الإثنين 29 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

من أعلام الإسلام.. الإمام الشافعي

الأربعاء 03/أبريل/2024 - 02:48 م

تزخر الحضارة الإسلامية على امتداد تاريخها بالكثير والكثير من الأعلام الشامخة، التي قامت بدور مؤثر، وأسهمت بشكل فعال في إرساء قواعدها، وإعلاء بنيانها، ورفع رايتها عالية بين الحضارات والأمم، في شتى مجالات العلوم والفنون.


وهؤلاء الأعلام حملوا مشاعل العلم، فأناروا دروب التائهين والحائرين وأرشدوهم، وذلك في الوقت الذى كانت فيه دول الغرب تعيش في ظلمات الجهالة، وتتخبط في مهاوى التخلف والرذيلة، وتحكم عقولها الأساطير والخرافات.


نضع بين أيدينا وأيدي شبابنا هذا النموذج لأحد أعلام الحضارة الإسلامية لنعلم وليعلم أبناؤنا أننا لم نكن هكذا دوما، بل كنا في يوم من الأيام في قمة العالم، ومقدمة الحضارات، وليكون ذلك دافعا لهم ليبحثوا عن أسباب التخلف الحضاري ويتجنبوه، ويتعاطوا أسباب التقدم ويأخذوا بها، وحتى لا يدب الوهن والخور واليأس في قلوبهم.


والعلم الذى سنتحدث عنه، هو علم شامخ من أعلام الفقه الإسلامي، له بصمات واضحة في هذا المال، وانصهرت فيه عدة مدارس فقهية تتلمذ عليها، ثم أفرز مذهبه الخاص اعتمادا على فهم كتاب الله وسنة رسوله، ومعرفته بأحوال الناس، مستعينا في ذلك الفهم أيضا بعلمه الجم، وثقافته الواسعة في اللغة العربية.
 

وثمة سبب آخر، وليس أخير، وهو أن تراب مصر تشرف بدفنه فيه حيث كانت وفاته بمصر ودفن فيها، إنه الإمام العالم العلم (محمد بن إدريس الشافعى –رحمه الله-).


نسبه هو "محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، وهو يعد ابن عم سيدنا رسول الله –صلى الله -عليه وسلم-؛إذا إنه يلتقى مع رسول الله في جده (عبد مناف )، فهما من أصل واحد، وهذه القرابة شرف عظيم لا يدانيه شرف، وعن هذا يقول الإمام النووى –رحمه الله- معلقا:(اعلم انه رضى الله عنه.

كان من أنواع المحاسن بالمحل الأعلى، والمقام الأسنى؛ لما جمعه من أنواع المكرمات، فمن ذلك شرف النسب، والعنصر الباهر، واجتماعه هو ورسول الله –صلى الله -عليه وسلم-في النسب، وذلك غاية الشرف ونهاية الحسب، ومن ذلك شرف المولد والمنشأ، فإنه ولد بالأرض المقدسة ونشأ بمكة، قلت: والإمام النووي بذلك يشير إلى مولد (الشافعى) فى (غزة) بأرض فلسطين، وذلك فى سنة 150 من الهجرة.


نشأته وبداية طلبه للعلم


نشأ الشافعي رحمه الله-يتيما، وتكفلت أمه بتربيته فانتقلت به إلى مكة وهو ابن عامين- وكانت امرأة فاضلة عاقلة تكنى (أم حبيبة الأزدية)، وقيل: اسمها (فاطمة بنت عبدالله بن الحسن بن الحسين بن على بن أبى طالب)، ولذلك قيل: "إنهم لا يعلمون هاشميا ولدته هاشمية إلا على بن أبى طالب والشافعى"، ولما عقل دفعت به إلى الكتاب ليحفظ القرآن؛ إذ إنه مفتاح العلم وبابه، فحفظ القرآن فى سن مبكرة، وفاق أقرانه، حتى أن المعلم كان يعفيه من الأجرة نظير قيامه بمتابعة باقي التلاميذ.


ثم حبب إليه طلب العلم خاصة فى اللغة والشعر وغريب كلام العرب، ومعرفة أيامها، فلازم قبيلة (هذيل) يأخذ عنها اللغة، وكانت أفصح العرب، حتى عد الإمام الشافعي من الثقات الفصحاء الذين تؤخذ عنهم علوم العربية، يقول الإمام الرازي: (اعلم أن المتقدمين من أئمة اللغة والمتأخرين منهم، اعترفوا للشافعي بالتقدم في علم اللغة، وأقروا له بكمال الفصاحة)، وقال عنه ابن هشام:(الشافعي كلامه لغة يحتج به)، نقلا باختصار عن "الامام الشافعى" للشيخ مصطفى عبد الرازق ص 49، وللشافعي –رحمه الله-ديوان شعر مطبوع سارت قصائده وأبياته الرائعات بين الناس وحفظوها.


وأمر آخر حبب إلى الشافعي فى بداية حياته، حتى عرف به واشتهر، وهو "الرمى"، فكان بارعا فى إصابة الهدف، يقول الشافعى متحدثا عن طفولته: (وكانت نهمتى فى شيئين: الرمى، وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب عشرة من عشرة" وفى رواية: (من عشرة تسعة)، وسكت عن العلم فقال له بعض من كان يستمع إليه: (أنت والله فى العلم أكثر منك فى الرمي)، يقول الشيخ مصطفى عبدالرازق: “ويظهر أن حب الرماية لم ينزعه من بين جوانب الشافعى جلال السن وجلال الإمامة”.


