الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

يحيى ياسين يكتب: أبتاه لا تبكي

القاهرة 24
الإثنين 05/فبراير/2018 - 04:25 م

في كل سفرة من عملى لبلدى أجدهم يصطفون محملين بزاد ومتاع، يفترشون الأرض وقد توشح البؤس وجوههم وتكاثر الذباب على أطعمتهم فهم يصرفونه بكسوتهم ما استطاعوا، فهم خلف أسوار حصينة صامتون يهمسون فحسب، كأن أمرا جللا قد أهمهم فهم يرسمونه بمظهرهم.

أحسبهم أفرادا فإذا ما خطوت قليلا أعدهم عشرات بل بالمئات مذنبين فى ظلمة الليل الذي انتصف بعد، تلفح أجسامهم موجة من الصقيع، فتجد أمّا تضم أبنائها إلى حضنها وأخرى تلف سيدة عجوز بورق من الكرتون ورجل اتكأ إلى الحائط فتوشح شاشه كى لا يشعر البرد.

كيف لهؤلاء أن يبيتوا ليلتهم في البرد والظلام!، ظللت اتسائل حتى وقعت عينى على الحائط، نعم إنه سالب الحريات ومشرد الاهل ومغلق الديار وقاتل الآمال “السجن”.

بينما أخطو قريبا منهم، اقترب غلام منى متعجبا متسائلا ” انت وحدك” فأين بقية أهلك؟ ولم جئت متأخرا!؟ تعجبت منه ! كيف أكون متأخرا ولم تشرق الشمس بعد وها قد انتصف الليل منذ القليل!، فتبسم الغلام “شكلك أول مرة تزور حد”، ثم أخبرنى أنهم يقبلون قبل زيارتهم بيوم فيبيتون ليلتهم منتظرى الصباح فيرتبون أنفسهم استعدادا لملاقاة ذويهم! ” أبي ليس مجرما ” هكذا أجاب الغلام حين سألته لماذا قبض على أبيك!؟، إنما اقترض مالا ليكفينا طعاما وملبسا أنا وإخوتى ولم يستطع سداده فما كان عليه سوى الحبس وقد ترك أمى تبيع الخضروات وأعينها وإخوتى فنجمع قوت يومنا.

“مات أبي وحُبست أمى” جاءت صغيرة أخرى فقالت كان أبواى يتشاجران كثيراً حتى جاء أبي يوما يسوط أمى بحبل فكاد يخنقها فما لبثت أن دفعته بحديدة جوارها فأردته صريعا!! “أنا الثكلى الأرملة”، وأما هذه فسيدة في مشارف الخمسين من عمرها، تقرحت عيناها من طيلة النُواح، فقالت “على ولدى فلتنوح عينى” ثم قصت أن ولدها قد قُبض في مظاهرة وقف بها ينظر ماذا يفعلون وقد فُصل من دراسته ومات أبوه حزنا على فراقه.

ليت السجن كان تأديبا لمن يسكنه فحسب، بلى والله إنما السجين فى راحة عما يعانيه أهله بالخارج، فهذه تندب ولدها وأخرى تشتاق زوجها وولد أعابه سجن أبيه ورجل فقد ولده ظلما، فهم فى العذاب سواء، وليس عذاب فراقهم بل عرقلة لقاءهم فى محبسهم أيضا، فمتى ترحم القلوب ساكنى المحابس!؟

تابع مواقعنا