الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

صرخات مخاض تحت قصف الاحتلال.. سيدات غزة الحوامل يضعن دون تخدير وأطفالهن محرومون من الرضاعة

معاناة السيدات الحوامل
تقارير وتحقيقات
معاناة السيدات الحوامل والأطفال في غزة - أرشيفية
الأربعاء 21/فبراير/2024 - 06:11 م

وسط ظلام دامس وهدوء حذر لا يخلو من سماع إطلاق رصاصات هنا أو دويّ قصف صاروخي هناك، تعالت أصوات صراخات واستغاثات دون سابق إنذار؛ من داخل إحدى خيام النازحين في مخيم دير البلح بقطاع غزة، كانت تصدرها الدكتورة مريم عيسى -اسم مستعار حسب طلب أسرتها- والتي ظنت أن المخاض أجاءها إلى جذع الخيمة وحان موعد ولادتها، ورغم القلق المتزايد علت دهشة واستغراب على وجه زوجها وباقي أفراد أسرتها خاصة وأنها كانت بحال جيدة وفي بداية شهرها التاسع من الحمل.

مع بعض المعاونة من النازحين، انطلقت الأسرة بابنتهم طبيبة الأطفال صاحبة الـ 29 ربيعا إلى مستشفى الأقصى لقربه منهم؛ وفي طرقاتها هرول الأطباء إليهم لمحاولة تقديم يد العون وإنقاذ مريضتهم، لكن سرعان ما تبين لهم أن الأعراض التي تعاني منها ليست آلام المخاض وإنما إصابتها بعدوى التهاب الفيروس الكبدي A، والتي تفتك بالآلاف مثلها من رجال ونساء وأطفال غزة؛ بسبب مياه الشرب والطعام الملوثين.

مخيمات النازحين بغزة - أرشيفية الصفحة الرسمية لوزارة الإعلام الفلسطينية بفيس بوك

يروي شقيقها، للقاهرة 24؛ بأن الأطباء طلبوا سرعة نقلها إلى مستشفى العودة، لتوافر خدمات الولادة بها، لكن المبكي على حد قوله، هو أن الأسرة ظلت طوال ليل الأربعاء الـ 14 من شهر فبراير الجاري، بجوار سرير ابنتهم لا يقدرون على تقديم يد العون لها بسبب حظر التجوال المفروض ليلا على كامل القطاع من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليتحركوا بها في صباح اليوم التالي الخميس، بعد مرور 8 ساعات كانت كفيلة بشحوب وجهها وخِوار قوتها.

«الجنين هالك لأنكم تأخرتم كتير».. صدمة جديدة ألقاها الأطباء في نفوس وقلوب الأسرة، لكن هذه المرة من داخل مستشفى العودة، حسبما كشف شقيقها، وتفاقم الوضع مع تأخر استخراج الجنين الميت من بطن والدته، بسبب نقص بعض الأدوية الضرورية والبحث عن أطباء متخصصين يكونون عونا لها لصعوبة الحالة.

عدوى الالتهاب الكبدي A والاحتلال الإسرائيلي، لم يمهلا طبيبة الأطفال، بضعة أيام أخرى لتتمم أشهر الحمل بسلام، وترى جنينها “عمر” هكذا أسمته، لتتدهور حالتها الصحية خلال ساعات معدودات من استخراج الجنين، وتنقل مرة أخرى لمستشفى الأقصى لوجود غرفة عناية مركزة بها، لكن سرعان ما فاضت روحها إلى خالقها لتلحق بولدِها.

25 ألف سيدة حامل في غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي و183 حالة ولادة يوميا

ليست مريم عيسى، وحدها الحامل في قطاع غزة المحاصر فهي واحدة من 52 ألف امرأة حامل، وطوال 138 يوما من العدوان الإسرائيلي يضع يوميا 183 سيدة مولودا ما بين ولادة طبيعية أو قيصرية، ويفيد العاملون في مجال الصحة بوجود زيادة كبيرة في معدلات الإجهاض والولادات المبكرة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، كما تعاني الأمهات والأطفال حديثي الولادة من تحديات جمة تهدد حياتهم مثل النزوح القسري، ونقص الرعاية الطبية، ونقص اللقاحات، والمجاعة وسوء التغذية، وانعدام السلامة، وذلك وفقا لبيان وزارة الصحة الفلسطينية.

«علي وحور وفارس».. هذه أسماء التوائم الثلاثة الذين تحمل بهم الفلسطينية رؤى السنداوي، حتى كتابة هذه السطور، وهكذا أطلقت عليهم وتنتظر قدومهم خلال أيام مع نهاية شهر فبراير الجاري، لكنها تمتلك مشاعر مختلطة ما بين الفرحة لخروجهم للدنيا كما حلمت وخططت لذلك قبل الـ 7 من أكتوبر، والخوف عليهم بسبب الظروف الراهنة والقلق على نفسها بسبب معاناتها الحالية داخل إحدى الخيام التي نصبتها عائلتها بالقرب من الحدود المصرية، والتي نزحوا إليها قبل مدة.

