الثلاثاء 19 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

البوح الأنثوى بين الخطأ والصواب.. قراءة في رواية شجرة اللوز لسماح الجمال

القاهرة 24
ثقافة
الخميس 18/أكتوبر/2018 - 12:38 م

وراء كل كتاب فكرة، ووراء كل فكرة خطوة للأمام،  هكذا قال الأديب الكندى” البرتو مانغويل”، في حين أن الفيلسوف البريطاني “برتراند راسل” أكد أن الكتاب الذي لا يحلّ مشكلة الجوع بالعالم لا يستحق أن يُنشر، الجوع هنا لا يقتصر على الفقر الغذائي وسد حاجة الإنسان من طعام بل يشمل الفقر الاجتماعى من عادات وتقاليد وصراعات، قد تؤدى بنا إلى حافة الهاوية وانهيار المجتمع.

بحكمة وبلاغة ونضج ومعرفة وعبق شعرى يذوب في ثنايا السرد، تفاجأنا سماح الجمال بروايتها “شجرة اللوز” الصادرة عن دار النخبة للنشر، المثيرة للتأمل والمتعة من حيث المضمون والعنوان أيضا، فشجر اللوز يسقى من ماء واحد، تتشابه فيها الغصون وتتشابك وتتلاحم ولكن تختلف الثمرات، منها الحلو العذب والمر، هكذا الحياة الاجتماعية رسمتها الكاتبة وكأنها تمسك بريشة فنان وترسم شجرة اللوز بثمارها كأشخاص يتواصلون ويتكاشفون، يتحابون ويحاربون، يمارسون كل أنواع الخداع والبوح وكسر تابوهات الحياة الاجتماعية، فتتشكل أحداث الرواية وتبرز حركتها داخل شبكة اجتماعية من الصديقات الثلاثة “أميرة وسلوى وماجى” مرورا بـ “خالد وأشرف وعلى” وإذا كان هناك “على” آخر يتطلع إلينا من النافذة السردية بعد أن أعلن إسلامه، رواية شجرة اللوز، تضع نقاد السرديات أمام تحديات جديدة، إذا لم يكونوا مدركين ما يحدث في ثورة المعلومات عبر شبكات الإنترنت.

من هذا المنطلق تتنزل الرواية ضمن “الواقعية الإجتماعية”، وهي إضافة في هذا الإتجاه العريق من الرواية المصرية بعاداتها وتقاليدها، الروائية هنا، نستكشفّ من خلال أسلوبها السردى رغبتها الجامحة في الإنعتاق وانتصارها اللامحدود لعالم المرأة المهمشة في المجتمع، التى تنهشها الفوضى يوميا بعادات وتقاليد بالية تعلوها طبقة من العفن، مجتمع فيه تهان المرأة من أجل أن تتزوج وتحصل على صك الزواج بمثابة ورقة ممهورة بتوقيع وخاتم.

الشخصيات :

تتنوع الشخوص في الرواية من حيث حركتها وكمونها ، فهناك الشخصيات الأساسية في الحكاية: “أميرة” وهى الشخصية المحورية الأكثر تحركا في مضمار السرد والأكثر تأثيرا في قفزات الحدث الحكائي ، هذه الشخصية المركزية التي بمثابة المحور الذى يجمع على أجنحته صديقاتها “سلوى و ماجى” ، اختيار الكاتبة لأميرة وكأنها أرادت التركيز على الصوت الأكثر علوا كالشخصية المركزية التي تحرك الأحداث وتحرك هي ( خالد ) ، و( على)، (أحمد) وهناك الشخصيات المستديرة : أي المنطلقة من نقطة والعائدة إليها مع امتدادات الحدث ، وتمثل “طنط دلال” و”سوسن” اخت ” “أميرة” وهو شخصية أساسية في الرواية ولكنها لا تنمو ولا تتحرك كما تتحرك البطلة الأساسية رغم كونهم تربوا في بيت واحد، هنا تظهر فلسفة العنوان”شجرة اللوز” ، ولكنها مع هذا هي شخصية جوهرية حيث يتحرك النص من خلالها.

الفكرة :

فكرة الرواية تدور في مداراتها العامة حول “أميرة” غريبة الطباع، المثقفة المطلعة، تحكي عن حياتها بلسانها وعلاقاتها مع أهلها وصديقاتها ونظرتها للمجتمع ونظرة المجتمع لها، في قالب حكواتي دقيق الملامح في التسجيل والرصد، ولكنها على المدى الضيق، هى واحدة من قطعان النساء وقوافلهن اللاتى استسلمن لعادات المجتمع، وأن المرأة لابد وأن تتزوج كى لا يقذفها الناس بالحجارة وينعتوها بلقب عانس ، استسلمت ووافقت على الزواج من “خالد” وكانت أذنها صاغية لمقولة “أن الحب يأتي بعد الزواج”، إرضاء لرغبة أبوها وأمها – رغم حبها العميق لشخصيتها وإيمانها الشديد بثقافتها وطموحها اللا محدود في شريك عمرها حتى وإن لم يكن شخص بعينه، لم تكن أميرة وحدها هي ضحية زواج الصالونات وعفن المجتمع بعاداته وتقاليده، بل كانت ترافقها في المصيبة “سلوى” صديقتها أيضا التي تزوجت بـ “أشرف” ولم يكن له في اسمه نصيب فلا يعرف للشرف عنوان أو طريق إلا أن صديقتهم الثالثة “ماجى” هي من انتصر لها المجتمع أو بالأصح انتصرت هي على عادات المجتمع البالية،

