الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

من كنوز القرآن.. ورحمتي وسعت كل شيء

الأربعاء 20/مارس/2024 - 09:11 م

كنزنا اليوم من كنوز القرآن الكريم، ومن عطايا الرحمن الرحيم، يفتح به الله - سبحانه وتعالى - باب الرحمة لعباده، ويدعوهم إليه، ويتحبب إليهم به، وكأنه يقول لهم: (مهما فعلتم من ذنوب ومعاص فبابي مفتوح لكم، أقبل توبة من تاب، وأعفو عن السيئات: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) الزمر / 53، يقول سيدنا على بن أبي طالب _ رضي الله عنه_:(ما في القرءان آية أوسع من هذه الآية)، ويقول عنها سيدنا عبد الله بن عمر:( إنها أرجى ايةٍ في القرءان)، وفيها ينادى ربنا بنداء المحبة والرحمة على عباده، ويضيفهم إليه إضافة التشريف والقرب: (یا عبادي)، حتى لا يستسلموا للشيطان وكيده، ولا أعنى هنا شيطان الجن فقط، بل وشيطان الإنس أيضًا، نعوذ بالله من الصنفين.

والرحمة من أعظم الصفات التي تتميز بها شريعة الإسلام، فقد انفردت بالصدارة في القرءان الكريم، وبفارق كبير عن أي صفة أخلاقية أخرى، حيث تكررت صفة الرحمة بمشتقاتها ثلاثمائة وخمس عشرة مرة.

وهذه الكلمة الكنز: (ورحمتي وسعت كل شيء) كما ذكرنا كنز قرآني، حيث يقول ربنا - سبحانه في سياق الحديث. عن سيدنا موسى _ عليه السلام_: (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أنشاء ورحمتي وسعت كل شيء..) الأعراف/ 156، وقوله: ( ورحمتی وسعت کل شيء ) أي: لا نهاية لها، من دخلها لا تعجز عنه، وقيل: وسعت ( عموم)، أي كل شيء من الخلق، حتى أن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها، يقول الإمام القرطبي: قال بعض المفسرين: طمع في هذه الآية كل شيء حتى إبليس، فقال: أنا شيء، فقال الله تعالى: "فسأكتبها للذين يتقون"، فقالت اليهود والنصارى: نحن متقون، فقال الله: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي"، فخرجت الآية من العموم، والحمد لله، أي خصت بها أمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتحقق الشروط فيها.

وقد جاء في الحديث عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم أنه قال:( لله - عز وجل - مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الانس والجن والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على أولادها، وآخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة يرحم بها عباده) مسند أحمد.

وفي رواية: (لله - عز وجل - مائة رحمة، وأنه قسم رحمة واحدة بين أهل الأرض فوسعتهم إلى آجالهم، وذخر تسعة وتسعين رحمة لأولياته، والله - عز وجل - قابض تلك الرحمة التي قسمها بين أهل الأرض إلى التسعة والتسعين، فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة)، وفي صحيح الامام البخاري عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول: (جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)، وكل ما نراه من مظاهر الرحمة في الكون كله، وبين الخلق جميعا ما هو إلا قطرة من فيض الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء.

