الجمعة 29 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الميلاد.. مفهوم وسلوك

القاهرة 24
الخميس 10/يناير/2019 - 03:53 م

“فَقَمَّطته وأَضْجَعَتهُ في مِذوَدٍ لأنّه لم يَكُنْ لهما موضعٌ في المَنزل” (لوقا 7:2). قد أتى عيد الميلاد مصحوباً بالبهجة ونحتفل به طوال الفترة من 25 ديسمبر حتى 7 يناير، ونلمس في هذه الاحتفالات الجانب الروحي والآخر الدنيوي، وبالرغم من أن الغالبية العُظمى تركّز على الطابع الفولكلوري والشعبي، إلا أن هذا العيد يترك بصماته في نفوس الملايين. لماذا عيد الميلاد؟ يُحكى أن أحد ملوك أوروبا كان يسير متخفّياً بين شعبه، وعندما سأله أحد الأشخاص: “لماذا تفعل هذا؟” أجابه بكل ثقةٍ وبساطة: “كيف أحكم شعبي، إن كنتُ لا أعرف كيف يعيش هذا الشعب؟”.

 

مما لا شك فيه أن يسوع الطفل وُلِد في لفائفٍ بسيطةٍ وليس في أقمشةٍ من حرير، في التواضع وليس في العَظَمة، في مذودٍ وليس في قصرٍ، أتى لنا ومن أجلنا وليس مُعادياً لنا، ليُخلّص لا ليدين، ليحمل السلام وليس الحرب؛ كل هذه تُعلّمنا التواضع والبساطة والحُب، كما تساعدنا على تغيير سلوكنا وتصرفاتنا نحو الآخرين، حتى نستطيع أن نتعامل معهم بهذه الروح التي تحمل السلام والطمأنينة والسعادة أينما حللنا. وكانت رسالة السيد المسيح الخدمة والاهتمام بالفقراء والمحتاجين والمهمّشين حاملاً لهم الرجاء والتعزية. هيّا بنا نتخيّل معاً هذا العام عندما يأتي موعد الميلاد ولا نجد المذود، وتختفي التماثيل الصغيرة للطفل يسوع والعذراء مريم والقديس يوسف والملائكة والرعاة والمجوس التي نُزيّن بها المغارة! ونفقد مفتاح الخزينة الموجود بها المجوهرات والحُلي، ويختفي المعطف الثمين الذي نرتديه في هذا اليوم، حتى أن محلات الهدايا نجدها مغلقة في هذه المناسبة ولا نستطيع شراء أي شيء؛ كيف سيكون شعورنا في هذه اللحظة الحاسمة؟ مما لا شك فيه أن الجميع سيُصابون بالذهول والإحباط واليأس، ولكن الحقيقة سنكون محظوظين للاحتفال بعيد الميلاد الحقيقي الذي لا يعتمد على المظاهر الخارجية فقط، ولكن على نص إنجيل لوقا في الإصحاح الثاني حتى نستطيع أن نعيش هذا الحدث من المنبع الرئيسي. والسبب في ذلك، عندما نعتاد على الاحتفال بعيد الميلاد ظاهرياً فقط، لن نفهم أبداً رسالة الميلاد الحقيقية، ولن نخرج من العيد حاملين تعاليمه السامية والهادفة، ولن نُدرك أن بطل الميلاد هو الطفل يسوع وليس شخصاً آخر، ولا نضع أنفسنا مكانه.

 

كان الطفل يسوع سعيداً وقنوعاً بالمذود الحقيقي، ولكننا نزعنا منه هذا المكان، لدرجة أننا قمنا بحمل التبن الحقيقي واضعين مكانه آخراً مصطنعاً يُبهرنا ببريقه ولمعانه، نسينا المذود الذي حلَّ فيه ليعلّمنا البساطة والتواضع والفقر، وصنعنا آخراً لنضع فيه هدايانا الشخصية. فإذا تقدّم أحدٌ في ملابس فقيرة رثّة ويقرع أبوابنا، ولم نفتح له أو نساعده ونخاف منه أن يُفسد علينا بهجة العيد؛ أو أتى رجلٌ مُسِنٌ يريد أن يحتفل مثلنا، ولكننا نرفض استقباله؛ من المحتمل ألا يأتي عيد الميلاد، لأننا لم نستطع الاحتفال به بالمعنى الحقيقي. فالسيد المسيح يريد أن نحتفل به في شخص الآخرين، يريد أن يدخل قلوب الجميع، لكنه لا يجد مكاناً فيها لأنها مزدحمة بأشياءٍ أخرى؛ إنه يبحث عن النفوس الضالة، لكن هناك من يقاومه كما فعل هيرودس الملك وحاشيته. عندما وُلِد السيد المسيح لم يكن له موضعاً أو مهداً في بيوت الناس، كانوا يومئذٍ غافلين عنه ومنشغلين، ومع مرور السنين أصبح يوم مولده عيداً تحتفل به البشرية في كل زمانٍ ومكانٍ جيلاً بعد جيل. لكن للأسف ما أكثر الذين انحرفوا عن المعنى الحقيقي للميلاد، حتى أنهم يحتفلون بطريقتهم الخاصة التي تعتمد على كل أنواع الصخب والسطحية والعبث والتهاون. إذاً كيف يمكننا الاستفادة من هذه المناسبة الثرية؟ نستطيع أن نحمل رسالة الرجاء من هذا العيد، مهما واجهتنا الصعاب والمشقّات، وإذا كان السيد المسيح لم يجد له مكاناً يُولد فيه؛ نستطيع أن نحمل الأمل لآلاف الشباب اليائس في الحياة لأنهم لم يجدوا منزلاً لهم؛ وكما أنه وُلِد فقيراً، نستطيع أن نعزّي الكثيرين من الحزانى لأن الظروف لم تسمح لهم بشراء ملابس جديدة؛ وبما أن العائلة المقدّسة تغرّبت في ظروفٍ صعبة وقاسية، من الممكن أن نُضيء شعلة الرجاء لكل من يشكو ويتضرر بسبب الغربة والبُعد عن الأهل والوطن. إذاً فرحة العيد لن تغمر قلوبنا، ولا بركات السماء تشملنا إن لم نقدّم الهدية الحقيقية الثمينة للطفل يسوع والتي ينتظرها منّا كل عامٍ، ألا وهي قلباً طاهراً مُحبّاً للجميع. كل عامٍ ونحن بخيرٍ وسلامٍ وحُبٍ وعطاء.

تابع مواقعنا