الإثنين 29 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

متى نسدد ديون مصر؟

السبت 16/ديسمبر/2023 - 07:23 م

دائما ما يُثار تساؤلا في أحاديث العامة أو حتى النخب غير الاقتصادية، عن الديون السيادية للدولة وخاصة الخارجية منها، من حيث موعد السداد وكذلك تأثيرها على معدل النمو، والإجابة عن هذا التساؤل تتطلب شرحا مبسطا في ضوء نظريات الاقتصاد المستقرة وهو ما أحاول طرحه في السطور التالية.

وحتى لا ندخل في جدليات لا طائل منها، فالتوجه السياسي لا يجب أن يكون مرجعا لتحليل الأمر، لا بالحديث عن الاستدانة من خلال ربطها بفكرة المشروعات ورفع مستوى البلد وإحداث تنمية وطفرة اقتصادية، ولا بتهويل التبعات للدرجة التي تفوق حدودها المعقولة.

فالحقيقة أن العلاقة بين الدين الخارجي والنمو قضية جدلية، وقد يكون لها مدارس فكرية متناقضة في تحديد طبيعة هذه العلاقة، وطبقا لبحث كتبه الدكتور أحمد أبو طالب ومروة حماد، نستطيع أن نُلخص الحديث عن تأثير الديون على معدلات النمو في مدرستين، أولهما تشير إلى أن المستويات المعقولة من الديون تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي؛ لأنها تمكن الحكومة ماليًا من إقامة مشاريع جديدة، وهو ما يتفق مع ما ذهب إليه روبرت بارو عالم الاقتصاد الكلي الأمريكي وأحد مؤسسي الاقتصاد الكلي الكلاسيكي الجديد، وچاك ايتون، أستاذ الاقتصاد، بجامعة أبيريستويث- ويلز.

أما المدرسة الثانية، فتفترض أن الديون المتراكمة الكبيرة تعيق النمو، خاصة في ضوء التبعات السلبية لخدمات الديون على النفقات العامة والاستثمار ودورها في ارتفاع معدلات التضخم ورفع الفائدة، ناهيك عن تسببها في حلقة مفرغة من التداين لتمويل سداد الدين ذاته، مما يعظم أثرها السلبي، وهو ما يؤيده بول كروجمان، الحاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية وجيفري ساكس، الاقتصادي الشهير.

وفي رأيي الشخصي، فالتأثير النهائي للديون على النمو، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، يعتمد فقط على مدى استخدام هذا الدين بكفاءة، فشتان الفارق بين الاقتراض لتمويل الاستهلاك وسد عجز الموازنة أو إنشاء المشروعات غير المدرة للربح، وبين استخدامه لتشجيع الاستثمار وإنشاء المشروعات ذات العائد المربح، رغم أنه في الحالتين هناك عنصرين أساسيين للمخاطر.

وفي حين أن العنصر الأول، مرتبط بتقلبات العائد على الاستثمارات المحلية وإمكانية قدرتها على سداد الدين، وهو الأقل خطورة في ظل تعلقه بالوضع الداخلي وإمكانية التنبؤ به أو تفاديه، فالعنصر الثاني له ظروف لا يمكن توقعها، في ظل ارتباطه بتقلبات الفائدة المدفوعة للمؤسسات الدولية والمقرضين على الدين، التي تتعلق بشكل كبير بالتأثيرات النقدية العالمية.

لذلك، فإن دراسة ما يعرف بـ"استدامة الدين" هو عنصر أساسي للغاية في تحديد حجم الاستدانة المعقول، ويعني هذا المفهوم بشكل مبسط، ضمانة قدرة الدولة على سداد ديونها من خلال استيفاء بعض المعايير في حساب الحدود الآمنة لجملة الديون، أهمها قوة اقتصاد الدولة وهيكلها المالي وطبيعة الديون ذاتها من حيث موعد السداد ونسبتها إلى الناتج المحلي.

وبالمناسبة، فقد سبق وأن تقدمت خلال عضويتي لمجلس النواب، بمشروع قانون لتعديل قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 1973، باستهداف تطوير نظام المتابعة المالية والاقتصادية من خلال إعداد تقرير لاستدامة الدين، ما يتيح وضع خطة لسداد الديون ومتابعتها إنفاقها ومتابعة مصادرها وحجمها وحصرها وكيفية السداد بشكل أفضل، وحرصت أن يشمل ذلك ديون الهيئات العامة والصناديق ذات الميزانيات المستقلة، لأنها تبقى في النهاية ديونًا تلتزم بها الخزانة العامة للدولة، ورغم الموافقة على المشروع في حينه من قبل لجنة الخطة والموازنة بالمجلس إلا أنه لم يرى النور حتى الان.


وللأسف، فإحدى مشكلات مصر الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي التي لا تخفى على أحد، هي أن فكرة استدامة الدين تراجعت وبشدة أمام سياسة توسع مالي كبيرة للغاية خلال الفترة الماضية، فرغم أن هذه السياسة في بدايتها كانت فعالة لأحداث طفرة نمو، إلا أنها لم تستطع أن تتطور بشكل مناسب واصطدمت بمشكلات عدة جعلتها تمثل عبء لا مصدرا للحل.

كما أن موقف الدولة بالنسبة لحجم الاستدانة، يمكن النظر إليه بقياس حجم الدين للناتج المحلي وقدرة الدولة على السداد، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة المصرية تتحمل عبء ديون أعلى من معظم نظيراتها في الأسواق الناشئة حاليا وتعاني من جدول سداد مزدحم، بشكل يجعلها أقرب إلى التعرض لمخاطر المدرسة الثانية، بالطبع إذا لم يتم اتخاذ اللازم لتفادي ذلك أو لتقليل تبعاته.


ناهيك أن هناك حاجة للالتفات إلى أثر الديون على الأجيال القادمة، وهو ما يمكن رصده من خلال دراسة توصيات الباحثة سحر عبد الحليم، التي وردت في ورقتها البحثية بعنوان "الدين العام والنمو الاقتصادي في مصر، والتي تنص على أنه ينبغي للسياسات الحذرة أن تأخذ في الاعتبار التأثير السلبي للدين الخارجي على المدى الطويل، فبينما يكون للدين الخارجي، تأثير طفيف قصير الأجل في تحفيز النمو الاقتصادي فإنه لا يوصى بزيادة الدين الخارجي لتشجيع الاستثمار العام".

أما عن موعد سداد الديون، فهذا الأمر في الحقيقة ليس هدف بالأساس لأي اقتصاد، فكما يشير الدكتور عادل بشاي، فإن "الدين السيادي يُرحل ولا يُدفع"، لكن حتى يحدث ذلك فالاستدانة لا بد أن ترتكن إلى استدامة وعائد عليها يحقق إمكانية تطبيق هذا المفهوم، وبدون ذلك فسوف نتحرك في دائرة أبدية لا تنتهي (استدانة ثم تضخم ثم تعويم) بل تضيق خاصة إن لم تتواكب الديون مع عائد من استهلاكها.

تابع مواقعنا