جنس وإرهاب وتعذيب حيوانات.. قصص الأطفال تُباع على الأرصفة دون رقابة وتُهدد المجتمع (تحقيق)

تدوال العديد من أولياء الأمور، صورًا من بعض قصص الأطفال التي تحرض على القتل والجنس والتعذيب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مهاجمين فكرة طرحها بين أيدي الأطفال دون مراقبة أو مراجعة.

“القاهرة 24” خاض تجربة البحث عن تلك القصص التي تُشكل خطرًا على الأطفال، وتُنذر بجيل إرهابي أو منحرف أخلاقيًا، لرصد أبرز تلك القصص والتحذير من خطرها على المجتمع.

الرحلة بدأت من “سور الأزبكية” حيث يفترش الباعة الكتب على الأرصفة وفي محال صغيرة، أكوام من الكتب يعلوها الأتربة، ويكمن في تفاصيلها شياطين مستترة، معبأة بأفكار متطرفة أو منحرفة.

عنف ورعب

وجدنا قصصًا من سلاسل مختلفة، احتوى جزء منها على محتوى عنيف، وجزء آخر على نصوص مرعبة، فكانت البداية بقصة “خاتم السلطان” والتي بالفحص وجد أنها تنتمي لسلسلة “المكتبة الخضراء للأطفال”، الصادرة عن دار المعارف، والبالغ عددها 77 قصة.

تدور أحداث القصة حول رجل صالح كان يزعج السلطان كل يوم وهو يدعي بصوت مرتفع “يا فتاح يا عليم، قدرتك تعيد الشيء الساقط في البحر للبر”، وما كان من السلطان إلا أن دبر له مكيدة ليتخلص من كلامه الفارغ الذي يقوله كل صباح، بحسب ما جاء بالقصة.

تستمر الأحداث حتى يعطي السلطان خاتمه الثمين للرجل ليصنع مثله في 3 أيام، ثم يبعث السلطان من يسرق الخاتم ويرميه بالبحر ليرى هل قدرة الله ستخرجه للبر أم لا.

وبقراءة سطور القصة، وجدنا نصوص تقول “إن أمر السلطان لا مهرب منه، ولابد من قطع رقبة ذلك الصائغ المجنون”، ونص أخر قال “ألم ألقنه درسًا سيفقد بسببه رأسه في صباح اليوم، يا مسرور أحضر سيفك واتبعني”.

نصوص أخرى مخيفة في قصة “الرفيق المجهول” لنفس السلسلة القصصية تقول “صارا يرقصا وسط الأشباح النارية والعناكب الحمراء وأزهار النار المتوهجة التي تنفثها الثعابين السامة، وقد دقت البوم الطبول وعلا نعيق الضفادع وصفير الجراد حتى طرب الجميع”، وفي نص آخر لنفس القصة “هل تتذكر الميت الذي كان الشريران يريدان إخراجه وإلقاءه على الأرض للكلاب، إني هذا الميت”.

سلسلة “المكتبة الخضراء” ليست الوحيدة التي تحمل مضامين عنف ورعب، بل وجدنا قصة “جلد النمر” المنتمية لسلسلة “سمير الطفل” الصادرة عن “مكتبة مصر الفجالة” والبالغ عددها 72 قضة، قد احتوت هي الأخرى على مضامين عنيفة ومخيفة.

تحمل القصة رسالة عنف ضد الحيوانات حيث تدور أحداثها حول رجل عذب نمر حتى سود جلده وباتت الحروق على جسده ليثبت الرجل أنه أقوى من النمر.

وبحسب القصة “أمسك الرجل عصا غليظة مشتعلة بالنار وراح يضرب النمر، والنار تحرق شعره وتسوده وهو يصرخ وينادي الذئب ليخلصه”.

ظهر ملك الموت في هيئة شبح بقصة “الشيخ والموت”، إحدى القصص الفرعية الموجودة بقصة “اللجام لي” والتي تعد واحدة من قصص سلسلة “حكايات الأطفال” للكاتب سعيد جودة السحار، الصادرة عن مكتبة مصر الفجالة.

