الأربعاء 08 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

سياسة أمك

القاهرة 24
الأحد 20/يناير/2019 - 09:39 م

ـ إلا قولي ياض يا مزيكا.. انت بتفهم في السياسة؟

  • السياسة! أنا الشعب.
  • تعالى ياض يا مزيكا.. قولي أيه رأيك في سياسة الوفاق؟
  • سياسة الوفاك! يعني…. يا بخت من وفق راسين في الحلال.
  • دي سياسة أمك دي.

 

مسرحية المتزوجون ١٩٧٨.

 

ما الغريب في سياسة الأم؟ إن لم أكن مخطئا، فهي أكثر السياسات نجاعة، وربما تطبق بحذافيرها، مع بعض البهارات الأخرى التي لا يتحملها قلب الأم.

 

أمي مثلا على سبيل المثال، حينما تود أن تعرف مني معلومة معينة، تعمل بكل حواسها الخمس، وحواس أخرى لا أعرف من أين حصلت عليها، وتستخدم كل أساليب الترغيب والترهيب، بدءا من ‘الأكلة اللي بتحبها’ وصولا لـ ‘خرم صرصور ودني بالسيخ المحمي’، ربما يكون منطق ويستخدم، ألا تعتقدون ذلك؟

 

إذا أرادت مني تنفيذ طلبا تعرف استباقا أنني سأرفضه، تستخدم معي نغمات متعددة وابتسامات مصطنعة، أنا وهي نعرف بالتأكيد أنها ليست حقيقية، ولكن في الأخير تقدم طلبها، والذي أكون مضطرا لقبوله، قبل أن نعود لمسألة ‘السيخ’.

 

الأم تدير المنزل، وتدبر نفقاته، وتعرف ما يدخل وما يخرج، وتحدد من يأت ومن لا يأت، وماذا تأكل، ومتى تغسل ملابسك، والضيف غير المرغوب يفضل أن لا يدخل المنزل.. لمصلحته أولا. حتى الأصدقاء، تعرفهم نفر نفر، وربما تحاول صياغة علاقتك بهم، وكل ذلك بما تملك من صلاحيات طبيعية، بصفتها الأم.

 

الأم تضبط سياسة المنزل من الداخل، وطريقة كل شيء ونظامه، وهي تعرف مكان كل ما تحتاجه، لو غابت ‘هتتسوح’ حتى تعثر على بنطالك. إذا أردت فعل شيء مختلف ‘لمَّ تتجوز يا حبيبي ابقى أعمله ف بيتك’.

 

ليس لها شريك، بمعنى لو جاءت أخرى نافستها على عرش قلبك ‘خلي الشملولة تنفعك’ وربما يأت عليك يوم تقول ‘إحنا آسفين يا ماما’، ولو لم تعجب الأم فتاتك، فقد قضي الأمر، وليس على الوافدة الجديدة سوى الانصياع، أو الضياع.

 

الأم فرض.. نولد جميعا وفي يدها السلطة، ونكبر وهي كذلك، ولم نختارها، أو حتى عرض علينا الخيار، فقد كان قرار الأب في الماضي، والصلاحيات التي تملكها ‘إلَهية’ لم نتدخل فيها.

 

الأم تسمح بالمعارضة، التي لا تؤتي ثمارها، تتميز بطول البال أحيانا، ويمكنها أن تسمع ما تقول، وهو يدخل من أذن ويخرج من الأخرى، وعلى كل حال فأنت لن تفعل شيء إلا بعد موافقتها، وخصوصا في القرارات المصيرية.

 

ماذا لو قررت العصيان؟ هنا الطامة الكبرى، انهيار كبير سيحدث في المنزل، ستهددك بمقاطعتك، ستقلب عليك كل الطاولات، ستضعك في سجن ‘العقوق’ في عيون كل من حولك، وستتوقف عن أي دعم لك، ويتحول كل شيء من حولك إلى خراب، ربما تمتلك بعض الشر فتتوقف عن الطبخ والغسيل، وتجد نفسك مشردا.

 

الأب بالطبع موجود، لكن قديما أو حديثا هو لا يهتم كثيرا بالتفاصيل، وتكون تدخلاته مثل ‘العمليات الخاصة’ يهاجم لينفذ مهمة محددة، أما الأم هي الوزارات وكل السلطات.

 

سياسة الأم تصلح لمخاطبة الجميع، فعي تتميز بالحنان، والابتسام، والإطعام، والشهقة وما صاحبها، وكل هذا يمنحها أفضلية، إلى جانب أنها من أنجبتك وربتك و**** وأنت صغير، وعالجتك وآوتك، كلها أمور تحتفظ بها لوقت الحاجة، وأحيانًا لا تفعل الأم هذه الأمور، ومع ذلك تفرض عليك سطوتها أيضًا!

 

الأم تجيد السياسة حقا. في الأسواق والمحلات تصل لأفضل العروض بسياسية الفصال مع البائع، وفهمها عميق وسريع لكل الألاعيب.

 

الأم لا يمكنك تغييرها، مهما حاولت، يمكنك أن تبتعد عنها إن استطعت، سافر أو أطلب الحصول على أم بديلة أو حتى إلجأ لأي دولة، لكنها ستظل الأم الشرعية دوما شئت أم أبيت، تعتبرها ديكتاتورية، تعتبره تسلط، قل ما شئت، ستكون أنت المخطئ في النهاية، فهي محمية في هذا المنصب شرعا وقانونا وعرفا، وبتأييد كل الأقارب والجيران والأغراب.

 

ليست كل الشعوب تهتم بنظرية الأم، الأوروبيون مثلا ليس لديهم نفس الشكل الأسري، فأولادهم يخرجون لحياتهم مبكرا، كما أن الأم لا تملك نفس السلطوية على الأبناء، ولذلك تجد المناخ العام لديهم مختلف عن أماكن أخرى.

 

لا أعرف من تحدث عن أفكار مثل ‘الأب الروحي’ وغيرها، في أي مكان فتش عن الأم، تفهم طبيعته، فهي منبع السياسة.

تابع مواقعنا