الجمعة 29 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

السيد المسيح والتريند.. المسيح غفر للمرأة الزانية لأنه “عادل”

القاهرة 24
الجمعة 15/فبراير/2019 - 07:44 م

تمضي الأيام، ومع بزوغ فجر كل يوم، تطالعنا الصحف ومواقع السوشيال ميديا، بعشرات الأخبار، التي يترقى بعضها فيصبح “تريند”، حديث الساعة، ومحل اهتمام الجميع.

وفي هذه الأيام المُباركة، طالعتنا الصحف والمواقع الإخبارية، بخبر الڤيديوهات الجنسية لفتاتين ومُخرِج، ولأننا شعب عاطفي، رومانسي، “لديه عيد حُب بنكهة مصرية”، وطبعًا متدين بطبعه، متسامح، متعاطف، جلدنا هاتين الفتاتين، وساهمنا في انتهاك عرضهما المُنتَهَك.

البعض قرر أن يُغَرِّد خارج السِّرب، ووجد أن به من الخطايا والعيوب ما يجعله يترك الحجر الذي بيدِهِ، ويتوقف عن رجمهما، ولكن ما أثار دهشتي ودفعني لكتابة هذا المقال، هو اتهام السيد المسيح بأنه فعل مثلهم، “أو هُم فعلوا مثله”، حينما سامح المرأة التي أُمسِكَت في ذات الفِعل!

فالسيد المسيح له المجد بلا خطية، وقد قالَ في ذات يوم “من منكم يُبَكِّتني على خطية؟”

 

ولكن هل يوجد بعد كسر الشريعة خطية!، أيقولوا له: “مُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟”، فيقول لها: “ولا أنا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أيضًا!”

-المسيح هو واضعُ الشريعة، ومن غيرِ المعقول أن يكون هو واضعها وهو من يكسرها، وعدم إدانة السيد المسيح للمرأة التي أُمسِكت في ذات الفِعل، على وجه التحديد كان مَحَل نقاش بيني وبين أحد الأصدقاء الذين لا يصدقون أن إله العهد الجديد هو نفسه إله العهد القديم، ولكن هل إله العهد القديم الذي وضع لهم قانونًا وطلب منهم تنفيذه، يقوم هو نفسه بكسر هذا القانونَ!، أم أن إله العهد القديم متوحش وهناك إلهًا آخر للعهد الجديد، مُختلف، وديع ومتواضع القلب! حاشا لله. وفي الواقع، إن رحمة الله لا تنفصل أبدًا عن عدله، وعدله غير مننفصل أبدًا عن رحمته، أو قُل، عدله رحيم ورحمته عادله. ففي هذه الواقعة التي قدموا فيها إليه، امرأة أُمسِكَت في ذات الفِعل “مسكوها وهي بتمارس الجنس مع راجل”، مثلما كان رحيمًا وقال لها: “يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟” فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: “وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا”، كان عادلًا عندما لم يأمر بتطبيق شريعة موسى!

–لقد كان السيد المسيح في قمة العدل عندما رفض تطبيق شريعة موسى، فلو طبقنا قوانين الشريعة كما جاءت، لن نجد هذه القضية تستوفي شروط الحكم بالرجم

 وتعالوا لنرى:

1- وإن كان السيد المسيح هو ملك الملوك وقاضي القُضاة، إلا أنه في نظرهم ليس كذلك وإن حَكَم يسوع على المرأة “بأي حُكم”، يكون بذلك قد كسر الناموس وأخذ وظيفة ليست له، فمن له الحكم في هذه الأمور هو  واحد من الشيوخ السبعين أو رئيس الكهنة.