وبحسب نصوص القصة، بعدما جلس الشيخ يستريح من تقطيع الأخشاب في الغابة ردد عبارة “تعال يا موت وخلصني من تعب الحياة”، ليظهر له الموت حامل منجل يحصد به الأرواح ويقول له “لماذا تناديني؟”.

التدريب على الجاسوسية وحمل السلاح لخوض حرب، هو أبرز ما حملته قصة “إلى الأمام سر” إحدى قصص سلسلة “سمير الطفل”، للأطفال من سن السابعة وحتى الحادية عشرة.

تتحدث القصة عن معسكر الفئران الذي قرر محاربة معسكر القطط ويعد العدة لذلك، فنجد نصوص القصة تقول “قال الخطيب نشتري السلاح ونتعلم ضرب النار، واشتروا السلاح ووقفوا يحملون البنادق والضابط يمرنهم على ضرب النار، ونصبوا الهدف وراح كل واحد يتمرن على إصابة هذا الهدف”.

أما عن محتوى قصة “أبو قردان الشاطر”، فوجدنا أنه لا يحمل قيمة أو رسالة للطفل بالقدر الذي يثير إشمئزازه منها هو وكل من يقرأها.

وبقراءة القصة، وجدنا نصوصا مثل “تنبه أبو قردان للخطر وهجم على الثعبان ومزقه وأكله، لكن اللسان اختفى، أبو قردان يبحث في الأرض عن لسان الثعبان وكلما وجد دودة أكلها وهو يحسب أنها اللسان”.

جنس وانحراف أخلاقي بقصص الأطفال

لم تتوقف محتويات قصص الأطفال عند بث العنف والرعب داخل نفوسهم، بل امتد الأمر للتحريض على الجنس والإنحراف الأخلاقي.

وجدنا قصة “هل الأولاد يعلمون” التي تشرح فيها الأم لأبنها الصغير “وسام” كيفية أن يتقرب من حبيبته ويتزوجها.

وبقراءة نصوص القصة، وجدنا نصًا في بداية القصة يقول “الأم: اقترب منها وافعل بالمثل، امسك يديها بيدك وعاملها برفق وحنان، وكن رجلًا وأشعر بها بكل حواسك”.

وفي نهاية القصة، تشرح الأم لابنها كيفية إنجاب الأطفال قائلة “سأخبرك كيف يتزوجون.. فى البداية يخلع الرجل والمرأة ملابسهما ولا يخجلان من بعضهما، ثم يدخلان إلى الحمام للاستحمام بالماء والصابون جيدًا ويتعطران، وبعدها يتعانقان في السرير، وهناك سائل منوي صغير ينتقل من الرجل إلى بويضة في رحم المرأة”.

قصة “الخطيب اللص” إحدى قصص سلسلة “أساطير وخرافات” الصادرة عن “كنوز للنشر والتوزيع” بتونس، أثارت جدلًا واسعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لما احتوته من شرح لدور اللص وعرض جرائم مثل السكر والاغتصاب والقتل.

وبالقراءة في نصوص القصة، وجدنا نصًا يقول “وبعد حين دخل رجال العصابة إلى المنزل، كانوا سكارى، وكانوا يجرون معهم فتاة أخرى كانت تصرخ ولكنهم لم يكترثوا بصراخها”.

وبحسب نص آخر في نفس القصة، “أبصر أحد اللصوص خاتمًا من الذهب فى إصبع الفتاة المقتولة، لم يتمكن من نزعه بسهولة، فأخذ فاسًا وقطع به الإصبع الحامل للخاتم”.

تحريف ديني

على جانب آخر من “سور الأزبكية”، يوجد قصص أطفال دينية، بها معلومات خاطئة وسرد لسير حياة الأنبياء مغلوط، من أجل تحقيق أعلى المبيعات ، بحسب أحد البائعين.

وأضاف البائع في حديثه لـ”القاهرة 24″، أنه يتم تحريف قصص الأنبياء لتنقل معلومات خاطئة عن القيم الدينية وعن حياة الأنبياء على اختلاف رسائلهم السماوية.

