاح في مصر.


وهذا المعني تحديدا قد ذكرته سابقا في مقال منشور بموقع MODERN DIPLOMACY كتبته في يناير من العام الجاري بالمشاركة مع الاقتصادية ريم منصور، جاء بعنوان Egypt’s “Too Big to Fail” Theory Once Again at Test.


لبّ المقال أشار إلى أن مصر غير مؤهلة هيكليا لتحمل الصدمات العالمية، خاصة مع ارتفاع ديونها الخارجية وتجاوز فجوة التمويل الحدود الآمنة، وتحدثت صراحة عن أن مصر دولة أكبر من أن يُسمَح لها بالإفلاس أو الفشل، وهو ما ظهر وقتها في دعم الدول الخليجية، وأيضا في موقف صندوق النقد الدولي رغم عدم تنفيذ جميع شروطه.

حينها كانت الإشارات بشأن وضع الاقتصاد على المدى الطويل سلبية، لذا طرحنا مقترحات تتمثل في حاجة الحكومة إلى تسريع خططها للتحول نحو اقتصاد تشغيلي حقيقي قادر على تحمل الصدمات والتعامل مع أي تحديات عالمية، بالدعم الكامل لأنشطة التصنيع المحلي والسياحة والتصدير.

وبعد مرور ما يقرب من العام، يبدو أن سياسات الحكومة في التعاطي مع الأزمة التي لاحت مبكرا، تمسكت فقط بالسرد القائل بأن البلاد "أكبر من أن تفشل"، خاصة مع التركيز على الأهمية الجيوسياسية للبلاد، بحجمها ونفوذها الإقليمي النسبي، ولم ينسلخ النهج المتبع عن مجرد مواجهة أعراض الأزمة وإطفاء الحرائق.

لذا فالتلقي المحايد لتصريحات مديرة صندوق النقد، لا يجب أن يتم دون هذه الفكرة التي استعرضتها آنفا، فرغم أن الضالة في هذه التصريحات موجودة لكل من يريد أن يدق طبلة أو يحمل خنجرا، إلا الواقع يفرض نفسه، من أن مصر دولة مُهمة لكن تُدار على مر عقود دون خطة اقتصادية واضحة، وتراهن دوما على وزنها النسبي في تخريجها من أي معضلة.

خاصة وأن الصندوق له داعمين وعليه ضغوط سياسية قادرة على جعله يغير دفة الخطاب ١٨٠ درجة كما يحدث الآن، في ظل أن الواقع يؤكد عدم تحقيق أي تحسن في الاقتصاد أو الأزمة الحالية أو تنفيذ اشتراطاته، لكن الدور الحيوي الذي تلعبه مصر إقليميا فرض على "مُشغلي" الصندوق مساندتها.


وهو بالضبط ما أشار إليه ‎‎كتاب الاقتصادي العظيم د. جلال أمين «قصة الاقتصاد المصري»، باستعراض طبيعة الاقتصاد المصري وتجاوزه للأزمات منذ عهد محمد علي باشا إلى الرئيس الراحل مبارك، بالتركيز على وضع الدولة بعد الحربين العالميتين وبعد حرب الخليج الأولى والثانية، مستنتجًا أن فترات النهضة الحقيقية للاقتصاد المصري كانت دائمًا، هي الفترات التي تتمتع فيها مصر بدرجة معقولة من استقلال الإرادة.

فلم نشهد على مدار الأزمات السابقة في تاريخ الدولة الحديث أية حلول للأزمات الاقتصادية المتتالية تأتي من الداخل، واعتمدنا فقط أن دور مصر الإقليمي أكبر سند اقتصادي لها، ورغم أن هذه حقيقة مطمئنة لكنها تشير مباشرة إلى وضع مؤسف كثيرا ما يتبع سياسة حافة الهاوية.

هذا الوضع كما شبهته سابقا، يتمثل في اقتصاد الطائرة الورقية: " أي تحرك فيها مبني على تغير في محيطها، دون أن يكون لما يحدث في داخلها أي دور"، بمعني أنه طالما ظل الاقتصاد المصري اقتصاد تمويلي فقط فأي مشكلة خارجية لن يستطيع تحمل تبعاتها، وسيكون عرضة دائما للصدمات، وأن تحسنه أو تراجعه مرتبط فقط بما يحدث خارجه.

ختاما.. فالحل ببساطة يكمن في تغيير نمط إدارة الاقتصاد المصري من تمويلي معتمد أساسا على الاستثمار المالي، إلى النمط التشغيلي القائم على الإنتاج الفعلي بالطبع مع ضبط الإنفاق العام وإعلاء فقه الأولويات، والأهم كما أشارنا مرارا هو ان يسبق ذلك وجود دستور اقتصادي راسخ للبلاد يحدد هوية الاقتصاد ويعزز ثقة المستثمر ويدعم جودة حياة المواطن.

تابع مواقعنا