بين حين وآخر تشعر رؤى السنداوي بالدوار، وأنها ستقع مغشيا عليها بسبب بعض الأعراض الصحية التي داهمتها مبكرا رغم صغر سنها، فسوء التغذية والاعتماد على المعلبات في طعامها طوال 5 أشهر ولا بديل سواها، تسببا في إصابتها  بـ“فقر الدم” وتراجعت نسبة الهيموجلوبين بالدم لتسجل 9 جرام / ديسيلتر؛ وهو ما ضاعف من تخوفها بعدما حذرها أطباء مستشفى الهلال الإماراتي والذي زارته قبل مدة بسبب بُعد مسافته وخطورة الذهاب إليه، من القدوم في الموعد الذي حددوه للولادة القيصرية وألا تقل نسبة الهيموجلوبين عن 10.5 جرام / ديسيلتر.

الفلسطينية رؤى السنداوي أمام خيمتها داخل مخيم النازحين برفح الفلسطينية - تصوير آخرون

أطباء غزة يسجلون حالات انفصال للمشيمة عن الجنين بسبب القوة الارتدادية لصواريخ الاحتلال

«ما كنت أتمنى أن أعيش في مثل هذه الظروف.. لأني مقيد وغير قادر على تقديم الخدمة».. هكذا يعرب استشاري النساء والولادة بمستشفى شهداء الأقصى ومسئول قسم الولادة بمستشفى العودة، الدكتور عيادة أبو حصيرة، عن حالة الإحباط التي يعيشها بسبب الوضع الكارثي داخل قطاع غزة، مع عجزه الشديد أمام احتياجات المرضى من السيدات الحوامل لبعض الأدوية، وهو ما يدفعه في بعض الأحيان للهرب منهن لأنه غير قادر على مساعدتهن في هذا الجانب، وبالتزامن مع انهيار المتابعة الطبية للحوامل والأجنة، وعدم وجود خدمة طبية آمنة لهن أثناء الولادة أو بعدها.

سرعان ما قاطعني استشاري النساء والولادة، خلال حديثه للقاهرة 24، ليناشدني بمساعدته في حال قدرتي على توفير بعض الأدوية، ومن بينها  كبسولات  الكالسيوم والحديد التي تؤثر على الأم والجنين، خاصة وأن كثير من الحوامل أُصبن بفقر الدم “ الأنيميا” في ظل سوء التغذية الراهن والاعتماد على المعلبات في حال وجدت، كما أنهن خضعن للولادة بنسبة تركيز قليلة للهيموجلوبين في الدم، وصلت لـ 7 جرام / ديسيلتر؛ والتي انخفضت عن المعدل الطبيعي والآمن وهو 11 جرام / ديسيلتر، مضيفا بأن نقص حقنة اختلاف الدم الـ Anti-D، هي الأخرى تمثل خطورة حقيقة على بعضهن حيث يجب حصول بعضهن عليها مع الولادة، لأن ذلك يزيد من إمكانية تحفيز أجسامهن لإنتاج أجسام مضادة تهاجم الأجنة في حال الحمل القادم.

«مولودون في جحيم.. هكذا وصفت منظمة الأمم المتحدة اليونيسيف المعنية بحقوق المرأة والطفل، أكثر من 20 ألف طفل ولدوا منذ يوم الـ 7 من أكتوبر في قطاع غزة، وسط الحرب والعدوان الإسرائيلي، موضحة في تقريرها أنه وسط النيران والقصف يولد طفل فلسطيني كل 10 دقائق.

الدكتور عيادة أبو حصيرة استشاري النساء والولادة يجري عملية ولادة قيصرية في ظروف صعبة مع نقص الأدوية والتجهيزات

«الأكثر ظلما للمرأة الحامل والأطفال الرضع».. هكذا يطلق الدكتور عيادة أبو حصيرة على الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، وذلك بسبب الآلام والصعوبات التي تواجهها السيدات الحوامل، خاصة وأن كثير من أطباء النساء والولادة، رصدوا حالات انفصال للمشيمة عن الجنين بسبب القوة الارتدادية لصواريخ الاحتلال الإسرائيلية، وكذلك زيادة معدلات الإجهاض نظرا للمجهود البدني الكبير الذي تبذله السيدات من النزوح لمسافات طويلة ولأكثر من مرة، مشيرا إلى أنه في ذات السياق تسبب الخوف والشعور بالقلق لدى الحوامل في زيادة معدلات الولادات المبكرة، وهو ما تبعه أوزان ضئيلة للمواليد تصل لحوالي 2 كيلو جرام، بينما المعدل الطبيعي في السابق يتجاوز الثلاثة كيلو جرامات ونصف، كما أنه لا مكان في الحضانات للأطفال الخدّج “ المبتسرين” بسبب اكتظاظها.