-ثم كان على صغر سنه يختلف إلى العلماء، ويكتب عنهم الحديث واللغة والشعر، حتى حفظ من ذلك الشىء الكثير، وفاق فيه من سواه، ثم صرف الله همته لتعلم الفقه فقيض له من وجهه إلى ذلك، روى الإمام "البيهقى" بسنده قال: قال الشافعى: خرجت أطلب النحو والأدب، فلقينى "مسلم بن خالد" فقال "يا فتى من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة قال: وأين منزلك؟ قلت بشعب الخيف، قال: من أى قبيلة أنت؟ قلت: من ولد عبد مناف، قال: بخ بخ، لقد شرفك الله فى الدنيا والآخرة، ألا جعلت فهمك هذا في الفقه كان أحسن بك.

وكانت هذه من أعظم نقاط التحول في حياة الإمام –رحمه الله- فقد توجه إلى الفقه يطلب العلم عل يد أعلام عصره البارزين بشتى التوجهات الفقهية وعلى اختلاف مدارسه وأقطاره، فقد جمع بين فقه أهل الحجاز ومناهج بحثهم؛ لأنه تخرج على يد "مالك" إمام دار الهجرة، وشيخ الحجاز في عصره، ولمس بدارسته فقه أهل العراق؛ لأنه درس كتبهم وناظر محمد بن الحسن" مدونها، وأقام بين ظهرانيهم وجادلهم، والمجادل متأثر بمسلك مجادله وطريقته وتفكيره.


أضف إلى ذلك نشأته بمكة وأخذه عن علمائها فى بدايات حياته، فجاء فقه الإمام الشافعي في النهاية بوتقة انصهرت فيها كل هذه الأفكار والمذاهب، ففقه الامام –رحمه الله-يمثل تمام التمثيل الفقه الإسلامى فى عصر ازدهاره وكمال نموه، فهو يجمع بين فقه أهل الرأى، وفقه أهل الحديث بمقادير متعادلة.

وبهذا الكلام علل الإمام الشيخ " محمد أبو زهرة"-رحمه الله- اختياره للإمام "الشافعى" ليبدأ به دروسه عن أئمة مذاهب الفقه الإسلامى، ثم يتابع قائلا: (وهو الفقيه الذى ضبط الرأى، ووضع موازين القياس، وأول من حاول ضبط السنة، ووضح الطرق لفهم الكتاب والسنة، وبيان الناسخ والمنسوخ).
 

لقاؤه بالإمام "مالك" وطلب العلم على يديه


يعد الإمام "مالك بن أنس" إمام المدينة المنورة من أعاظم العلماء، وكبار الأئمة خاصة في مال "الحديث والفقه"، وقد رغب الإمام الشافعى فى طلب العلم على يديه، والاستزادة مما عنده مشافهة، رغم أنه كان قد جاوز العشرين تقريبا،وبلغ فى العلم مبلغا عظيما حتى لقد أذن له بالفتيا الإمام "مسلم بن خالد الزنجى" وقال له: أفت يا أبا عبد الله، لقد آن لك أن تفتى، ومع ذلك رحل إلى الامام "مالك" بالمدينة ليتلقى عنه، وحتى لا يذهب إليه خاوي الوفاض، استعار كتابه (الموطأ)، وحفظه كما يقال فى تسع ليال، ليقرأ عليه من حفظه، وذهب إليه حاملا كتاب توصية من أمير مكة ليهتم بأمره، وكان الوالي من أبناء عمومة الشافعى، فلم يأبه "مالك"-رحمه الله- بذلك، وكانت له فراسة المؤمن الذى يرى بنور الله، فلما نظر إلى الشافعى قال له:(اتق الله فإنه سيكون ذلك شأن).

وفى رواية أنه قال له ناصحا وموصيا لما رأى رغبته الصادقة، وهمته في طلب العلم: (إن الله –تعالى –قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بالمعصية، ولما استمع الإمام "مالك" لقراءة الشافعى أعجبته؛ لما امتاز به من فصاحة وحسن إعراب، وقوة ذاكرة فلم يبخل عليه بشيء من العلم، وأكرمه غاية الإكرام، وأقام الشافعي بالمدينة إلى أن توفى "مالك" رحمه الله سنة 179 هجريا، كما أخذ "الشافعى" أيضا العلم بالمدينة المنورة عن غير" مالك " من الأئمة مثل إبراهيم بن أبى يحى".


ثم تولى (الشافعى) إمارة "اليمن" بعد موت "مالك"، وسار فى ولايته سيرة مرضية في العدل والحكم، وارتفع شأنه، حتى وشى به بعض الحساد، ورموه بتهمة باطلة وهى أنه متواطئ مع العلويين، فحمل ومعه آخرون إلى الخليفة "هارون الرشيد " ولكن الله حفظه وبراه من هذه التهمة، وقيض له من شهد له شهادة حق، واعترف بعلمه وفضله عند الخليفة، ويتواصل حديثنا مع الإمام الشافعى.
 

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تابع مواقعنا