ويتابع بائع الكتب: “العشر قصص تكون بعشرة جنيهات، ونظرًا لقلة تكلفتها أدرك على الفور أنها محرفة، فهناك دور نشر غير مرخصة وتحت بير السلم تطبعها بهدف الربح المادي، ضاربة بكل القيم عرض الحائط، وما يسهل القيام بهذه العملية غياب الرقابة”.

عثرنا على قصة “سيدنا داود عليه السلام”، وبالفحص تبين أنه لا يوجد أي تفاصيل علي غلاف القصة تفيد بذكر دار نشرها أو اسم مؤلفها أو حتى تاريخ إصدارها.

وبحسب وصف القصة للنبي داود عليه السلام أثناء حربه مع جالوت أنه “نحيف القوام لا تظهر عليه مظاهر القوة”، في حين أنه كان يتميز بالقوة البدنية والشجاعة الفائقة التي جعلته ينتصر على جالوت في المعركة، ومكنته من أداء عمله، حيث كان النبي داود حدادًا ماهرًا، بحسب تفسير القرآن الكريم.

أخطأت القصة في ترقيم آيات القرآن الكريم التي تستشهد بها في المتن، فبدلا من كتابة الترقيم 10 على آية في سورة “سبأ”، كتبت الترقيم 11 عليها، وبالتبعية أخطئت في ترقيم الآية التي تليها، كما أن كاتب القصة لم يكمل آيات القرآن في بعض الصفحات، واكتفى بذكر نصف الآية أو جزء منها.

أماكن توريد القصص

أوضح رمضان، صاحب متجر كتب بالأزبكية، أنه يتعامل مع دور نشر موثقة ومعروفة، أو يشترى القصص من الناس ويعيد بيعها مستعملة.

ويتابع: “كنت أبيع القصة من سلسلة المكتبة الخضراء بخمسة جنيهات، ولكني وجدت دار المعارف تبيعها بعشرين جنيه، فبعتها بـ15 جنيهًا، أما المستعملة منها بخمسة جنيهات فقط”.

وعن الإقبال على شراء قصص الأطفال، يضيف بائع آخر، أن الناس تقبل على شراء هذه القصص بنسبة كبيرة، مدللًا أنه باع صباح اليوم، سلسلة أنيس الطفل كاملة، 50 قصة، بمبلغ 250 جنيه لأحد الأشخاص، دون أن يطلع عليها، كما الحال بكل المستهلكين.

بائع كتب آخر قال لـ”القاهرة 24″، إن المئات من قصص الأطفال يشترونها بمبالغ زهيدة ويطرحونها للبيع ببضعة جنيهات وتحظى بقبول المئات من أولياء الأمور.

وأضاف، أنه ذات مرة فوجئ بأحد الأشخاص ممن أشتروا منه قصص أطفال يأتي إليه غاضبًا ويتشاجر معه بسبب أنه فوجئ أن القصص التي اشتراها تحوي مشاهد وتلميحات جنسية، مبينًا أنه بتفتيش تلك القصة لم يتم العثور على اسم كاتب أو دور نشر.

سعيد عبده، رئيس مجلس إدارة دار المعارف، ورئيس اتحاد الناشرين المصريين، بدت عليه علامات الدهشة، حيث أكد أنه لا يعلم عن هذه السلسلة القصصية شيئًا، موضحًا أن كل ما معلوماته عن القصة أنها تُصدر منذ أكثر من سبعين عامًا في مكتبة مصر الفجالة.

غياب الرقابة

سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أشار إلى مراجعة عدد من تلك القصص، مؤكدًا أنه لو ثبت أنها تروج للعنف سنأخذ إجراءات قانونية بحذفها من السوق.

وأوضح رئيس اتحاد الناشرين المصريين في تصريحات خاصة، أنه لا يوجد رقابة على المطبوعات، فقديمًا كانت الرقابة تفرض على المطبوعات، أما حاليًا فأي كتاب يصدر على مسئولية المؤلف والناشر فقط.