الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

انتحار أم اغتيال سياسي.. عبد الحكيم عامر اللغز الأشهر في تاريخ مصر الحديث

عبد الحكيم عامر
تقارير وتحقيقات
عبد الحكيم عامر
الثلاثاء 11/ديسمبر/2018 - 02:20 م

في ليلة من ليالي ديسمبر عام 1919، وبالتحديد يوم الحادي عشر، وفي قرية أسطال، مركز سمالوط بمحافظة المنيا، ولد رجلًا عاش مثيرًا للجدل، لازمته الإثارة حتى في وفاته يوم 14 سبتمبر 1967.

عبد الحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الحربية ونائب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي ورئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، كل تلك الألقاب والمناصب حملها وتولاها رجلًا واحدًا فقط، كان أقرب أصدقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبعد وفاته في ظروف غامضة، صار الصديقان عدوان وتداول المؤرخون الاتهامات بينهما، مرة بإنقلاب مُزمع كان يقوده عامر ضد ناصر، ومرة باغتيال سياسي أُتهم به ناصر تجاه عامر.

إعلان مثير

في يوم 15 سبتمبر 1967، أعلنت مصر خبر انتحار المشير عبد الحكيم عامر، وجاء في البيان: “وقع أمس حادث يدعو إلى الأسف والألم، إذ أقدم المشير عبد الحكيم عامر على الانتحار بابتلاع كمية كبيرة من مواد مخدرة وسامة، ورغم كل الإسعافات الطبية العاجلة، فإنه أصيب أمس بانهيار مفاجئ نتج عنه وفاته”.

51 عامًا على وفاة عبد الحكيم عامر، ولا زالت الأسئلة تُطرح ولا زالت الاجتهادات تُبذل في سبيل معرفة لغز وفاة الرجل القوي الذي يصعب أن يُقدم على الانتحار بشكل درامي.

انتحار عبد الحكيم عامر

السنوات السمان

“ستظل نساء مصر يحملن ويلدن مرة وراء مرة ولكنهن ولو بعد مائة سنة لن ينجبن مثل جمال عبد الناصر”، هكذا قال عبد الحكيم عامر عن جمال عبد الناصر في أحد الأيام، ولكنه وفق مجلة “لايف” الأمريكية” كتب وثيقة يوم 10 سبتمبر 1967 ضمن مذكراته بخط يده قال فيها: “إذا أتانى الموت فسيكون الذي دبر قتلى هو جمال عبدالناصر، الذي لا يتورع الآن عن أى شىء”.

جمال عبد الناصر كان يعتبر عبد الحكيم عامر، آخاه الذي لم تلده أمه، ففي العام 1953، تمت ترقيته من رتبة صاغ إلى رتبة لواء وهو لا يزال في الـ 34 من العمرـ متخطيًا ثلاث رتب، وأصبح القائد العام للقوات المسلحة المصرية.

عبد الحكيم عامر وعبد الناصر

تلك الترقية أغضبت الجميع آنذاك، فيقول محمد نجيب في مذكراته: “لقد صارت ثورة عنيفة معارضة لترقية عبد الحكيم عامر من رتبة الصاغ إلى رتبة اللواء دفعة واحدة، وتعيينه قائدًا عامًا لجميع القوات المسلحة، مبينًا أن ذلك سوف يخلق نقمة عامة في الجيش، قد تكون صامتة ومطوية في الصدور، لكنها ستكون قابلة للانفجار في أي لحظة، وقلت لهم: إني اعترضت على تعيين الفريق محمد حيدر رغم أقدميته، لأنه كان بعيدًا عن صفوف الجيش، وأنا اليوم أعترض على ترقية عبد الحكيم عامر، وتعيينه قائدًا عامًا للجيش لأنه ليس مؤهلًا لذلك. ولم ييأس المجلس من الوصول إلى غرضه، فتكرر عرض الموضوع في أكثر من مرة، وفي كل مرة كنت أرفض وأثور وحدي بلا نصير يقف معي، وهددت بالاستقالة فتأجل الموضوع ثلاثة أسابيع. لم أعترض فقط على ترقية عبد الحكيم عامر أربع رتب دفعة واحدة مما ليس له سابقة في الجيش المصرى، لكننى اعترضت أيضا على إعلان النظام الجمهوري، لأنه كان يجب أن ينص عليه في الدستور أولا. وأشهد أني قبلت تحت ضغط وإلحاح استمر ثلاثة أسابيع بعد أن فكرت كثيرا في الاستقالة، وأعترف الآن أن هذا كان خطئي الكبير الذى وقعت فيه، فقد شعرت بعد قليل أنني أصبحت فى مركز أقل قوة بعد أن تركت قيادة الجيش، والشخص الوحيد الذي استقال نتيجة لهذا الموقف كان اللواء الجوى حسن محمود قائد القوات الجوية”.

