السبت 27 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

«الفرصة الأخيرة 4».. نقاش هادئ حول "رأس الحكمة"

السبت 02/مارس/2024 - 08:22 م

سألني الإعلامي المخضرم مصطفى بكري خلال استضافتي في برنامجه حقائق وأسرار على قناة صدى البلد، ضمن حوار اقتصادي عن الوضع الحالي ورؤية الحل، عن تقييمي لمشروع رأس الحكمة، الذي تم إعلانه مؤخرا بالاتفاق بين مصر والإمارات وبدء توريد الحصص الأولى من قيمته بالفعل، حيث يصل صافي التدفق الدولاري له إلى 24 مليار دولار خلال شهرين.

وفي الحقيقية فإن الأيام الماضية قد شهدت مناقشات متناقضة حول المشروع منها مَن يهلل بشكل مفرط له ويصوره على أنه المنقذ الأبدي للاقتصاد، ومنها مَن يسفه الأثر باعتبار أن المدخل الدولاري للمشروع ليس على قدر الديون المستحقة، إلى جانب بعض "الشطة" مفهومة المصدر والتوجه أيضا، في حين أن  قناعتي المتواضعة تشير إلى أن كلاهما مخطئ خاصة وأنه لم يتم إتاحة التفاصيل الكاملة عن المشروع حتى الآن.

وفي تقديري فإن تدفقات مشروع "رأس الحكمة"، تمثل مُسكنا شديدا وطويل المفعول للظرف الاقتصادي المريض، لكنها تتطلب إعمال بعض من التدخلات ليتم العلاج ولو بشكل جزئي، أولها تطهير الجرح المتمثل في صافي الأصول الأجنبية السالب في البنوك وبالأخص بنكي "الأهلي ومصر"، والمتمثل أيضا في سيولة العملة المحلية التي تستحوذ الحكومة على أغلبها وتعد سببا أساسيا في تفحل معدلات التضخم.

وحتى يتم ذلك، فهناك حاجة لعدم إنشاء نقد مصري جديد مقابل الـ 24 مليار دولار "قيمة التدفقات"، وأن يتم تداول هذا التدفق بمعرفة المركزي لتفريغ المتأخرات في الموانئ، وجدولة مستحقات الشركاء وتوزيعات أرباح الشركات وبالتوازي، مع ذلك تتم عملية تحريك سعر الصرف الذي يتم من خلاله التداول، وبخاصة أنه بدون ذلك فسوف يتم تكرار خطيئة محافظ البنك المركزي السابق التي اقترفها في مارس 2022 بالنص!.

يضاف إلى هذه الآليات، استخدام حصيلة الدولار الذي تم تداوله لجنيه مصري لسد النقد الحكومي المكشوف لدى البنك المركزي بأي إجراء تشديدي يرتضيه سواء من خلال عمليات السوق المفتوح أو رفع الفائدة أو المزج بين الخيارين، وفي حالة اختيار المركزي توجه التعويم المدار، فيجب اتباع جدول محكم لسداد المتأخرات لمنع انفلات سعر الصرف خلال الفترة المقبلة.

وحال تم ذلك، فسوف يتم ضمان فعالية "المُسكن" وعدم إهدار موارد دولارية بل على العكس يمكن البناء على الواقع الجديد من خلال مُسكنات أخرى أكثر قوة متمثلة في دعم صندوق النقد الدولي المتوقع خلال أسابيع وانتظام تحويلات المصريين في الخارج والتي اعتادت معاودة الانتظام بعد 3 شهور من انضباط سعر الصرف، بالإضافة إلى عودة بعض التدفقات الأجنبية بعد انتهاء دورة التشديد النقدي في الولايات المتحدة.

لكن لا يجب أن ننسى أن كل ذلك مجرد مُسكنات للمرض الحقيقي الذي يواجهه الاقتصاد، وعليه فهناك ضرورة للعمل على إقرار الحل الهيكلي للاقتصاد بشكل واضح لا لبس فيه من خلال إنهاء حالة الانفلات المالي والإنفاق الحكومي المستمر في ظل كونه المحرك الأكبر للاستدانة غير المستدامة والتضخم، والتوجه نحو اقتصاد تشغيلي حقيقي من ضمن مكوناته تخارج الدولة بكافة مؤسساتها بشكل قاطع من الأنشطة الاقتصادية وتيسير مناخ الاستثمار بشكل فعال.

وهو ما أكدته شركة أكسفورد إيكونوميكس، في تحذيرها من اعتبار صفقة رأس الحكمة علاجًا سحريًا للتحديات الاقتصادية طويلة المدى التي تواجهها الدولة، حيث أشارت المؤسسة البحثية إلى أنه على الرغم من كون صفقة رأس الحكمة خطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة للاقتصاد المصري، إلا أن الحلول طويلة المدى تتطلب الالتزام بالحصافة المالية والتي تتطلب الانضباط المالي الثابت الذي يمكن لمصر أن ترسم مسارًا نحو الاستقرار الاقتصادي الدائم.

أعلم أنه قد تختلف آليات تنفيذ ما سبق سرده ولكن تظل الوجهة متفق عليها سواء من جموع الاقتصاديين أو الجهات المانحة والمؤسسات المالية العالمية، حيث يظل الأسلوب الواجب إتباعه واحد يتطلب جودة في التنفيذ دون حلول بهلوانية حتى نتحول من حالة تسكين الجروح والأعراض للقضاء على المرض، وأيضا كي نضمن عدم اختلاق جروح جديدة.

وبخاصة أن الموقف والأداء الاقتصادي محسوم بعدم خلق التصرفات وطموحات التنمية "أيا كانت" لأزمات واختناقات تنتهي باستدعاء العالم الخارجي لإنقاذ مصر اقتصاديا من خلال حزمة إنقاذ bailout، وهو ما استوعبته الدولة جيدا بعد إنقاذ 1990 من خلال نادي باريس، وآمل أن تستوعبه حاليا في 2024.

ملخص الحديث أن "التفاؤل الحذر" هو ما يجب أن يسود الموقف حاليا دون تهليل أو شيطنة، في انتظار استيضاح كامل التفاصيل وتبيان آليات التعامل من قبل جهات الدولة المعنية مع الموقف بظروفه الجديدة التي أوجدها المشروع، والذي وصفته سابقا بأنه الفرصة الأخيرة للإصلاح، خاصة وأن تكرار هذه الفرصة قد تكون مستحيلة أو كما يُقال:
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ.

تابع مواقعنا