ويضطر الدكتور عيادة أبو حصيرة، هو وكثير من أطباء الولادة إلى إجراء طبي خطير وأليم وهو “عملية رفع الرحم”، لبعض السيدات اللاتي وضعن مولدهن وتعرضن لنزيف لا يتوقف لإنقاذ حياتهن في ظل عدم توافر أكياس الدم لتعويضهن ما فقدنه، كما يلجأ الأطباء إلى التوقيع على تعهد شخصي بخروج السيدة وطفلها الوليد بعد نصف ساعة من الولادة الطبيعية وفي الولادة القيصرية بعد عدة ساعات وقبل انتهاء الفترتين الصباحية أو المسائية، بسبب الكثافة العددية على بعض المستشفيات الصغيرة والمراكز الطبية الخاصة ومنها مستشفى العودة للولادة، بسبب صغرها وسعتها السريرية وقلة إمكانياتها خاصة وأنها تستقبل يوميا 5 أضعاف معدلها الطبيعي 50 حالة ولادة منها 20 حالة ولادة قيصرية.

معاناة كبيرة تواجه الأطفال الخدج “المبتسرين” في قطاع غزة مع نقص المستلزمات والأدوية - أرشيفية الصفحة الرسمية لوزارة الإعلام الفلسطينية بفيس بوك

من أصل 15.. مستشفى وحيد يقدم خدمات الولادة في كامل القطاع

داخل قطاع غزة وقبل العدوان الإسرائيلي في الـ 7 من أكتوبر، وصل عدد مستشفيات الولادة الحكومية والأهلية والخيرية والخاصة لـ 15 مستشفى ومركزا طبيا متخصصا، لكن القصف والتدمير الإسرائيلي طال معظمها ليعمل منها فقط مستشفى الهلال الإماراتي الحكومية برفح، في ظل ظروف صعبة تفوق إمكانياتها، بجانب 4 مستشفيات صغيرة تعمل بإمكانيات محدودة للغاية لتخفيف الضغط عنها، وفقا لما صرح لنا به الدكتور وليد أبو حطب مدير خدمات الولادة في وزارة الصحة بقطاع غزة.

عمليات الولادة القيصرية تجرى بمخدر نصفي.. وسوء التغذية يحرم الأطفال من الرضاعة الطبيعية

«أهلا وسهلا الأخ من طرف ابني محمود؟».. لم يمهلني الدكتور زياد أبو طه، رئيس قسم الطوارئ الخاص بأمراض النساء والتوليد بمستشفى الهلال الإماراتي برفح الفلسطينية، هو الآخر فرصة للتعريف عن نفسي ليفاجئني بطلبه قائلا: فيه عندي جهاز سونار لاب توب.. وللأسف عمل بلوك وما بيفتح.. لازم سوفت وير أو ويندوز.. ممكن تساعدني في الموضوع ده؟

سيدة فلسطينية تطعم ابنها الرضيع التمر لحرمانهم من الرضاعة الطبيعية بسبب سوء التغذية - تصوير آخرون 

ويكشف الدكتور زياد أبو طه، أن الهلال الإماراتي برفح الفلسطينية، هو المستشفى التخصصي الوحيد في كامل قطاع غزة، الذي يقدم خدمة الولادة، ويعمل فوق طاقته التشغيلية بحوالي100 حالة ولادة يوميا بينها 30 قيصرية، بالتوازي مع نقص الأدوية اللازمة وانهيار منظومة التطعيمات الخاصة بالسيدات الحوامل والأطفال، وهو ما يزيد من مخاوفه وينذر بكارثة طبية مستقبلا، في ظل إجراء العمليات بأطباء متطوعين من مختلف التخصصات لسد العجز العددي لهجرة البعض ونزوح آخرين.

«الوضع سيئ جدا للأطفال مبكري الولادة».. لا يحاول الدكتور زياد أبو طه، كتم مخاوفه أو كظمها داخل نفسه فالمضاعفات الطبية للأمهات والمواليد تتزايد، وكثير من السيدات أصبن بتلوث الجرح لعدم وجود رعاية أو أدوية داخل خيام النازحين بعد خروجهن من المستشفى، كما أن جميع حالات الولادة القيصرية تجرى داخل المستشفى بالتخدير النصفي “spinal”، لعدم توافر التخدير الكلي، والأولى أوشكت على النفاد هي الأخرى، كما أن كثير من الأمهات يعانين من سوء التغذية وعدم قدرتهن على إدرار اللبن للمواليد أو شراء اللبن البودرة، لعدم توافره من جانب وارتفاع أسعاره بشكل مبالغ فيه.

تابع مواقعنا