عبد الناصر لم يتردد ثانية واحدة في تعيين عبد الحكيم عامر في العديد من المناصب السياسية والعسكرية وحتى الرياضية الهامة، فعامر كان صندوق أسرار ناصر، وناصر كان يرى في عامر ما لم يراه في أي شخص آخر من قيادات ثورة 1952.

جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر في صورة نادرة

السنوات العجاف

يقول الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في كتابه “البحث عن الذات” أنه مع بداية عام 1967 تقدم المشير عامر بطلب إلي جمال عبدالناصر حمله إليه شمس بدران وكان هذا الطلب أن يعين المشير عبد الحكيم عامر رئيسًا للوزراء، ويومها قال عبد الناصر للسادات: “أنا أخذت الموضوع ببساطة وقلت لبدران قل للمشير ماعنديش مانع أنا موافق بس يسيب القوات المسلحة.. أنا هلاقي مين أحسن من حكيم يمسك الوزارة”.

وأضاف السادات أن رد عبد الحكيم عامر على طلب عبد الناصر كان الصمت، فهو يعتبر القوات المسلحة مكانه الطبيعي ولا يمكن أن يتخلي عنه لأي سبب، وتابع السادات سرد شهادته عن علاقة ناصر وحكيم، حيث قال: “إن عبد الناصر كان يفكر في ترك الرئاسة علي أن يتولي مسئولية الاتحاد الاشتراكي لكنني قلت له: مش معقول يا جمال تسيب الرياسة وتقعد في الاتحاد الاشتراكي علشان عبد الحكيم وأعوانه يحكموا مصر، انت عارف إن عبد الحكيم أسوأ من يختار معاونيه وهم من تسببوا في فشل الوحدة مع سوريا ومع ذلك فهو متعصب لمعاونيه تعصبًا قبليًا، نقوله شيل صدقي قائد الطيران يقول لك قبل ما تشيلوه شيلوني أنا”.

عامر وناصر والسادات

من هنا بدأت السنوات العجاف بين الصديقين، ولكن الصراع بات مُعلن في نهاية عام 1966، حيث توحش عامر في قيادته للجيش، وزادت سلطاته بشكل أزعج جمال، بل توالت الاتهامات لعامر بالكثير من الأزمات التي حدثت سواء على الصعيدي السياسي والعسكري، أو حتى على الأصعدة الثقافية والرياضية والاجتماعية.

معركة دامية

انتهت السنوات السمان وبدأت السنوات العجاف التي تطورت سريعًا حتى وصلت إلى حد الصدام الحاد بين أقوى رجلين في مصر، وذلك عقب نكسة 1967، الذي كان يرى عبد الناصر أن المشير عبد الحكيم عامر يتحمل نتيجتها، بينما كان يرى عامر أن الرئيس عبد الناصر شريك فيما حدث.

– يا جمال.. أنا على استعداد لإثبات براءتي أمام محكمة عسكرية.

– لا.. هذا ليس ممكنًا الآن.

– هل تأمرني بالصمت إذن.

– نعم.. محمد نجيب ظل صامتًا من 1955 حتى سكت للأبد.

– مش أنا اللي أسكت والتزم الصمت.

– فكر في مستقبل أولادك، وأسرتك وأقاربك.

هذا كان حديثًا بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بعد أيام من هزيمة 1967، ونشر هذا الحديث ضمن وصية المشير في مجلة “لايف” الأمريكية، وهذا المقطع من الحديث يبدو كافيًا لكشف العلاقة بين القويين في تلك الفترة.

هذا السياق من الحديث عقبه رد فعل من عبد الناصر الذي أعفى عبد الحكيم عامر من منصبه، فحزم الأخير حقائبه وسافر إلى قريته في المنيا، ليقضي بها أيامه.

