الإثنين 29 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

عقلية هيروشيما يا عزيزي

الأربعاء 13/ديسمبر/2023 - 03:29 م

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم يغب عن ذهن أي عاقل فجاجة الانحياز الغربي الأعمى للموقف الإسرائيلي، وحرصه الدؤوب على تبرير سلوك آلة القتل الإسرائيلية التي حصدت أرواح ما يقارب 20 ألف مدني فلسطيني خلال أقل من 70 يومًا.

يحتار البعض كيف لهذا الغرب الذي يتغنى بشعارات حقوق الإنسان البراقة، ويعاير الدول الأخرى بعدم اتباعها، أن يؤيد بكل وقاحة ارتكاب جرائم القتل الجماعي والتطهير العرقي والتهجير القسري والتعذيب المنهجي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الإجابة بسيطة يا عزيزة.. هيروشيما... نعم هيروشيما... هيروشيما ونجزاكي ودرسدن وطوكيو ولاوس وكامبوديا وهانوي والفلوجة والموصل... في كافة هذه المدن والبلدان على مدار أكثر من 7 عقود، ارتكبت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الفظائع تلو الفظائع... ففي ألمانيا الهتلرية خلف قصف الحلفاء للمدن الألمانية 2 مليون قتيل مدني، وفي اليابان أحرقت الولايات المتحدة طوكيو ومدن أخرى بالنبالم وأبادت هيروشيما ونجزاكي بالقنابل الذرية. 

وفي فيتنام وكامبوديا ولاوس، أبادت القوات الجوية الأمريكية قرى وبلدات وحرقت غابات بقصف عشوائي يضاهي في بشاعته ما حدث في الحرب العالمية الثانية، وفي الفلوجة 2004 والموصل 2017، دمرت طائرات التحالف الدولي الأمريكي المدينتين باسم مكافحة الإرهاب. 

في كل هذه الوقائع، الخسائر البشرية في صفوف المدنيين كانت هائلة، ولكن كان التبرير دائما جاهز في صورة مصطلح الخسائر الجانبية أو «collateral damage»، خسائر جانبية مقبولة في سبيل إسقاط النازي وهزيمة الشيوعية والقضاء على الإرهاب، حتى ولو كانت هذه الخسائر الجانبية يضاهي قدرها الحصيلة الإنسانية لأي جرم كانت قد ارتكبته الأطراف المستهدفة.

هذه هي عقلية الرجل الأبيض يا صديقي، عقلية في ظاهرها إنساني حضاري، وفي باطنها عنصري استعماري، وكيف لا وهذه الحضارة بنيت على حساب موارد ودماء أمم الشرق والجنوب عقلية ترى قيمة الإنسان الأبيض المنحدر عن ثقافة جذورها رومانية هلنستية كاثوليكية بروتستنتية يهودية أسمى وأعلى من أي عرق أو صاحب حضارة آخر.

هذه العقلية بررت هيروشيما ودرسدن والآن تبرر ما يحدث في غزة والضفة، وليس ذلك على لسان سياسي موتور في تل أبيب أو أحد عواصم الغرب، بل على لسان وزير الخارجية الأمريكي ومسؤولين بارزين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونجرس.

واللطيف في الأمر أن نفس هؤلاء هم من يتباكى على أوكرانيا التي لم تشهد في نحو 600 يوم ثمن ما تشهده غزة منذ 70 يوما، وهم من يوجهون سهام النقض ذات الصلة بحقوق الإنسان لدول كمصر والهند وروسيا والصين وإيران والسعودية دون التوقف للحظة لمراجعة ذاتهم والنظر بموضوعية وإنسانية مجردة لسلوك ابنتهم الاستيطانية الاستعمارية الصغيرة إسرائيل.

جدير بالذكر أن الحضارة الغربية كان لها أثر عظيم وأساسي في تكوين منظومة حقوق الإنسان المعاصرة، ومن حيث الشكل والفكرة تمثل هذه المنظومة إطار جيد لقيم يجب أن تجمع البشرية بأثرها، في هيئات الأمم المتحدة رجال ونساء مخلصين من كافة الجنسيات يسمون الأشياء بأوصافها في غزة أو غيرها، ولكن يظل كل هذا عديم الفائدة في ظل تعجيز منظومة الأمم المتحدة بسطوة الفيتو والهيمنة المدفوعة بالجشع والغرور.

خلاصة القول يا عزيزي الإنسان... يا له من عالم أفاق نعيش فيه لا يقيم العدل أو الإنصاف إلا بمعاييره المزدوجة البالية التي تعكس الفراغ الأخلاقي الذي تسببت فيه سطوة وغرور نخبته الغربية الرأس مالية الحاكمة.

تابع مواقعنا