الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

عن مشاعرنا والمبدعين الذين لا يرحلون

القاهرة 24
الأربعاء 12/ديسمبر/2018 - 05:04 م

1

لم تجمعني بالصحفي والكاتب الراحل حازم دياب صداقة حقيقة، كنا صديقين على “فيس بوك”، اقرأ بغير انتظام ما ينشره من مقالات، لذا لا أظن نفسي جديرا بالكتابة عنه، لكن وفاة حازم أعادت تساؤلا قديما يلح عليّ من وقت لآخر، ومفاجأة “متكررة”.

2

أما المفاجأة “المتكررة” هي أن مشاعرنا لم تتبلد بعد عند السماع عن أزمة مرضية لشخص ما أو وفاة أو مشكلة كبيرة يتعرض لها، أظن كثيرا أن مشاعري تبلدت في ظل السعي اللاهث وراء لقمة العيش والخذلانات المتكررة وخسارات الأصدقاء والأحباب وندرة اللقاءات وشبه اختفاء لمفهوم العائلة الكبيرة وحالات الوفاة الكثيرة لأصدقاء وأقارب في سن الشباب، وأظنها أيضا ضمن حالة عامة، تشبه فيلم النوم في العسل، أتخيل أن أي شيء بعيدا عني أو عن دائرتي القريبة جدا لن يشغلني، ولكن هذا لا يحدث، وفي كل مرة أشعر بالمفاجأة كأنها أول مرة.

3

كنت قد أغلقت فيس بوك مساءً بعد انتهاء شات مع صديقة ليّ، وعلى غير العادة لم أفتحه مرة أخرى إلا في عصر اليوم التالي، فوجئت أنها قد أرسلت رسالة تقول فيها: “حازم مات.. قلبي انخلع”، قرأت الرسالة وأنا في طريقي لاجتماع عمل حلت بي صدمة لا أستطيع وصفها، شجون ورغبة في البكاء، ولولا ظروف عملي لعدت للبيت فورا وظللت أبكى، هي لا تعرف حازم بشكل شخصي وأنا أيضا، ولكننا وغيرنا كنا في حالة حزن كبيرة، تؤكد أن مشاعرنا ما زالت حية رغم كل الأمراض التي شوهتها.

4

لم يحدث هذا مع وفاة حازم فقط، قبله رضا وهند وميادة والشرقاوي وعز وآخرون داخل الوسط وخارجه، كنت أظن وهما أن عدم الاختلاط بهم سيجعلني بعيدا عن حالة الحزن والصدمة الكبيرة، هل نبكيهم حقا أم نبكي حالنا وأحلامنا وأعمارنا التي من الممكن أن تضيع في ثانية دون أن ندرك إلا القليل منها؟

5

تساؤل قديم، يتجدد مع كل حالة وفاة لشخص مبدع بشكل ما، هل كما يقولون حقا إن المبدعين لا يرحلون؟ جملة أسمعها كثيرا في المهرجانات والتكريمات عن الفنانين والكتاب والشعراء، اقرأها على مواقع التواصل الاجتماعي حين يموت شخص زميل لنا أو تجمعنا به دوائر مشتركة، وكان موهوبا فى شيئا ما فترك أثرا له.

حسنا، أنا أعتبر أن نور الشريف، على سبيل المثال، لم يمت، أشاهده يوميا على شاشة التلفاز أرى صوره على الإنترنت، لكني اتساءل وأنا أشاهده هل تجلس أسرته الآن تشاهده؟ هل يعتبرونه مثلي لم يمت أم أن هذا الحضور الطاغي يزيد من ألم الغياب ويجعل النسيان أمرا مستحيلا؟ هل كلما ترى إحدى ابنتيه والدها يحتضن ابن أو ابنة له في العمل تشعر مثلنا أن والدها ما زال حيا أم تفتقد أكثر لحضنه؟

 

6

هل حين يقرأ أصدقاء وعائلة حازم مقالاته سيشعرون أنه ما زال موجودا؟ أما أن هذه المفرادات العذبة والكتابة الرائعة التي تركها تزيد من ألم غيابه وتُشعر بفجعة الرحيل، المبدعون قد لا يرحلون عند محبيهم ومتابعيهم، لكنني أظن أن هذا الحضور الطاغي يزيد من عذاب أسرهم، ويجعل إحساس الغياب حاضرا بقوة.

 

7

يومان أو ثلاثة بعد وفاة حازم يتكرر الحلم نفسه، بمجرد أن أغمض عيني أحلم به وبالشرقاوي وعز وهند وميادة وزميل مدرسة رحل منذ فترة، يجتمعون مع بعضهم البعض وينادون على: “تعالى معانا.. هنا أفضل”، أصحو مفزوعا، ثم أدعو لهم بالرحمة.

 

 

تابع مواقعنا