الجمعة 29 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

فتحي سليمان يكتب: “أنت متعرفش أنا مين”

القاهرة 24
الخميس 27/يونيو/2019 - 08:27 م

تلك التركيبة التي تجسد حالة الفرعنة والتكبر، والتحدث من علو، من بعض القريبين بذي سلطة أو في موقع مرموق أو تربطهم صلات بمن هم في دوائر صنع القرار تطغوا عليهم صفة واحدة وغالبًا ما يمرون بنفس الموقف ويفعلون التصرف ذاته “انت متعرفش أنا مين”.

هؤلاء من يشعرون أنهم فوق القانون والمحاسبة، يستنكرون استيقافهم في كمائن المرور، ويتحدثون من “أنوفهم”، حين يسألهم أحد عن هويتهم ليردون بتلك العبارة المكررة المملة والتي لا تعبر عن شئ سوى نقص داخلي عظيم مغلف بتلك العنجهية والصلف في التحدث والتعامل مع الناس.

وكأنه يفترض أن الجميع يعرفونه، أو سينحنون له، يرد بحالة من النرجسية الزائدة تهيئ له معاملة خاصة من الجميع، متوقعًا أن ينحنى له القانون ومن يمثلونه، ولأنه اعتاد ذلك لا يلبث أن يأخذ فوق رأسه كما لم يتوقع.

العبارة المبتذلة التي بات تكرارها لا يتعاطى معه أي شخص، أو مؤسسة، ولم تعد تُنجي من “المطبات” يستخدمها أحيانًا من هم في دوائر “النصب” فليس شرطًا أن يكون صاحبها مرموقًا أو موثوقًا، وسبق أن تسببت في هروب نصاب خطير كانت تطارده أجهزة الأمن قبل سنوات حينما تعامل بحنكة ودهاء مع بعض أفراد كمين أمني.

حكى لي الضابط الذي أُوكل إليه التحقيق مع المتهم آنذاك، فيما بعد ضبطه، أنه كان يناقش اللص في سوابقه الإجرامية فقصّ عليه النصاب أغرب تفانينه في إيهام المواطنين ومن يتعاملون معه بأنه يعمل في جهة سيادية ولكن هذه المرة احتال بها على رجال الكمين.

روى النصاب أنه كان يسير بسيارته في سرعة جنونية عائدًا من إحدى عمليات النصب على مواطن بالإسكندرية وأثناء سيره استوقفه كمينًا أمنيًا طالبه من فيه بإبراز هويته، وذلك بسبب تجاوزه للسرعة المقررة، ليرد “اللص”، بعبارة “انت مش عارف أنا مين”.

وبعد سجال بين القوة والنصاب أوهم خلالها النصاب أفراد القوات أنه يعمل بإحدى الجهات الهامة بالدولة، وأنه كان يمطارد هدفًا خطيرًا، مطالبًا القوات بتحرير محضر يثبت به لرؤسائه سبب تعطله عن أداء المهمة، وأن استيقافه كان سببًا لتأخيره، وليس نتيجة لتقصيره.

لاح للقوات أن اللص المتخفي في زي شخصية هامة، يريد توريطهم مع قياداته فتركته قوة الكمين اتقاء لمشكلات قد تحدث، ولإتمام مهمته، لكنه سقط بعد ذلك في قبضة الشرطة لتقرر الجهات القضائية سجنه في عشرات الأحكام الصادرة ضده.

ثقافة “انت مش عارف أنا مين”، تضخمت بسلطوية على مدار مئات السنين مع الاستعمار الأجنبى والاستبداد المحلي، وهى تنظر إلى الناس من فوق وكأنها تنتمى إلى طبقة الأسياد ودونهم العبيد، وأن القانون لا يطبق إلا على عوام الناس فقط.

رسخت لهذه التركيبة النفسية ممارسات خاطئة أعطت حقوقا استثنائية لأصحاب المناصب العليا و السيادية فاستغلها كل من له صلة من قريب أو بعيد بأصحاب هذه السلطة بصرف النظر عن رضا أصحاب السلطة أو عدم رضاهم، ويلحق بذلك ما تعارفنا عليه فى المجتمع المصرى من أن من يحمل كارت توصية من مسئول تفتح له الأبواب، أما من يدخل بالشكل القانونى فيواجه تعقيدات بيروقراطية كثيرة.

تلك الممارسات تأصلت فى عمق الشخصية المصرية وتحتاج جهودًا كثيرة لإزالتها، أولها عدم التذمر من الوقوف في الطابور، والتعامل بدون تمييز، أو توصية، وإعلاء قيمة القانون وترسيخ هيبته وتطبيقه على الجميع بلا استثناء وأن العدالة عمياء ومطلقة لا تفرق بين كبير وصغير.

تابع مواقعنا