الإثنين 29 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

في عشق الفائض الأولي

الثلاثاء 16/أبريل/2024 - 10:21 م

يمتلئ التاريخ المعاصر بالقواعد والآليات التي تنتهجها الحكومات والنُظم لفرض فكرة نجاحها وإنجازاتها على الشعوب سواء عن جدارة أو بدونها -عن استحقاق أو بالعافية-، ولعل قاعدة "كرر المقولة كثيرًا بما يكفي وستصبح هي الحقيقة" والمعروفة أكاديميا بـ"تأثير وهم الحقيقة"، هي الأكثر جدوى وتأثيرا في أغلب الأوقات.

ويبدو أن وزير المالية د. محمد معيط، يعي هذه القاعدة جيدا، وعليه يُصدّر منذ سنوات قليلة حالة من الزهو والإنجاز بتحقيق فائض أولي في الموازنة العامة، آخرها حديثه عن تسجيل فائض أولي بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 416 مليار جنيه، بمعدل نمو سنوي يتجاوز 8 مرات ونصف رغم التأثر بالأزمات العالمية، -كما يقول الوزير.

وحقيقةً فلا أعلم أي فائض أولي نتحدث عنه وما هو جدوى الحديث عنه في ظل الهيكل المالي الحالي، ففقط فوائد وأقساط الدين العام تُقدر بـ 2.4 تريليون جنيه، في حين أن جملة الإيرادات تحقق 2.14 تريليون جنيه، بمعنى أن كل إيرادات الدولة لا تكفي التزامات الدين فقط، ورغم ذلك نجد أنفسنا مستغرقين في سردية أن الإيراد يكفي مصروفات الدولة ويحقق فائض أيضا!

ليس هذا فحسب، بل إنه في حالة تحقيق فائض أولي إيجابي، سوف يوفر ذلك مساحة حركة fiscal space يمكن استخدامها لتخفيض حمل الدين، وهو ما لم يحدث إطلاقا، خاصة مع النظر إلى تطور إجمالي خدمة الدين كنسبة من الإيرادات الضريبية، والذي وصل في 2010 إلى ٥٥٪ وبدأ في النمو التدريجي وصولا إلى  85٪ في 2013، فـ 110٪ في 2022، ونهاية عند ١٤٠٪ في 2023، بما يعني أن الحكومة لا تزال تقترض حتى تسدد الفوائد وأصل الدين ذاته.

ورغم بداهة ذلك ووضوحه الجلي، نتغنى مرارا بتحقيق فائض أولي، دون أي منطق أو أرقام ومؤشرات مساندة، بما يشير إلى أن الفائض الأولي -باعتباره في ذهن مروجيه مؤشرا على كفاءة المالية العامة-، يجسد مشكلة إدارة الاقتصاد المصري، حيث تتصرف الإدارة المالية كأنها "كاشير" مسئول عن إيراد ومصروف دون ناتج اقتصادي حقيقي.

أما عن انعكاس هذا الفائض بشكل مجتمعي على جودة الحياة أو  استدامة الدين، فلن تجد أي إشارات، وكأننا -دون تجاوز- أشبه بكاشير محل يتباهى بأن حساباته منضبطة ويتناسى أن المحل ذاته مرهون وأن هذا الإيراد لن يكفي سداد الرهن، والأدعى من ذلك أن هذا الإيراد قد يأتي على حساب تقليل الصرف على أشياء مهمة أخرى تزيد من الأزمات داخل المحل أو تقلل جودة العمل فيه ومنتَجه أيضا.

بالضبط كما ذُكر في التقرير الصادر عن المعهد القومي للتخطيط في أبريل 2023 والذي قال نصا: ‏"لقد اقترن تحقيق الفائض الأولي بزيادة مطردة في قيمة الدين ونسبته للناتج المحلي الإجمالي نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض ومدفوعات فوائد الدين.."، أي أن هذا الفائض يتلاشى تأثيره في ظل تعاظم تكلفة خدمة الديون، وعليه فلا يصح التباهي به أو ذكره دون أي إشارات لحجم الديون.

أي أن هذا المؤشر الذي يُعرف على أنه الفرق بين إيرادات الموازنة العامة للدولة ومصروفاتها (بعد استبعاد فوائد الدين)، يفقد معناه تماما حينما تكون خدمة الدين أعلى من الايرادات، وهو ما يتفق مع كون مدفوعات الديون مستهدف لها 67% من إجمالي إنفاق الدولة في السنة المالية 2023/2024، وأن الاقتراض وإصدار الأوراق المالية تصل نسبته إلى 49% من قيمة مصادر دخل الموازنة من أصله.

وتخضع تخريجة الفائض الأولى لما يعرف بقانون جودهارت Goodhart's Law والذي يقول أن عندما يصبح المؤشر هدفا، فإنه يتوقف عن أن يكون مقياسا جيدا، أو بمعنى آخر، بمجرد أن تبدأ في استخدام المؤشر لمحاولة التأثير على النتائج، تصبح هذه المؤشرات أقل فائدة، وهو ما يتفق تماما مع واقع المستوى الاقتصادي الذي يعلمه رجل الشارع العادي قبل المتخصصين.

لذلك، كفانا حديثا عن مؤشرات لا تتناسب مع واقعنا الاقتصادي ولا يتم ترجمتها لتحسن في جودة الحياة أو في تخفيف عبء الديون، أو على الأقل حينما يأتي ذكرها يجب أن يكون في إطار أشمل ملم بكامل محيطها وتأثيرها، حتى لا نصدر الوهم خاصة في هذا الظرف الذي بعلمه الجميع.

تابع مواقعنا