وأعظم الخلق رحمة بلا منازع هو سيدنا ( محمد ) - صلى الله عليه وسلم - الذي قال له ربه: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء / 107، فقد اختاره الله واصطفاه، وبعثه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور رحمة منه وفضلا، بل ورد في سيرة رسول الله وهميه، إن رحمته فاضت وعمت، فطالت كل ما في الكون من إنسان وحيوان، وطير ونبات وجماد، فهو كما قال عن نفسه _ صلى الله عليه وسلم _: ( إنما أنا رحمة مهداة )، وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قيل يا رسول الله، ادع على المشركين، قال:،( إني لم أبعث لعانًا، إنما بعثت رحمة )، وما رحمة رسول الله - على عظمتها - إلا مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء - وبهذا الحديث الشريف وغيره، يرسم النبي صلى الله عليه وسلم_ منهجًا للدعوة لمن أراد أن يدعو الناس إلى الله تعالى، فيحببهم إلى الله، ويستميل قلوبهم إليه، بتذكيرهم بصفة الرحمة التي انصف الله بها، حتى لا ينفروا من طريق الرحمن، ويتبعوا طريق الشيطان، وعلى هذا المنهج كان أنبياء الله ورسله الكرام في دعوتهم لقومهم، ونذكر من ذلك موقف سيدنا ( إبراهيم) الخليل عليه السلام، فعندما دعا أباه (ءازر) لعبادة الله عز وجل - وتوحيده، خوفه من عذاب الله فقال له: ( يا أبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ) مريم / 40 فرغم أنه ذكره بالعذاب وخوفه به، إلا أنه ذكره بصفة الرحمة التي يدل عليها اسم الله (الرحمن)، ليطمعه فيها، وكأنه يقول له: من أخوفك من عذابه رحمن، وهي على وزن (فعلان)وهي صيغة تدل على الامتلاء بالصفة كما قال العلماء، وربما ظن البعض أن الصفة التي تناسب مقام التخويف والترهيب وذكر العذاب صفة مثل: ( الجبار الشديد - المنتقم)، ولكنه عدل عن ذلك فقال: ( عذاب من الرحمن) التي تجعل كل مذنب وعاص بل وكافر بالله يعود إلى ربه (الرحمن الرحيم) يقول العلامة ( الطاهر بن عاشور) في تفسيره: ( وللإشارة إلى أن أصل حلول العذاب بمن يحل عليه هو الحرمان من الرحمة في تلك الحالة، وعبر عن الجلالة بوصف الرحمن للإشارة إلى أن حلول العذاب ممن شأنه أ نه يرحم، إنما يكون لفظاعة جرمه إلى الحد أن يحرمه من رحمته )، وهذا من فقه الدعوة إلى الله - عز وجل.

وكذلك لما اتخذ ( بنو إسرائيل) العجل إلها وعبدوه من دون الله، وذلك في فترة غياب سيدنا موسى عنهم، وكان قد استخلف عليهم أخاه (هارون )، والذي أراد أن يحذرهم من سوء عاقبة فعلهم بعيادة إله من دون الله، وأن ذلك ما هو إلا فتنة لهم، قال تعالى: ( ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن...) طه / 90، فذكرهم أنهم تركوا عبادة من صفته الرحمة، استمالة لقلوبهم إلى الحق، وذكرهم أن المعبود الذى ينبغى أن يعبد ويتخذ إلها هو(الرحمن) الذى يرحمهم فى سائر أحوالهم، يقول الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر السابق: ( وإن ربكم الرحمن هو وحده المستحق للعبادة والطاعة، وجمع سبحانه - بين لفظى الرب، الرحمن، لجذبهم نحو الحق، واستمالتهم نحوه، والتنبيه على أنهم متى تابوا قبل الله توبتهم، لأنه - سبحانه – هو الرحمن الرحيم.

وفي هذه الليالي المباركات، والأيام الطيبات من شهر رمضان هي ليالي وأيام الرحمة، وقد نظر الله فيها لعباده الصائمين من أمة حبيبه - صلى الله عليه وسلم - بعين الرحمة والعفو، واسبغ عليهم فيها واسع كرمه وفضله. وإذا كنا نطمع في رحمة الله التي وسعت كل شيء، فعلينا أن نتراحم فيما بيننا، وأن تسود المودة والمحبة، حتى نستحق رحمة الله، فالجزاء من جنس العمل، ولذلك قال سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من لا يرحم من في الأرض لا یرحمه من في السماء)، ويقول أيضًا: ( لن تؤمنوا حتى تراحموا، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، فقال: إنها ليست برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة).

فاللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تابع مواقعنا