وفى يوم 25 أغسطس 1967، طلب عبد الناصر من عبد الحكيم عامر أن يحضر إلى منزله، من أجل تصفية الأمور بينهما وإنهاء الخلاف، وبحسب بلاغ قدمه أبناء عبد الحكيم عامر إلى النائب العام في 2012 لإعادة فتح التحقيق في مقتل والدهم، ذكروا أنه خلال ذهاب عامر إلى منزل عبد الناصر تم القبض على كل الضباط الذين كانوا فى منزل المشير من أجل حمايته، وتم قطع الاتصالات عن المنزل، وفرض الحراسة عليه.

عبد الحكيم عامر وأسرته

وأضاف البلاغ: “ذهب المشير إلى منزل الرئيس، واستعد لجلسة عتاب، لكنه فوجئ بحضور نواب الرئيس، زكريا محيى الدين، وحسين الشافعى، وأنور السادات، كما وجد خارج المنزل العميد محمد الليثى ناصف، قائد الحرس الجمهورى فى ذلك الوقت، يتابع انتشار رجاله فى حديقة منزل الرئيس لحظة وصول عامر”. وأوضح أن الرئيس عبدالناصر اتهم المشير عامر، بأنه كان يدبر انقلابًا على الحكم، وحين طلب الأخير إجراء تحقيق رسمي حول هذا الاتهام، رفض عبدالناصر قائلاً: “إن كافة تفاصيل الانقلاب تحت يده”، وحينها هاج المشير الذى حضر تلبية لدعوة صديقه، فإذا بالدعوة ليست إلا فخًا وتدبيرًا يحاك للتخلص منه، وانتهى الاجتماع الذى وجه فيه الاتهام بلا محاكمة، وقبض على عبد الحكيم عامر وتحركت به السيارة إلى منزله الذى أعد ليكون معتقلاً له، بحسب ما ورد في نص البلاغ.

رئيس المخابرات العامة آنذاك، أمين هويدي، سرد ما دار بين عبد الناصر وعامر في روايته، حيث قال إن عبد الناصر واجه عامر بوقائع معينة تدينه منذ عام 1956، فرد المشير قائلًا: “أنا لم أخن.. وقدمت رقبتي 100 مرة، ولدي الاستعداد لتقديمها 101 مرة”، وهنا طالبه الرئيس بترك القوات المسلحة، وأن يكتفي بمنصب نائب رئيس الجمهورية، فرفض المشير، وبناء عليه أخبره الرئيس جمال عبد الناصر بتحديد إقامته، فانفعل المشير قائلًا له: “انت تحدد إقامتي.. قطع لسانك”، فتدخل السادات في الحوار واتهم عامر بأنه “متآمر” وهناك أدلة على ذلك، فغضب المشير وسب السادات قائلًا: “أنا متآمر يا بربري”، فانتهى الأمر بتحديد إقامة عبد الحكيم عامر في منزله بالجيزة.

انتحار أم اغتيال

في الأربعاء 13 سبتمبر 1967 وبالتحديد في تمام الساعة الرابعة عصرًا، ذهب عبد الحكيم عامر إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، ووفق التقارير الطبية آنذاك كانت حالته جيدة، وكانت أجهزة وأعضاء جسده تباشر عملها بشكل طبيعي، إلا أنه أعلن عن وفاته صباح اليوم التالي، بعد أن تناول كمية كبيرة من مادة سامة، ليموت منتحرًا بحسب الرواية الرسمية.

في البلاغ الذي قدمه أبناء عامر قالا: “في 13 سبتمبر عام 1967، أسند للفريق محمد فوزي مهمة تنفيذ خطة القتل، ومعه عبدالمنعم رياض، وسعد زغلول عبدالكريم، قائد الشرطة العسكرية، واستخدمت القوة مع المشير لإجباره على الخروج من البيت، وأدرك المشير أن الأوامر صدرت بقتله رافضًا الانتقال معهم طواعية، وانهال عليه رياض وعبدالكريم بالضرب، وسمع أهل البيت صراخ المشير فأسرعوا لنجدته، فوجدوه يحمل شومة للدفاع عن نفسه فتكاثر عليه الضباط وأوسعوه ضربًا، وادعى عبدالمنعم رياض أن المشير ابتلع شيئًا وأنهم سينقلونه إلى مستشفى المعادي لعمل غسيل معدة، وانطلقت فرقة الاغتيال بالمشير إلى مستشفى المعادي. كان المستشفى معدًا لاستقبال المشير، لكن الأطباء لم يكونوا على علم بطبيعة المهمة لدواعي السرية. وكان الرائد الطبيب حسن عبد الحي أحمد فتحي، طبيب النوبتجية، أول من استقبل المشير واستمع إلى مرافقيه أنه ابتلع مادة سامة، وكشف على المشير فلم يجد أي أثر لدعوى الانتحار وكانت صحته جيدة ولا تظهر عليه أية متاعب مرضية سوى آثار الضرب.