سفر التثنية 1: 16 وَأَمَرْتُ قُضَاتَكُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَائِلاً: اسْمَعُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ وَاقْضُوا بِالْحَقِّ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَأَخِيهِ وَنَزِيلِهِ

سفر التثنية 16: 18

قُضَاةً وَعُرَفَاءَ تَجْعَلُ لَكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ حَسَبَ أَسْبَاطِكَ، فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ قَضَاءً عَادِلاً

 

سفر التثنية 17: 9  وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ

 

–وحتى إن اعتبروه قاضيًا ورضوا بحكمه، كان لزامًا لهذه المرأة أن تأخذ براءة “لعدم كفاية الأدلة“

 ولنتابع.. 2- لا يجب على القاضي أن يحكم بغير وجود “شهود”، فبالرجوع للنص كما جاء في الإنجيل مكتوب: “وَقَدَّم َإِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا”، إذًا من قدم المرأة التي أُمسِكَت في زنا، هم الكتبة والفريسيين، لا الشهود الذين شاهدوا الواقعة. فإن حَكَمَ السيد المسيح “بأي حُكم”، يكون قد خالف الناموس، لأنه لابد أن يسمع على فم شاهدين أو ثلاثة.

3- لو افترضنا أن الكتبة والفريسيون هم الشهود، فبعدما انصرفوا “لم يعد هناكَ شهودًا” وللعِلم يجب أن يظل الشهود موجودين، لأنهم هُم من يجب ان يبدأو الرجم، ثم يتبعهم باقي الشعب، في حالة أن القاضي قَضَى بالرَّجم. سفر التثنية 7:17 أيدي الشهود تكون عليه أولًا لقتله ثم أيدي جميع الشعب أخيرًا فتنزع الشر من وسطك. -وطالما الشهود قد انصرفوا “خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ“، فمن العدالة ألا يأمر يسوع بقتل المرأة.

4- ربما يتساءَل أحدهم، إذًا لماذا لم يرجمها المسيح بنفسه! -يا صديقي كيف يرجمها وهو ليس قاضيُا في نظرهم ولا واحد من الشيوخ! -كيف يرجمها ولا يوجد شهود، يشهدون بأنها ارتكبت الزنا فعلًا! -كيف يرجمها والقضاة لا يرجمون بأنفسهم، بل الشهود، والشهود انصرفوا! “إن القانون نفسه يعفي المرأة التي أُمسِكَت في ذات الفِعل من الرجم، في هذه الواقعة“.

 

5- إن قلنا أن السيد المسيح لا يمكن أن يحكم وهو ليس بقاضٍ، فلماذا لم يكتفي بإبداء رأيه؟! أوليس هو من وضع هذا القانون، على الأقل يكتفي بأن يُقر أن هذه المرأة كان ينبغي لها أن تُرجَم، حتى لا يدَّعي أحد عليه أنه يقول كلامًا ويفعل عكسه، ولا يظنه أحد يشجع على الزنا، بتركه المرأة الزانية “تذهب” فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: “وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا“ -في الحقيقة لقد حددت الشريعة بالتفصيل، متى يجب أن تُرجَم المرأة الزانية، ويُصدر القاضي حكمه بعد معرفة ما يلي: -أين حدثت الواقعة، في المدينة أو الحقل؟ -هل صرخت المرأة أم لم تصرخ؟ -لو في المدينة وصرخت، وسُمِعَت، فإن الرجل هو الذي يُرجَم، أما هي فتُطلَق حُرَّة، وتأخذ براءة.

-وإن كانت في الحقل، سواء صرخت أم لا، فالرجل هو الذي يُرجم. وبدون التحقق من هذه الأمور، كان الحكم سيكون باطلًا، وغير منصف، لذلك فمن العدالة أن يُحكَم للمرأة بالبراءة.