في جلسة بوح نسائية بين صديقات العمر “أميرة وسلمى” تسقط الأقنعة فجأة وتتجرد الزخارف وتظهر الأمور إلى مستهلها، تسرخى أميرة قائلة نعم تزوجت “خالد” إرضاء للمجتمع، شاب طموح ميسور ناجح في عملة، تزوجته وأنا لا أحبه، نعم أخبرته بذلك فكان ينظر إلي ولا يبالى كل ما يهمه جسدى الذى سجنه بجبروته حتى شاءت المقادير أن ينفك السجن ويسافر السجان إلى الخليج، هنا مكثت في شقتى بمفردى، إلى أن وجدت ضالتى عبر صفحات السوشيال ميديا بالفضاء الإلكترونى “على” فتى أحلامى الصحافى المعروف الذى كنت أراه يوما على أعمدة الصحف وشاشات البرامج، حتى ملأ على وحدتى.

نعم استغربت سلوى فيما تقوله صديقتها وأخذت تهدء من روعها، فاجأتها أميرة قائلة سلوى هل حدث لكى حمل من قبل، هنا كانت الطامة الكبرى كيف يحدث الحمل وأشرف غير قادر على الإنجاب أو حتى ممارسته العلاقة الزوجية نفسها.. أشرف مريض يا أميرة ناهيكى عن ذلك اكتشفت فيما بعد أنه يعانى من الشذوذ، أعلم أنك صدمتى مثلى بالضبط أخذ يهدء منى واغدقنى بأموال عديدة وترك لى “الحبل على الغارب” كما يقولون وها أنا الأن عشيقة لصديقه أقابله عندما يسافر “أشرف”، نعم أخون زوجى انتقاما من نفسى ومنه ومن أبى وأمى والمجتمع، في الوقت نفسه تنفصل أميرة عن خالد وتجهض مولودها ولم يتزوجها على رغم حبها الشديد له.

اما صديقتهم الثالثة ماجى فقد أنجبت طفله من أب أجنبى غير مسلم احببته واخلص لها اقتنع بالإسلام واعتنقه وغير اسمه إلى “على” فيما بعد.

نعم بكت”ماجى وأميرة” بحرقة بعد أن علموا أن سلوى قتلت على يد “أشرف” وأن المجتمع نظر إليها بمنظور الخائنة ولا يعلم ماذا فعله أشرف والمجتمع نفسه في حقها.

لكن فكرة الرواية في شكلها الأضيق ، تدور في فلك الزيف والتلميع الخارجي للشخوص ، زيف المجتمعات، زيف القوانين الحمقاء المصنوعة اجتماعيا بشكل لايسمح للمرأة بالخروج عليها، لتتحول لأنثى تلهث وراء رغباتها ومتعتها فقط، زيف الحبال التي تحرك الدمى والأحداث التي تغير وجه المجتمع.

اهتمام الكاتبة المفرط بالسرد دفع بالنص إلى التدحرج صوب النهاية في رباط وثيق بشخصياته فتحقق التشويق.

المكان والزمان في الرواية

الكاتبة حاولت جاهدا أن تكتب سيرة أبطالها بين طيات الزمان والمكان، وأن يعكس شئ من المناخ النفسي والإجتماعي وتفاصيله ومفردات حياتهم وهو لم ينظر إليه من زاوية محددة، ولذلك فإنّ هذه السيرة لم تر سوى جوانب معينة ولم تذكر سوى تفاصيل محددة، قد لا تكون هي الأهم فذكرت الإسكندرية وشوارعها وبحرها، عندما ذهبت “أميرة” إلى الشاليه إما بالنسبة للزمان فقد تطركت الكاتبة لعصر السوشيال مديا كحقبة زمنية وتقنية جديدة في الرواية فيه وجدت أميرة ضالتها “على” ومن خلاله تعرفت على “أحمد”.

جماليات السرد

تظهر جماليات السرد التي تصل أحيانا ذروتها الرائعة، في جود الأحداث كجماليات متشابكة بخيط السرد الرئيسي والإندفاع للحديث، مدمجة في بنية فنية رائعة، هنا نجد النص عملا رائدا ومميزا من البوح، ويتمتع بمزايا عديدة، وبجماليات فنية في السرد والعرض والتناول، وفي الروح الفريدة التي تمتلئ بها الكتابة، والحياة الحقيقية التي يحفل بها النص.

التقنية في سياق النص

تعتبر رواية “شجرة اللوز” من النصوص الأدبية، التي استفادت من التقنية المعلوماتية ، داخل النص حيث وظفت ( السوشيال ميديا ) ، بشكل منسجم، وطبيعة الشخصيات (أميرة / على / أحمد ) ، حيث الزمان الذى اعتمد حتميا على وسائل الاتصال التكنولوجية.

وبصورة عامة فأن “شجرة اللوز” رواية قائمة على البوح الأنثوى والصراع المجتمعى انتصرت فيه الكاتبة للسرد على اللغة الشعرية على الرغم من كونها شاعرة، الرواية رائعة ولكنها تحتاج إلى قارئا يقظا وذكيا ليستطيع مجاراة قفزات الحدث، شجرة اللوزجديرة بالقراءة حقا.

تابع مواقعنا