عبد الحكيم عامر وعبد الناصر وقيادات الثورة

وبين البلاغ أن الأطباء الذين تولوا علاج عبد الحكيم عامر بمستشفى المعادي، كان عددهم خمسة، هم: الرائد أحمد عبدالله، والرائد حسن عبد الحي، والمقدم محمد عبدالمنعم عثمان، والعميد محمد عبدالمنعم القللي، والعميد محمود عبدالرازق، مضيفًا أنهم ذكروا فى التقرير الطبي الذى قدموه إلى النيابة العامة، أن الحالة العامة للمشير كانت جيدة.

وكشف البلاغ أنه بعد التقارير الطبية لأطباء المستشفى، أمر الفريق فوزي بنقل المشير إلى استراحة المريوطية، بعد أن أوشكت المؤامرة على الافتضاح في المستشفى، على الرغم من طلب الأطباء بقاء المشير تحت الملاحظة 24 ساعة، وأحكم قبضته بنفسه على المشير في سيارته الخاصة منطلقًا إلى الاستراحة، وتبعتهم عشرات السيارات التي تحمل باقي أفراد قوة الاغتيال، على حد وصف البلاغ.

واتهم البلاغ المذكورين باغتيال عبد الحكيم عامر بإعطائه السم فى علبة عصير جوافة، فأودت بحياة المشير فى تمام 6.35 مساء يوم 14 سبتمبر 1967، وأضاف أنه لم تبلغ النيابة بالوفاة إلا فى الحادية عشرة مساءً، وحضر للاستراحة المستشار محمد عبدالسلام النائب العام في ذلك الوقت، والمستشار عصام حسونة وزير العدل آنذاك، ومجموعة من الأطباء الشرعيين، واستكمل التقرير المبدئى للنيابة مشاهدة الجثمان مسجي على فراشه في إحدى حجرات النوم بالاستراحة، وسجل أيضًا العثور على الشريط اللاصق الذى يحمل سم “الأكونتين”، الذى وضعوه أسفل بطن المشير، وسجل النائب العام الحادث انتحارا.

هكذا ترى أسرة عبد الحكيم عامر أن المشير قُتل في عملية اغتيال سياسي، بينما يرى العديد من شهود العيان والقريبين من موضع صناعة القرار أن المشير عامر انتحر، فقال السادات حينما علم بالخبر: “والله إذا كان ده حصل يبقى أحسن قرار اتخذه عبد الحكيم عامر كقائد خسر المعركة لأني لو كنت مكانه كنت هعمل كده يوم 5 يونيو، لأنه في التقاليد العسكرية أي قائد بينهزم بيعمل كده”.

بينما تقول برلنتي عبد الحميد، زوجة المشير عبد الحكيم عامر، أن الطبيب الذي حقق في الوفاة قال لها أن عامر مات مسمومًا، وأطلعها على صورة التقرير الطبي الأصلي الذي يثبت ذلك، وأضافت أن زوجها أخبرها بمخاوفه من أن تقوم أجهزة عبد الناصر بقتله للتخلص منه بسبب ما في حوزته من معلومات، وليكون كبش فداء للهزيمة التي يرفض عبد الناصر تحمل نتيجتها.

بلا ولا شئ

عشرات السنوات نتذكر في كل عام يوم ميلاد عبد الحكيم عامر ويوم وفاته، وهكذا بالطبع مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولكن في تلك المناسبات لابد أن يجتمع الإسمين معًا، فالإخوة باتوا أعداء، وعشرات الأسئلة ماتت مملًا من انتظار الإجابة عليها، ولا أحد يعلم حتى الآن علم اليقين بعض الأمور، فالرواية الرسمية تؤكد انتحار المشير عامر بعد نكسة 67، والرواية الأخرى تقول إن عبد الناصر قتل صديقه في عملية اغتيال منظمة، ولا أحد في مصر كالعادة يعرف الحقيقة.

تابع مواقعنا