6- وهنا لديَّ مفاجأتان، الأولى.. هي أن عقوبة الزنا، كما جاءت في الشريعة، ليست الرجم فقط، كما أن رجم المرأة وحدها، يُطَبَّق في حالة واحدة فقط، من إجمالي عشرين حالة أخرى، وهذه حالات الزنا العشرين، كما جاءت بشريعة موسى، اقرأ واعرِف بنفسك، هذه الحالة التي نحن بصددها، أي واحدة من العشرين:

1- رجل وامرأه قريبه = يُقتَلان

2- رجل وامرأه أبيه = يقتلان

3- رجل وكنته = يقتلان

4- رجل ورجل = يقتلان

5- رجل وامرأه وأمها = يحرقون

6- رجل وبهيمة = يقتلان

7- امراه وبهيمه = يقتلان

8- رجل وبنت أبيه أو بنت أمه = يُقطعان من الشعب

9- رجل وامراه طامث = يُقطَعان “أي يُستَبعَدا”

10- رجل وأخت أبيه أو أخت أمه = يحملان ذنبهما

11- رجل وامرأة عمه = يحملان ذنبهما ويموتا عقيمين

12- رجل وامراه أخيه = يكونان عقيمين

13-رجل وفتاه أَمَة مخطوبة = عقوبه تأديب(كبش ذبيحة) دون رجم

14- رجل وفتاه حرة مخطوبة في المدينة = يُرجَما

15- رجل مع زوجة رجل ثانٍ = يرجما

16- رجل وفتاة حُرَّة في الحقل = يرجم “الرجل فقط هو من يُرجَم”

17- رجل وفتاة غير مخطوبة في المدينة = يتزوجها ويعطي لوالدها خمسين من الفضة ولا يطلقها

 18- رجل تزوج عذراء وأثبَت أنها بدون عُذرية = تُرجَم

19- رجل متزوج وعلم أن زوجته خائنة ولم يستطيع أن يثبت = يطلقها ويعطيها كتاب طلاق

20- رجل متزوج وغار علي زوجته غيرة = يعطيها الكاهن ماء اللعنة

-ومما سبق، يمكنك أن ترى أنه لا توجد هناك عقوبة للمرأة الزانية “وحدها“، إلا في الحالة رقم 18، وهي بالطبع واقعة مختلفة عن واقعة المرأة التي أُمسِكَت في ذات الفعل. إذًا من المستحيل أن يقوم المسيح بتطبيق شريعة الرجم، على حالة لا تُطَبَّق عليها شريعة الرجم، ألا ترى معي أن عدم إدانة السيد المسيح للمرأة التي أُمسِكت في ذات الفعل كما كان يبيِّن مقدار رحمته، كان يُبَيِّن مقدار حكمتِه وعدالتِه؟

سابعًا وأخيرًا- المفاجأة الثانية، أن الرومان حينذاك، كان من حقهِم هُم وحدهم تنفيذ الشريعة، فهم الحُكَّام المُسَيطرون على اليهودية، ولو كان السيد المسيح قد حكم على المرأة الزانية أيَّ حكمٍ، لكانَ بذلك يُعطي اليهود ما يشتكون به عليه لدى الرومان، ويقولون يسوع هذا تجرَّأ، وجعل من نفسه حاكمًا وقاضيًا، منافسًا بذلك سادتنا الرومان في الحُكمِ والقضاء.

وبذلك.. تجلَّت حكمة السيد المسيح وعدالتِه ورحمته. فطوباك يا سيدي المسيح، الذي سترت الزانية ورحمتَها وقلت لها “أنا لا أُدينك”، وطلبت مِنْها أن تذهب ولا تكرر الخطأ، ونفَّذت الشريعة كما يجب أن تُنَفَّذ، فلم تكسر قانونًا وضعته، ولم تخالف شريعة شرَّعتها، وعلمتنا أن نرحم المُخطيء ونلتمس له الأعذار، تاركًا لنا هذه الآية الخالدة: “مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بحَجَرٍ” إذًا، فنحن نغفر لأننا خُطاة، لأننا نُصلي ونقول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحنُ أيضًا للمذنبينَ إلينا”، أما هو فيغفر لأنه مُحب، ولأنه رحيم، وكما رأينا في هذه الواقعة، يغفرُ لأنه عادلٌ.

 

 

للتواصل مع الكاتب:

[email protected]

تابع مواقعنا