السبت 27 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المحبة رادار القلوب

القاهرة 24
الخميس 10/أكتوبر/2019 - 12:01 م

نقرأ في نشيد المحبة للقديس بولس هذه الآية المليئة بالمعاني: “فالإيمان والرجاء والمحبة هي الثلاثة الباقية وأعظمها المحبة” (1كورنثوس 13:13). كان يرقد رجل مسن تقي على فراش الموت حيث توافد أقاربه وأصدقاؤه لوداعه، فنظر الرجل إلى أحدهم والابتسامة على وجهه قائلاً له: “قبل حضوركم استقبلت ثلاثة ضيوف لكنني قمتُ بوادع اثنين منهم وداعاً حاراً لا رجعة فيه، لكنني رفضت أن أودّع الثالث، لأنني لا أستطيع الاستغناء عنه إلى الأبد”. فسأله الضيف: “من هؤلاء الضيوف؟” فابتسم المحتضر مجيباً: “الأول هو “الإيمان”، وقد قمتُ بوداعه قائلاً: “إنني أشكر الله من أجل مرافقتك لي طوال حياتي، ومن خلالك عرفت الله؛ لكني الآن ذاهب إلى حيث رؤية كل شيء بالعيان، فلستُ محتاجاً بعد إليك! حقاً إنك أتممت مهمتك معي”.

ثم جاء صديقي الثاني وهو “الرجاء”، فشكرته على مواقفه المخلصة حيث أنقذني من الفشل واليأس مرات عديدة، ولكنني قلت له: “أنا لم أعد محتاجاً إليك بعد الآن أيها الصديق الأمين، لأنني ذاهبٌ حيثما تتحقق الآمال، وحيثما يصبح الرجاء حقيقة واقعية”. أما الصديق الثالث وهو “الحُب”، لقد قلت له: “حقاً كنتَ صديقاً وفياً، جعلتني بالقرب من الله والناس وملأت رحلة الحياة فرحاً وسلاماً، لكنني لا أستطيع أن أتخلّى عنك أو أتركك أبداً، لذلك يجب أن تأتي معي إلى السماء، فهناك الحُب الحقيقي الكامل والذي يُتوِّج المحبّين! إذاً لا أستطيع أن أقول لك وداعاً”.

كم هو فقير عالمنا من الحُب نتيجة السعي وراء المادة فقط حتى لو في سبيل خيانة الأصدقاء والمقرّبين؟! كم من صراعات وحروب وتدمير سببها السعي للحصول على المال؟! لذلك كتب الأديب الشهير باولو أورڤيل محاكاة ساخرة ضد الشيوعية بعنوان: “أنشودة المال”، حتى أنه قام بتغيير بعض الكلمات من نشيد المحبة الشهير للقديس بولس هكذا: “لو تكلمتُ بلغات الناس والملائكة، ولم يكن عندي مال، فما أنا إلا نُحاسٌ يطن أو صنجٌ يَرنّ. وإن لم يكن عندي مال، فما أنا بشيء. المال يتأنى ويرفق، المال لا يعرف الحسد، والمال يعذر كلَّ شيء ويصدّق كل شيء ويرجو كل شيء ويصبر على كل شيء. فالإيمان والرجاء والمال هي الثلاثة الباقية، وأعظمهم المال”.

هذا النشيد قام بصياغته للأشخاص الذين يجعلون المال إلهاً لهم، حتى لو كان هذا على حساب الفقراء والمحتاجين، أو تدمير العالم وخرابه. للأسف الغالبية العظمى فقدت المعنى الحقيقي للمحبة في الحياة اليومية، لكن مَنْ يحذف كلمة المحبة من قاموسه الشخصي الذي يحتوي على كلمات لا حصر لها؛ فإنه فقد كل معاني الكلمات الأخرى ولن يصبح لها قيمة بعد الآن. مَنْ فقد لغة المحبة بين الناس، فلن يستطيع أن يقول شيئاً مهما تكلّم كثيراً، لأن حقيقة الإنسان الحُب، ومَنْ يُحب يُجانبه الحق فيما يتفوّه به، ويستطيع أن يكون مؤثراً فيما يقول ويعلّم، ومًنْ يُحب يقدر أن يساعد الآخرين للوقوف على أقدامهم. لذلك يعلّمنا السيد المسيح قائلاً: “الوصية الأولى في الوصايا كلها هي: إن الربّ إلهنا هو الربّ الأحد، فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قوتك”. والثانية هي: “أحبب قريبك حبّك لنفسك”، ولا وصية أخرى أكبر من هاتين” (لو12: 29-31). لذلك لا يستطيع أحدٌ أن يدّعي بأنه تجنّب الآخرين حتى لا يقوم بإيذائهم، وكان يقضي حياته قدر المستطاع في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية المطلوبة منه، لأنه لا يكفي الابتعاد عن الشر والامتناع عن الظلم؛ بل علينا أن نحب من قلبنا ونفسنا وكياننا جميع الناس، فالمحبة هي ينبوع العطاء والسعادة ومَنْ يُحب لن يفعل الشر.

ويقول الصحفي علي أمين: “تعالوا نظلل قلاعنا بأشجار الحُب، فإننا لم نحصد من أشجار الكراهية إلا الهزيمة والفشل”. فالمحبة هي قوة خارقة الطبيعة تبدّل كل شيء إلى الأفضل والأحسن. كما يجب علينا ألا ننتظر بعض المناسبات لنظهر محبتنا للآخرين؛ لكن يجب أن تكون في كل لحظة، ولا يقل أحدٌ: “أنا أشعر بأنني أحب ذلك الشخص”؛ ولكن الحقيقة والواقع هي أن الآخر يجب أن يشعر بمحبتنا له دون أنه نصرّح بذلك، كما يفعل الوالدان اللذان لا يعلنان بالكلام عن محبتهما، ولكنهما يثبتان ذلك بالتضحية والعمل لأبنائهما. ونختم بالقول المأثور: “ليس هناك رادار أقوى من المحبة، ولا عطر أطيب منها، ويخطئ من يقول إن الجَمَال يزول ولكن المحبة تبقى، فالجَمَال لا يزول إلا إذا ذهبت المحبّة”.

تابع مواقعنا