الجمعة 29 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قصة حب مسرحية

القاهرة 24
الإثنين 22/يوليو/2019 - 05:27 م

ظل يصاحبني في كل عمل مسرحي أشارك فيه كممثل أو مخرج أو مشاهد. تبدأ صحبتنا في الطريق إلى المسرح، يجلس بجواري في السيارة إذا كان العرض في لندن أو بريطانيا، وفي الطائرة أو القطار إذا كان العرض في بلد أوروبي آخر.

يسبق العرض حوار وتوقعات وبعض الأحيان رهانات، ويتبع العرض مناقشات وفي بعض الأحيان خلافات، ولكن المتعة تصاحب كل الحالات. ثم يختفي ! ولكن ليس قبل أن تتوج التجربة بسهرة يمتزج فيها الطعام والشراب مع المناقشات والتحليلات وإجترار الذكريات.

يختلف مذاق الطعام بصحبته وكأنه قد طُهي على نار مسرحية هادئة أو أنه قد أضيفت إليه بهارات درامية مستوحاة من هذا العمل بالتحديد!

لا أذكر تجربة مسرحية بدونه، ذات مرة إحتد الخلاف بيننا حول عمل مسرحي شاهدناه في مدينة زيورخ السويسرية، وهي مدينة شديدة الهدوء، وإرتفعت أصواتنا وأخذ الناس الهادئون العاقلون يتعجبون من أمرنا.. أتهمته بالعنجهية والغرور، فالعمل ألماني والمخرج سويسري والممثلون سويسريون فكيف يجرأ على توجيه مثل هذه الإتهامات الحادة وهو الغريب الأجنبي؟، فإذا به يلجم لساني “في ذات اللحظة التي يولد فيها العمل الفني، في نفس اللحظة التي يرى فيها النور، يحصل فيها، من الناحية الفنية والأدبية، علي حريته الكاملة وإستقلاله الكامل. يعتق تماما من أي ملكيه خاصة. يصبح ملكا لنا جميعا”.

وبعد أكثر من خمسة وثلاثين عاما من الإقامة في لندن إلتقينا في القاهرة. أخبرته  بما حدث، قصصت عليه ليالينا في لندن والمدن الأوربيه الأخري، قصصت عليه كيف أنه لم يفارقني أبدا. منذ البداية، أثناء دراستي في ووبر دوغلاس أكاديمي للفنون الدرامية ثم عملي في المسرح البريطاني والبي بي سي وبعض الأفلام الأمريكية وشركات الإنتاج الأخرى حتى وقتنا الحالي..  كان دائما يلازمني ويهتف في أذني ويرشدني برأيه. كان يهب الى مساعدتي عندما أكون بصدد قرار صعب سواء أكان دراميا أو فنيا أو تكنيكيا . قصصت عليه أنه في أحد الأعمال التي كنت أقوم ببطولتها في مهرجان إدنبره، كانت علاقتي بمخرج العمل في غاية السوء فإستبدلته بهذا المخرج وهو مامكنني من النجاح في إتقان الدور.

لم يندهش!

لم يجد أي غرابة في كل هذه اللقاءات والتجارب التي عشناها سويا رغم أننا كنا نقيم في بلدين مختلفين. خياله الفني متسع، مطاط، واسع، مرن،  فسيح، قادر على تقبل وإستيعاب مساحات شاسعة من التضاريس والألوان والمناخ.

عرفته منذ نعومة أظافري الفنيه والمهنية.. منذ سنه أولى في المعهد العالي للفنون المسرحية.. إحتضنني. تعلمت منه الكثير، فهو سخي لايبخل بمعلومة أو نصيحة أو فكرة أبدا. يساعد منافسيه وأصدقاءه على حد سواء.

يمدح أعمال الآخرين  ويلقي الضوء على نقاطها الإجابيه ويبحث معهم كيفية تحسين نقاطها السلبيه.

لاينكر أفضال الآخرين عليه بل يفتخر بها ويشيد بهم.

تعلمت منه أن العطاء يعود عليك بالثراء.

ساعدته في الإخراج في المسابقات المسرحية الجامعيه والثقافة الجماهيريه وهيئة المسرح.

من أمتع الأعمال التي إستمتعت فيها بصحبته مسرحية “ الغول” التي كانت أول مسرحية تقدم علي المسرح الروماني الرائع بعد أكتشافه في الإسكندريه.

كان أول من أثار إنتباهي الى دور المخرج الحقيقي، الي أن المخرج بلا رؤية هو مجرد منفذ ساذج لتعليمات المؤلف، فرؤية المخرج هي التى تحول النص المسرحي الى عرض مسرحي. في نفس الوقت يجب أن يتسم المخرج وخياله بالمرونه والتأقلم للتعامل مع المفاجئات التي يواجهها في الطريق، فتحويل النص المسرحي الي عرض مسرحي هو بمثابة رحلة مثيرة مليئة بالمغامرات والمفاجئات التي لايقاومها سوى المخرج الضعيف الجامد، أما المخرج الخلاق فيحتضنها ويحتويها ويوظفها لخدمة العرض وإثرائه. يجب على المخرج أن يترك لخياله العنان فحرية خياله هي التي تمكنه من رؤية شيئ غير عادي أو حتى إستثنائي في محتوي تنظر إليه الأغلبيه العظمى على أنه عادي جدا.

أن الشخصيات في كثير من الأحوال قد لا تعني ماتقول ولاتقول ما تعني.

قد يكون هناك فجوة سحيقه بين ماتقوله الشخصية وما تقصد وتضمر.

قد يكون الحوار بمثابة ستار ربما تستخدمه الشخصيات لإخفاء كنوز  ثمينه، علي المخرج والممثل العثور على هذه الكنوز وإظهارها دون العبث بالحوار نفسه.

أذكر أنه قال لي ذات مرة وأنا أساعده في أحد المسابقات الجامعية إن الشخصيات تقفز أمامه في أماكن أخرى مختلفة تماما عما هو مكتوب علي الصفحات.

وأنا واحد من عشرات، إن لم يكن مئات، الذين وضعهم عطاؤه وسخاؤه على الطريق السليم وقد أصبح كثير منهم نجوما في العالم العربي.

يدين له عدد هائل من هؤلاء النجوم بتدريبهم للإلتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحيه بالقاهرة، منهم الفنان الخلاق المرحوم أحمد زكي الذي ظلت علاقته به على نفس الدرجة من الحميميه والإحترام حتى رحيله.

لو أن الأمر بيدي لما أكتفيت بمنحه جائزة الدولة التقديريه وإنما لاستحدتثت جائزة جديدة خاصة بفنون المسرح فقط بإسم “جائزة فهمي الخولي للفنون المسرحية”

تابع مواقعنا